(سلاماً يا وطن بحلم أشوفك يا وطن آمن وحر سعيد ومتفتح محل ما تمشي انسانك عزيز النفس مطامن.. ومتضامن) كلمات شاعر الشعب/ محجوب شريف (1) الزواج قيمة إنسانية لا وصمة حيوانية. خلق الله الانسان، في هذا الكون ليكون خليفته في الأرض، ليعمرها.. وآدم أبو البشر لم يطق الحياة الفردية والوحدة... فخلق الله له من نفسه روحا لتؤانسه ويطمأن إليها فكانت حواء.. النصف المكمل للجنس البشري.. فمن هذا الفهم أتت مفردة (زوج) ليكتمل المفهوم.. ويأتي ميلاد أبناء آدم (هابيل وقابيل)!! ليحدث من بعد ما وقع لأحدهما من سفك لدمه على يد الآخر. وذلك ما يؤكد أن الانسان في الحياة مفطور على التمرد على الواقع... واللجوء إلى الأشياء المغايرة للسائد لاثبات الذات، والسعي إلى تكوين المجتمع. لذا كانت الثنائية هي الوسيط الأمثل لاكمال مشروع الحياة البشرية للانسان المكرم عند الله سبحانه وتعالى على كل المخلوقات الأخرى.. وعناصر بنائه لا تكتمل إلا عبر تأسيس المسكن الآمن.. والذي لابد من توفر الرحمة والطمأنينة فيه، وإلا انهد عرش البيت بعد التعمير بما فيه. (2) العلاقات التكافلية بين الناس إن العلاقات الانسانية موجودة منذ الأزل، ولكن الاهتمام بها قد بدأ في منتصف القرن التاسع عشر، بظهور دراسات كان لابد منها من جانب علماء الاجتماع والنفس... فلفظ علاقات انسانية يطلق على شكل التداخل والتفاعل بين الأفراد في مجالات الحياة وعلى رأسها (الزواج) بهدف تحقيق رغبات الانسان وحاجته إلى الأنسنة. فالزواج مشروع لسلوك انساني.. يحدثه الفرد (بالقبول) والرضى كتصرف جيد لتحقيق هدف أو دافع معين.. يحفظ للحياة الانسانية الوجود بالتناسل الشرعي. ٭ وهو أيضاً يعتبر فهما وتفسيرا وتحليلا لسلوك الانسان.. بل هو أساس جاد لكافة جوانب أداء العيش في الحياة... والدليل على ذلك أن دراسة المشاكل المتعلقة بالزواج الشرعي كمشروع بشري لا يمكن حلها على أساس سليم ما لم تكن مقرونة بفهم واضح لطبيعة العنصر البشري، والعوامل المحركة لسلوكه.. فمن هنا أتى اشهار الزواج واكمال مراسيمه بالطرق الشرعية والمتعارفة... من خطبة باستشارة ولي الأمر.. بعد موافقة المرأة واتفاق الطرفين... ثم من بعد اكمال عناصر الكفاءة والأهلية للرجل والمرأة من أجل (تحمل المسؤولية)!! حتى يتجنب الطرفان كل العقبات والمعوقات التي تعترض حياتهما، وتقود إلى افشال الزواج كمشروع اكتملت جميع أطرافه بالنجاح دون اللجوء إلى السرية والتي تعتبر هي المدخل الأول لعدم الثقة بين الزوجين. ٭ وللزواج الشرعي أثر ايجابي يعمل على تحقيق هدف النجاح في الحياة بين الزوجين، (أما مخالفته) فتقود إلى الأثر السلبي الذي يعمل على هدم المشروع من أساسه، وحفاظاً على الاستمرارية يجب على (الرجل والمرأة) تجنب السلوك غير السليم في سعيهما لاعمار الحياة في بيت الزوجية. (الالتزام بالاحترام المتبادل). والمشكلات التي يتعرض لها الزواج السليم.. سواء كانت مالية أو صراعات اجتماعية مقدور عليها في اطار الأسرة الواحدة ذات الحضور المجتمعي الواضح والمشاركة لحياة الآخرين. (3) مؤسسات الزواج الأخرى أكدت دراسات السلوك