السودان البلد القارة 40 مليون نسمة ومليون ميل يتمدد على مناخات متعددة و571 قبيلة ، وحضارة عمرها 7000 عام وتاريخ ممتد قبل بعانخي ومن ممالك كوش ونبتة ومروي وسوبا ومرورا بالسلطنة الزرقاء وممالك دارفور الإسلامية ومملكة تقلي والمسبعات وحتى الثورة المهدية . السودان أرض النوبة والدينكا والشلك والفور والمساليت والداجو والهدندوة والمحس والدناقلة ،أرض الجعليين والشايقية والحمر ودار حامد والرزيقات والهبانية والفلاته والزيادية والميدوب والمناصير . السودان بلد الثورات العظيمة المهدية وأكتوبر وأبريل ثورة ود حبوبة وعلي دينار والسلطان الشهيد تاج الدين في المعركة الثورة «دروتي» وثورة السحيني .السودان الرجال العظماء والزعماء التاريخيون «المهدي، عثمان دقنة، عبد الله التعايشي، خليل فرح، محمد أحمد المحجوب، الأزهري، السلطان دينق مجوك» والسودان البلد العظيم المتحضر الطامح الى العلا والشعب الراقي المتحضر الخلوق بعد مخاضات عسيرة ورحلة طويلة نحو الحرية والديمقراطية ورحلة شاقة وتضحيات جسام ها هو يعبر الجسر نحو الضفة الأخرى نحو الحرية والديمقراطية وعبور الجسر الى الضفة الأخرى تجربة مثل الميلاد الجديد . الانتخابات التي جرت في السودان في أبريل 2010م تختلف عن سابقاتها من تجارب انتخابية لأن الانتخابات التي جرت في الماضي منذ 1956م الى 1986م كانت كلها انتخابات جزئية حيث كان جنوب السودان خارج السباق الانتخابي نسبة للحرب التي كانت دائرة في أحراش الجنوب السوداني وهذه الانتخابات التي جرت في أبربل 2010م كانت انتخابات شاملة لكل التراب السوداني شرقا وغربا جنوبا وشمالا وهذه ميزة تفردت بها انتخابات هذه السنة وأول انتخابات بعد السلام الشامل وهذه ميزة ثانية ثم أن هذه الانتخابات السودانية الوحيدة منذ الاستقلال ولأول مرة يختار فيها السودانيون رئيسهم عبر انتخاب صريح ومباشر فالانتخابات السابقة كان ينتخب الرئيس من الحزب الحائز على أعلى نسبة للأصوات وقيادة الحزب هي من تسمي رئيس الجمهورية وهي نيابة ناقصة حيث أن أعضاء الحزب المنافس يكونون غالبا غير راضين عن الرئيس المنتخب . ثم إن هذه الانتخابات خلت من العنف مما أعطى ميزة نسبية كبيرة للانتخابات ولأول مرة في تاريخ السودان تكون الانتخابات برقابة دولية وتغطية إعلامية عالمية من كبريات الصحف في العالم ومن كبريات القنوات الفضائية العالمية ورقابة محلية من منظمات المجتمع المدني الوطنية . ثم إن هذه الانتخابات السودانية أبريل 2010م جرت في أجواء عالمية مختلفة وتطورات دولية وتطور تكنولوجي هائل وصناعي متقدم وتطور في وسائل الاتصالات ووسائط الاتصال جعل العالم كله يتابع عبر شاشات التلفزة ما يجري في السودان يوميا وعلى مدار الساعة ......وجاءت الانتخابات ومياه كثيرة جرت تحت الجسر السوداني فهنالك تطور اقتصادي ملموس وتطور في الأفق السياسي للمواطن السوداني وثقافة انداحت عبر التعليم الجامعي وتطور في المجال الاعلامي المحلي « الصحفي ، التلفزيوني ، الإذاعات » .... وهنالك تكاثر هائل في أعداد السكان «زيادة سكانية » تقول الإحصائيات إن آخر تعداد للمقترعين الذين شاركوا في آخر انتخابات 86م كانت لا تتعدى أربعة مليون ناخب فقط وانتخابات ابريل 2010م عدد المقترعين المسجلين الذين يحق لهم التصويت والإدلاء بأصواتهم 16 مليون ناخب وبضعة آلاف ويعني ذلك أن هنالك زيادة في اعداد المقترعين يساوي 12مليون ناخب وهذه هي الأجيال الجديدة « الشباب» الذين يمارسون الاقتراع ويدخلون لصناديق الانتخابات لأول مرة في حياتهم وهذه ميزة نسبية يجب النظر اليها من حيث تشكيل الأفق السياسي لهؤلاء ..... الا أن الدروس المستفادة من هذه الانتخابات على الصعيد الوطني دروس كبيرة وعظيمة أولا أثبتت أن الشعب السوداني شعب متحضر وراقي وقد شهد كل من حضر وشاهد على الطبيعة أحداث الماراثون الانتخابي من مراقبين أجانب وإعلاميين. وثانيا أثبتت الشرطة السودانية قمة التحضر والإنسانية والجاهزية الأمنية وأثبتت الشرطة أنها اليد الأمينة والعين الساهرة اليقظة وأثبت رجل الشرطة العادي المدرب على التعامل مع المشهد الانتخابي أنه كادر كفء وقادر على اداء مهمته مما رفع من أسهم الشرطة في أعين المواطنين وأعطى سمعة طيبة وعالمية للشرطة السودانية التي أثبتت أن السودان بلد آمن