أوردت جريدة الصحافة في يوم الخميس 28 رمضان 1433ه الموافق 16 أغسطس 2012م في عددها (6845) في الصفحة الثانية خبراً طويلاً عن مؤتمر للإدارة الأهلية للتصالحات و التعايش السلمي بالقطاع الشرقي الذي يشمل محليات ( العباسية ، أبوجبيهة ، تلودي ، رشاد ، قدير ، الليري ، و التضامن ) . و جاء في التقرير أن المؤتمر الذي امتد ليومي الثاني و الثالث و العشرين من شهر رمضان الجاري بلغ عدد المشاركين فيه (200) شخص من أمراء و عمد الإدارة الأهلية بالقطاع الشرقي بجانب ( فعاليات المجتمع المدني من الشباب و المرأة و الأعيان ) وأن ذلك تم بحضور ممثل الوالي و مستشاريه و معتمدي محليات القطاع و لفيف من الإداريين و المهتمين . بينما ظهر في الصورة الملصقة أعلى التقرير الدكتور نافع علي نافع الذي لم يرد اسمه في التقرير . و قد ترك الخبر في ذهني مجموعة من الملاحظات أهمها أن المؤتمر عقد من أجل التصالحات و التعايش السلمي ،و لكن دون الإشارة إلى أطراف ذلك التصالح و التعايش المرغوب ، و ثانياً أورد التقرير عدد الأمراء بشكل مجمل دون تفصيل الأمر الذي لا يساعد على معرفة عدد الأمراء أو العمد الذين حضروا و الجهات التي يمثلونها حتى يتمكن المتابع من تقييم مدى نجاح أو فشل المؤتمر و ما إذا كان فعلاً يعكس رأي و إرادة المجتمع المعني ، و ثالثاً أشار التقرير إلى مشاركة ( فعاليات المجتمع المدني من الشباب و المرأة و الأعيان ) فمن هم أولئك الشباب و كيف تم اختيارهم و من حدد نسب تمثيلهم و هل شاركت كل الإدارات الأهلية بممثلين للشباب و المرأة ؟ أما الكلام عن أوراق العمل الأربع التي ناقشها المؤتمر و التي لخصها في ( تاريخ التعايش و التمازج في مملكة تقلي الإسلامية قديماً و حديثاً ، دور الإدارة الأهلية في السلام الإجتماعي و التعايش السلمي ، تداعيات إنفصال الجنوب على التعايش بالمنطقة بصفتها الحدودية ، بجانب مستقبل التعايش السلمي في المنطقة ) فالملاحظة الأولى فيه أن الإدارات الأهلية المذكورة تمت دعوتها شفاهة عبر الهاتف و لم يطلب منها إعداد أوراق تعكس وجهة نظرها و تحدد رؤيتها و إنما أقحمت في مؤتمر دون سابق تجهيز و لا تشاور مع قواعدها و هي لم تشارك في تحديد أولويات المؤتمر فالأولويات محددة سلفاً و الأوراق يبدو أنها كانت جاهزة دون أن يرد أي كلام عن معديها و ما إذا كانوا من أعضاء الإدارة الأهلية أو خارجها ؟ و قد أورد التقرير أن المؤتمر أدان بشدة إعتداءات الحركة الشعبية على مواطني( الموريب و دعا إلى وقف نشاط التمرد بمناطق جبال رشاد و الكجاكجة و أبو الحسن ) ولم يشر التقرير إلى المناطق الأخرى مثل ( فيض أم عبدالله ، خور الدليب ، أمبرمبيطة ، أبوكرشولا ، الليري ، تالودي ، و غيرها ) علماً أن مناطق فيض أم عبد الله و خور الدليب و أمبرمبيطة تحديداً هي من أوائل المناطق التي دارت فيها الحرب و تعطلت فيها معظم الأنشطة الإقتصادية بعد أن أغلقت الطرق الرئيسية المؤدية إليها و كذلك المسارات و المراعي و