خرج من المسجد بعد أداء صلاة التراويح وقبل أن يصل إلى منزله قبضوا عليه في الطريق، واقتادوه بضعة أمتار ثم ذبحوه بالسونكي كما تُذبح الشاة ثم قطعوا رأسه عن جسده ومثلوا بجثته، وفقعوا عينيه، وتركوه غارقاً في دمائه، ومنعوا الناس من الوصول إليه إلى صباح اليوم التالي، هكذا بهذه الصورة البشعة التي يندى لها الجبين ويتألم إزاءها الضمير الإنساني الحي قتل أفراد من الحركة الشعبية المواطن محمد بيلو إبراهيم المعروف «بصغيرون» وضربوا أخاه الأصغر أبكر بيلو ضرباً كاد يُفقده هو الآخر الحياة، ولا يزال في العناية الطبية بمستشفى العباسية تقلي. قتل الجناة من الحركة الشعبية محمد بيلو أب لستة من البنين والبنات أربعة منهم قُصر، يوم الثلاثاء الماضي قرب منزله ثم عادوا إلى بيته بخطوات ثابتة ليزرعوا الأسى والحزن العميق في نفوس أبنائه وزوجته بقولهم «خلاص قتلنا أباكم.. قالت لهم زوجته في شجاعة نادرة «هو مؤمن صلى التراويح قبل أن تقتلوه، الله يرحمه» ثم صمتت صمت الأرملة المكلومة في زوجها بظلم.. وأمّا الجناة فقد عمدوا إلى البيت دون أن يمنعهم صراخ القُصّر، ونحيب الزوجة، فنهبوا المال وذهب المكلومة والموبايل ثم مضوا دون أن يطرف لهم جفن أو يرق قلب لعويل المبتورين.. هذه الجريمة النكراء حالة نكرة على مجتمع الموريب.. بل نكرة على مجتمع المنطقة الشرقية قاطبة حيث لم تَجر عملية اغتيال سياسي كتلك الحالة الدخيلة، ثم إنها مُورست ضد رجل لم يكن ناشطاً سياسياً، ولا خطيباً منبرياً، ولكن كان أبو شذا رجلاً عادياً يعمل بعربة كارو ليوفر لقمة العيش لأسرته. كانت هذه الجريمة تتويج لثلاثة تمارين جادة قامت بها جماعة الجناة نفسها عندما هاجمت منزل العمدة آدم أحمد النور عمدة الودالكة والقيادي البارز بالمؤتمر الوطني فلم يعثروا عليه بمنزله فاقتادوا نجله الأكبر أبو هريرة وجاره حبيب الله السنوسي ثم أطلقوا سراحهما فيما بعد، والتمرين الثاني كان على طريق الموريب الدادوري عندما هاجموا قافلة تجار ومواطنين قادمة من سوق الموريب واقتادوا منهم أكثر من ستة نحو الجبل منهم الأستاذ حسين النيل وأحمد الضيف رجل كبير في السن، والكناني حارس السد وآخرين، وكان آخر التمارين عندما أطلقوا النار من أسلحة خفيفة ومدفع ناحية مركز شرطة الموريب بهدف التهديد والإرهاب، هذه التمارين أكدت لهم خلو المنطقة من عمليات المقاومة المضادة سواء أكانت شعبية أم رسمية من الدولة، الأمر الذي جعل الانفلات الأمني تتسع دائرته مما جعل كثيراً من المواطنين ينصاعون لتوجيهات الحركة الشعبية تحت التهديد بالقتل، كما أن الحركة الشعبية مارست تضليلاً للرأي العام، وبعثت فتنة الصراع القبلي الذي لم يكن معروفاً بين الأهالي من قبل، وهذه الدعوات الجاهلية صادفت هوى لدى سفهاء القوم وسقط المجتمع والفاقد التربوي وآخرين يعانون من عقد اجتماعية ومعظم أتباع الحركة الشعبية هناك من هذه الفئات، لذا يصعب حوارهم والتعامل معهم.. وهؤلاء ليست لديهم أي أهداف أو مطالب سياسية محدودة، وإنما هم تبع لمصائر مجهولة. الخطأ الفادح الذي ارتكبته السلطات المحلية بمحلية العباسية تقلي في فترة المعتمد صباحي وزادت سوءًا في فترة المعتمد خالد مختار إنها لم تتعامل مع هذه الأحداث بالجدية الكافية، وهو أمر محوره فشل حكومة الوالي أحمد هارون التي يريدها هو أن تكون دائماً من عناصر ضعيفة فاقدة للإرادة ليكون هو النجم الوحيد في الميدان. والوالي أحمد هرون تنكر لجميل أهل الموريب