الانساني.. أن للدوافع الخاطئة دورا مهما في توجيه السلوك الانساني... والزواج كهدف أو غاية معنية بتلك الدوافع كان لابد من دراسته (كحالة) أو سلوك قد يقود الانسان أو الانسانة إلى اتجاه (الغلط).. دون اكمال المراسم وطقوس الزواج بالطرق الطبيعية والصحيحة شرعاً... فحتماً هناك قوة داخلية للنفس إذا لم ترشد وتغالب.. فقد تحرك الفرد نحو سلوكيات غير حميدة وهذا ما يعرف بالدافعية... هي من تقود الفرد لفعل أشياء باسم اشباع الرغبات بالعاطفة دون العقل وهذه الدوافع في الغالب فسيولوجية.. وهي تتمثل في الحاجة إلى المأكل والمشرب والملبس والجنس. (وتلك هي متلازمات التذوق للذة وطعم الحياة). ٭ وهناك دوافع سايكلوجية... تتمثل في الحاجة إلى الانتماء لمجموعة من الأفراد بهدف توفير الاحساس بالأمان.. وهكذا، لذا فمن الصعب تحقيق الحياة المستقرة بين الأزواج عبر ما يعرف (بالزواج العرفي) ولو اكتملت فيه جميع شروط صحة الزواج الشرعي. ٭ وكان الاعتقاد السائد وإلى وقتٍ قريب أن المال هو المحرك الرئيسي والوحيد لرضى الفرد، إلا أن الدراسات قد أكدت اخيراً أن الحاجة المادية تعد حافزاً واحداً من مجموع الحوافز الأخرى.. بل هي أحدى العوامل التي يمكن أن تكون محتويات الحياة الزوجية بين الأفراد.. وهناك قياس للرضا عن الحياة الزوجية بشكلها المشهر والذي يمكن أن يتم عن طريق توفير الثقة التامة بين الطرفين، ويرفع الروح المعنوية بقبول علات (الزوج للزوجة والعكس).. وبتوفير عبارات الحب وابداء المشاعر التي تسعد النفس المفطورة على الاطراء والأشياء الجميلة. ٭ وذلك بالمشاركة في اتخاذ القرارات، والتي تضمن للزوجين قبول أي قرار وتنفيذه بسهولة، دون اعتراض لأنه قد تم نتيجة مشاركة بالرأي بين الزوجين. ٭ ولابد من وضع نظام ناجح لتربية الأبناء.. بالمتابعة والرعاية وبتوفير قدر من الاستقرار في كنف أسرة متماسكة البناء... وهذا ما يقود إلى تنشئة أبناء مكتملي الثقة بالنفس ولهم القدرة على مواجهة الحياة، ومن ثم الوصول إلى النجاح في المستقبل إن شاء الله. ٭ ووجود الزوجين وسط الأبناء ينشيء بينهم علاقات متبادلة وأسرة مترابطة وهذا ما يسمى بالتفاعل الاجتماعي.. وهذا التفاعل نشأ عنه تأثير في سلوك الأبناء واتجاهاتهم التربوية في المستقبل.. والتأثير قد يختلف باختلاف الوضع الاجتماعي والصحي للأسرة داخل المجتمع.. لماذ؟! لأن الزواج المشهر السليم يستمد سلطته من خلال الصفات الشخصية للزوجين، ويكسب الأسرة الاستقرار ويوفر سبل النجاح للأبناء. (4) ظاهرة الزواج العرفي هو عبارة عن تصرف من قبل رجل وامرأة بغرض تحقيق رغبة الزوج دون الاشهار بإعلان الزواج واخطار أولياء أمر الطرفين.. فمن هنا جاء مفهوم (عرفي) وان ارتضاه الشرع، ولذا بات غير مقبول في المجتمع من واقع الشكل الذي يتم به. ٭ وهو ظاهرة... وانعكاس لثقافة جديدة في المجتمع السوداني.. أضحت واضحة للعيان.. خاصة بعد انتشار رسائل الاتصال (وميديا) الفضائيات، التي عكست ثقافة العولمة... وإلى زمن قريب كان المجتمع السوداني من أكثر المجتمعات محافظة ولكن خطاب التأثير والتأثر بين ثقافات