تأثرت بالنزوح و العودة الطوعية و قدمت عشرات الشهداء الذين لم يرد لهم ذكر في أية وسيلة إعلامية على نحو ما حدث لأمثالهم في تالودي و هجليج و غيرها بل إن المئات من الأرامل و الأيتام الذين رفعت قوائم بأسمائهم إلى كل الجهات الحكومية الرسمية طلباً للإغاثة و العون الإنساني و التعايش السلمي بين أهلها ، لم تصلهم الإغاثة حتى كتابة هذا المقال . في الوقت الذي وصلت فيه الإغاثة و المساعدات الإنسانية حتى أقصى جنوب القطاع الشرقي ( تالودي و الليري و كالوقي ) و أكبر دليل على ظلم أهالي هذه المناطق ما أوردته جريدة الصحافة في نفس الصفحة المشار إليها عن توزيع (500) ألف جنيه لتنمية المرأة في جنوب كردفان عبارة عن قرض لمدة عشرة أشهر و يستهدف ( 50) مجموعة نسوية في مجال الزراعة و الإنتاج الحيواني و برنامج آخر لتوفير سبل العيش لعدد ( 350) امرأة و برامج أخرى كثيرة وردت في التقرير كلها تم تنفيذها في محليات كادقلي و الدلنج و القوز . عليه فجانب الإنطباع الذي تركه عقد مؤتمر التعايش في مدينة العباسية كأقصى مدينة آمنة شمال القطاع الشرقي و على مقربة من موقع الشركة الصينية التي اعتدت عليها الحركة الشعبية و أسرت مهندسيها و نجحت في ترحيلهم إلى دولة أجنبية تم عبرها إطلاق سراحهم ، و قريباً من مدينة الموريب التي ارتكبت فيها الحركة الشعبية أكبر و أبشع جريمة اقشعرت لها جلود الإنسانية و هي جريمة ذبح المواطن المدنى الأعزل ( محمد أبكر بيلو ) بعد إنذار الحركة لقبيلته بمغادرة منطقة الموريب أو مواجهة التطهير العرقي ، فإن تركيز الخدمات و المؤتمرات في هكذا مناطق يرسل للمواطن رسائل سالبة مفادها إعتراف الحكومة الضمني بسيطرة الحركة الشعبية على معظم المناطق الأخرى التى هي أولى بالإغاثة و بالعون الإنساني بل و بالتعايش السلمي و التصالحات لكونها قد حدثت فيها فتنة قبلية أودت بحياة العشرات ، و بين قبائل معروفة بادرت مجموعة من أبنائها بدعوة للتصالح فيما بينهم و عرضوا المبادرة للأخ الوالي أحمد محمد هارون وأبدى استعداده لدعمها و كان من الممكن أن تخرج بنتائج تعايش حقيقي لأنها كانت ستعقد في مكان الحدث نفسه و ليس في أقصى مدينة آمنة و كانت ستؤسس لسلام أهلي إجتماعي لأصحاب الوجعة الحقيقيين و أسر ضحايا النزاع و الفتنة . أما النتائج و التوصيات التي خرج بها مؤتمر العباسية و التي ذكر من بينها ( تعاهدت و تواثقت القبائل المختلفة على السلام في المنطقة و عدم السماح للحركة الشعبية تمرير أجندتها الخاصة بالتفرقة و الشقاق و محاربة الدين ) فهو تعاهد و تواثق من طرف واحد ، متعاهد و متواثق أصلاً و ليست بينه خصومات و لا مشاكل وواقف أصلاً في وجه مخططات الحركة الشعبية . الأمر الذي يضعف مخرجات المؤتمر و يفرغه من محتواه المتوقع بل و يدرجه في خانة المهرجانات الدعائية التعبوية الروتينية . عليه ستظل المنطقة في أمس الحاجة لمؤتمر تعايش حقيقي بمشاركات لأهل الوجعة و الأطراف الحقيقية المطلوب إعادة الثقة بينها .