متحضر .... وثالثا وسائل الإعلام المحلية من« إذاعات وصحف وقنوات تلفزيونية فضائية وطنية » فالصحف السودانية أثبت الصحفيون السودانيون من مختلف المشارب والمدارس الصحفية أنهم قدر التحدي وكفاءات يعتز بها وظهر ذلك جليا في التحليلات العميقة في اللقاءات التلفزيونية وإثراء النقاش الحواري وأبرزت الانتخابات مهنية عالية وحيادية واضحة في الطرح وذلك يظهر جليا في اختلافات التحليل وعدم محاباة أي طرف حيث لم يسلم من نقدها البناء أي طرف مشارك وبينت الأخطاء وفندت الحجج وأنا أعتبره ميلاداً جديداً لصحافة وطنية راشدة وحرة ونزيهة .... ورابعا المنظمات الوطنية «منظمات المجتمع المدني » التي انخرطت في رقابة نزيهة لكل أيام الاقتراع وانتشر الشباب السوداني المنضوي تحت مظلة هذه المنظمات للمجتمع المدني في كل المدن السودانية و الأرياف والبلدات الريفية وهو أول مرة وتجربة حديثة لمنظمات المجتمع المدني في حدث كبير مثل هذا الحدث العالمي وليس المحلي ..... وخامسا مكسب للسودان من نواحي عديدة اقتصادية و إعلامية وأعتقد أن السودان بسماحه للرقابة الدولية بهذه الكثافة الإعلامية قد أطلق أكبر حملة علاقات عامة على مستوى العالم وهذا يحسب في الرصيد الإيجابي للسودان من نواحي عديدة أولا سوف يغير كثيراً من المعلومات غير الصحيحة عن المجتمع السوداني لدرجات التسامح الذي لمسه المراقبون على أرض الواقع ثانيا سوف يجلب انتباه المستثمرين من جميع انحاء العالم للميزات التي تتميز بها الثروات السودانية البكر وخصوصا بعد الإضاءة الإعلامية التي سلطتها عدسات كاميرات القنوات الفضائية العالمية ووسائل الإعلام الإذاعية والصحفية سوف يجني السودان مكسبا حقيقيا قريبا هذا إضافة الى إبراز الوجه الآخر للسودان وتفنيد كثير من المعلومات المغلوطة عنه وإزالة الصورة القاتمة ....... ورغم كل شئ ورغم بعض الأخطاء التي صاحبت العملية الانتخابية الا أن السودان عبر الجسر نحو أفق جديد ويجب النظر الى نصف الكوب المملوء والى التجربة كأساس جيد للمستقبل والتجربة تجود نفسها بمرور الوقت والتكرار و لايجب النظر الى التجربة بسوداوية كما يصورها بعض القادة السياسيين . فالكمال في أي عمل بشري من سابع المستحيلات . ونهاية الماراثون الانتخابي لا يعني نهاية العالم بل هنالك فسحة للتأمل ومعالجة الأخطاء مستقبلا والتجربة يمكن البناء عليها لمستقبل أفضل، فبعد أربعة أعوام فقط ينتهي التفويض الانتخابي وسوف تجري انتخابات جديدة أخرى ونقول لأولئك الذين تحدثوا عن استحالة عبور الجسر قبل الوصول اليه كان الأجدر خوض التجربة ثم الحكم عليها من أرض الواقع وليس حديث التخزيل والاتهام المسبق لاجهاض التجربة واستصحاب عقلية التربص المسبق كما في القصة الطريفة بين القط والفأر «في عرض البحر القط يقول للفأر لماذا تثير علينا الغبار» كان يمكن للذين رفضوا ركوب السفينة أن تكون التجربة ثرة وأكثر شمولاً ولكن البقاء على الرصيف وتوصيف الأمر تنطبق فيهم قصة «زيدان الكسلان» في قصة المطالعة المدرسية ففي تلك القصة تحكي عن موسم الخريف وكل أهل القرية استعدوا ونظفوا حقولهم وزرعوا محاصيلهم وبذروا بذورهم ثم بدأوا في تنظيف مزارعهم من الحشائش بينما «زيدان الكسلان» يأتي يوميا الى الحقل وينام تحت الشجرة والناس يعملون بجد بينما هو «يوصف بدقنه » . ولا يقوم بشيء «حشاش بدقنو»................؟ إن الانتخابات تجربة شعب كامل هو الشعب السوداني ولا يمكن رهن التجربة ومصير الشعب السوداني لأهواء شخصية وأمنيات سياسية لأشخاص ففي النهاية هاهم 16 مليون سوداني يقررون بشفافية ودون تزوير أو ترهيب أو ترغيب مصيرهم بشهادة دولية وعالمية موثقة وتحت سمع وبصر العالم وفي النور تماما جرت التجربة. وعند الإعلان عن النتيجة كل مجتهد سيأخذ نصيبه «وكما قال الشاعر الفكاهي رمى المهدي ظبياً فصاده ورمى عليا كلبا فشق بالسهم فؤاده فهنيئا لهم كل امرئ يأكل زاده » والشعب السوداني أثبت علو كعبه السياسي إقليميا وأنه شعب متحضر وراقي وذو قيم نبيلة فنحن الشرف البازخ وكما غنت فرقة نمارق نردد معها ....شباب العزة اتقدم حامي حمانا نشيل قيمنا نتقدم عشان سودانا يتقدم ...... نعم لقد عبر السودانيون الجسر أخيرا مودعين عهود الشمولية والانقلابات العسكرية والديمقراطية الطائفية الناقصة نحو فجر الدولة