الذين جاءوا في المرتبة الأولى على مستوى الولاية في انتخابات رئيس الجمهورية والوالي، ولكن إهمال قيادات المؤتمر الوطني نفسها وإهمال قيادة الدفاع الشعبي الذي مارسه الوالي هو الذي جلب الإحباط إلى القيادة والقاعدة، وأحدث فراغاً سمح بالاستقطاب السالب الذي تمارسه الحركة الشعبية الآن، وهي تجيد أسلوب الخداع والتلفيق.. حيث لا يزال الناس يذكرون الخداع الذي مارسوه قبل أكثر من عامين عندما زار رئيس الجمهورية مسيد الشيخ الخليفة أحمد أبو القاسم اللخمي، وذلك عندما قاموا في اللحظة الأخيرة عقب وصول الرئيس بتوزيع كمية كبيرة جداً من أعلام الحركة الشعبية على الدارويش أتباع الخليفة وأوهموهم أن هذا هو علم السودان الأمر الذي غيّر كثيراً في وجهة نظر الرئيس والوفد المرافق له بأن للحركة وجودًا كبيرًا، والأمر ليس إلاّ خداعاً وتدليساً. لكن الوالي أحمد هرون هو المسؤول الأوّل لأنه أخفق في اختيار معتمدي رشاد والعباسية، وأخفق أيضاً حين تجاهل فلول الحركة الشعبية الهاربين من الريف الجنوبي والجنوبي الغربي لمدينة العباسية، وذلك بعد العمليات العسكرية الأخيرة.. هؤلاء الفلول تجمعوا مرة أخرى من جبل أم درمان وجبل أبو الحسن والفرشة والفيض وزحفوا نحو الجبال الشرقية للموريب، والوالي ومعتمدا رشاد والعباسية تجاهلوا المعلومات الاستخبارية التي كانت ترد إليهم يومياً عن هذا التحرك الجديد. أنا شخصياً كتبتُ مقالين الأول تناول قضايا المحلية بصورة عامة في عهد المعتمد خالد مختار، وخصصت الموريب بأنها المدينة الثانية في المحلية بعد العباسية، وأنها منطقة تجارية مهمة ذات إنتاج زراعي وحيواني وغابي وبستاني ولها موقع متميز.. وفي المقال الثاني الذي كان رسالة إلى رئاسة الجمهورية تناولتُ فيه قضايا الموريب بعد تجمع فلول الحركة الشعبية على أطرافها ورسائل التهديد التي بعثوها إلى بعض القبائل وبعض الأفراد.. قرعتُ وقتها جرس الإنذار وخاطبتُ الرئيس ونائبيه بالتدخل الفوري لإنقاذ الموريب بعد فشل الوالي ومعتمد العباسية السابق، وقلت يومها أدركوها قبل أن يقع الفأس على الرأس، لم يحدث شيء!! فوقع الفأس على الرأس. كيف وقع الفأس؟ دخلت الحركة الشعبية الموريب وأعلنت أنها منطقة محررة، واحتفلوا بذلك، وعينوا حاكم مقاطعة الموريب كما فعلوا من قبل في «طاسي» وهذا ليس هو الخبر!! لكن الخبر هو تعيين أحمد إبراهيم إسماعيل المعروف «بالصافي» من سكان قرية «النيلة» جنوبي الموريب حاكماً للمقاطعة وهو رجل مغمور ونكرة قضى حياته بين أشجار الجوافة والنبق، لا تاريخ سياسي له، ولا مؤهلات قيادة، مع ضحالة الفكر والثقافة، ولكن هذا ليس بغريب على الحركة الشعبية التي أصلها ثابتٌ في الغابة وفرعُها ممتدٌ في الأوهام.. ولذلك هذا هو الخبر.. الخبر ليس إعلان مقاطعة الموريب كما زعموا.. لكن الخبر تنصيب «الصافي» حاكماً لهذه المقاطعة.. كما نقول نحن في الصحافة الخبر ليس أن يقال عضّ كلبٌ رجلاً .. لكن الخبر أن يقال عضّ رجلٌ كلباً!! الموريب الآن بعد إعلان سيطرة الحركة الشعبية عليها جرى فيها الآتي: أولاً.. انتشرت أعمال النهب والسرقة والسلب حيث فقد عدد كبير من المواطنين أموالهم وبهائمهم على سبيل المثال سرقت بهائم «أغنام» المواطنة فاطمة إبراهيم وسرقت أبقار المواطن موسى إبراهيم، وسرقت أغنام المواطن آدم قرمصيص وآخرين.. وآخرون باعوا مواشيهم خوفاً عليها من النهب. ثانياً: أُغلق مركز الموريب الصحي وتم طرد الطبيب د. علي خارج الموريب. ثالثاً: تعطلت حركة الأسواق وأُغلقت المحلات التجارية وقطعت الطرق، وتم تعطيل عمليات الموسم الزراعي. رابعاً: أغلقت المدارس الثانوية والأساسية، وسُرِّح طلابها. خامساً: حالات هلع وقلق وترقب أصابت المواطنين جراء مداهمات جنود الحركة الشعبية اليومية الليلة للقرى والأحياء، وتنامي ظاهرة الطابور الخامس التي تمارس المؤامرات على قيادات المؤتمر الوطني التي تخلى عنها الحزب يا دكتور نافع أن يحميها وكذلك الترصد بالمعلمين وأئمة المساجد وقيادات الإدارة الأهلية. سادساً: كل الموريب الآن «مدينة وريف» نزحت نحو الجزء الشمالي نحو شمال كردفان وتكونت شبه معسكرات عشوائية في الريف الشمالي حول قرى مبسوط، وخور الصباغ وطيبة والعضة والقردود، والمشقي، والأبَالِي، وهي معسكرات في العراء تفتقد لأدنى مقومات الحياة وسط الأمطار والرعود والحشائش والرطوبة العالية والبعوض.. هكذا يعيش فيها النساء والأطفال وكبار السن. شرطة الموريب ذات الأربع بنادق مقابل تسعة أفراد أغلقت أمس مركز الشرطة لأنهم تحت مطرقة التهديد، وجاء أمس مجموعة من الخوارج وأنزلوا علم السودان من سارية مركز الشرطة وسرقوا «طبق» التلفاز. هناك أيضاً أعداد كبيرة من النازحين في مسيد الشيخ الخليفة أحمد أبو القاسم في منطقة «أم مرحي» تفوق طاقة المنطقة من حيث الإيواء والإطعام. ومع وصول المعتمد الجديد إلى محلية العباسية نرحب به ونأمل أن يجد حلاً لأزمة الموريب.. ولكن هذا المقال يطالب بالآتي: أولاً: نشر قوات مسلحة في الموريب ويفضل أن تكون من خارج ولاية جنوب كردفان. ثانياً: تسليح الدفاع الشعبي الذي أكمل تدريبه قبل فترة طويلة وإقالة قائد الجيش بالعباسية، ودعم جهود المعتمد الجديد الأخ عربي. ثالثاً: تأمين حياة قيادات الأحزاب والإدارة الأهلية. رابعاً: ملاحقة الجناة والقَتَلَة في جرائم الذبح والقتل. خامساً: تأمين طريق الموريب القردود والموريب الدادوري والموريب تَيرِي والموريب أم بركة. سادساً: إعادة كتيبة الشرطة الشعبية فقد كان لها دور حيوي في حفظ الأمن سابقاً. سابعاً: تأمين فتح المدارس والمستشفى والأسواق. ثامناً: وهو الأهم مراقبة الاتصالات التي تتم حول الموريب وتقوم بها خلايا نائمة في الخرطوم والحصاحيصا وكسلا تنسق مع الخوارج في الموريب لإحداث مزيد من الفوضى هناك. تاسعاً: ملاحقة هذه الخلايا قانونياً وهي معروفة لدى الأجهزة المختصة بكشوفات محددة. عاشراً: نقترح إنشاء نيابة تحقيق في أحداث القرى والأحياء التي قام بها منسوبو الحركة الشعبية، وقاعدة ذلك المواطنون الذين يمثلون شهود عيان وبطرفهم معلومات مهمة، ونطالب بإقالة مدير شرطة الموريب الحالي. هكذا نتيجة تجاهل حكومة ولاية جنوب كردفان بقيادة الوالي وأركان حربه، وحتى وزارة الدفاع في الخرطوم التقارير الأمنية التي حذرت من نزول الكارثة وكذلك الكتابات الصحفية والاتصالات التي تحدثت عن هذا الشأن حتى أضحت الموريب في كف عفريت. أخيراً نبعث برسائل: الأولى إلى مواطني الموريب.. هذه هي الحركة الشعبية التي حذرناكم منها هكذا قدمت لكم الوظائف والمن والسلوى والأمن والرفاهية. الثانية: إلى معتمد محلية العباسية تقلي الجديد بعد الترحيب به نأمل أن تكون وعيت الدرس من سلفك السابق وأملنا فيك كبير. الثالثة: إلى حكومة الولاية والحكومة الاتحادية المنطقة الشرقية التي كانت آمنة مستقرة في تعايش هادئ تتأكّل الآن من أطرافها وسوف تشهد مزيداً من الصراع القبلي بين مكونات مختلفة فماذا أنتم فاعلون؟