الشعوب الأخرى قد انعكس على مجتعنا السوداني.. على مستوى ثقافة (الزي والتقليد الأعمى للموضة)... وحتى ثقافة الغير في الغذاء واكمال طقوس المناسبات المفرحة من أعياد دينية وميلاد ومراسم زواج لذا كان لابد من استشراء هذه الظاهرة.. وقد يكون هناك دافع للتأثير بظاهرة الزواج العرفي وخاصة بين مجتمع طلاب الجامعات.. لأن الأسباب التي تقود إليه قد أصبحت متوفرة... فأولها عزوف الشباب عن الزواج... وأسبابهم معروفة أولاً:- عدم توفر سبل كسب العيش للشباب حتى ولو كان حاملاً أميز الشهادات والاجازات العلمية (خريجي كليات فنية أو نظرية أو خلافه) لأن ضيق الفرص في التوظيف أصاب روح الشباب باليأس من تحقيق الطموح... لذا كان لابد من اللجوء إلى وسيلة سهلة لاكمال نصف الدين اشباعاً لرغبات وطاقات قد تتحول إلى عقد نفسية إذا لم يحال دونها والكبت الذي إذا انفجر فيا ويل المجتمع من غضب (الارهاب)... فوجود الشباب من الجنسين في الحقول المتعددة لأيام الجامعة.. ثم من بعد المشاطرة لنفس الهموم والمعاناة والخوف من قطار الحياة الذي يحمل (سن الشباب) بلا انتظار!! ثم العطالة بعد التخرج وعدم توفر السكن إلا بالابحار والذي قرب الرقم القياسي في (الغلاء) إذا وجد فأي شاب أو شابة بلغ العقد الرابع من العمر وليس في يده وظيفة أو مشروع يدر عليه مال.. سوف لا يفكر أو يقدم على ايجار غرفة في منزل متواضع في الأحياء الشعبية لماذا؟! لأن أية غرفة في منزل اليوم ايجارها (500ج) فإذا كان الحل جاهز (بعد الزواج العرفي)... تبقى البنت في بيت والدها والولد عالة على أسرته.. (إذاً الحل) في قيام أسرة لهما بما سمى (بالعرفي) ولا داعي للاشهار طالما أن الكل في حل من التزامات الحياة الزوجية المتعارفة.... تلك هي أسوأ افرازات الضائقة الاقتصادية.. ثقافة (الميديا) الفضائية التي استطاعت بكل سلبياتها افساد الذوق العام ومن بينها معتقداتنا الشرعية لاكمال نصف الدين. ثانياً:- هناك بعض الفتيات اللائي أقدمن على الزواج في السر من رجال هم دون الكفاءة الأهلية والشرعية.. وما قبولهن لذاك النوع من أنواع الزواج (الزواج العرفي - زواج المسيار ...الخ) إلا الخوف من الأسباب والعناصر التي ذكرناها في سابق المقال... والتي تمثلت في عامل السن - الحاجة إلى المال - الخوف من الفتنة ...الخ ولكن ماذا كانت النتيجة؟! ٭ ضياع أسرة الزوج.. حينما تعلم الزوجة الأولى (بزواج السر العرفي). ٭ عدم توفر العدل... وهو الشرط الأساسي لمن يقدم من الرجال على التعدد. ٭ جملة مشاكل المحاكم الشرعية اليوم، خاصة بين الوراث بسبب هذا النوع من الزواج وخاصة إذا توفى الزوج دون اخطار الزوجة الأولى حتى لحظة وفاته وكانت له ذرية من زواج السر!! (5) هل من علاج للظاهرة؟! مما أثرنا من مواضيع نخلص إلى أن هذه الظاهرة أسبابها في المقام الأول اقتصادية.. وهي مقدور عليها إذا تمت اعادة التخطيط للمجتمعات بشكلها السليم... ورجعت الدولة إلى دولة الرعاية الاجتماعية وهي تعتبر من أكبر القيم التاريخية للشعب السوداني (أرض النفير والفزع واكرام الضيف ...الخ) ثم العمل على دراسة السكان وتوفير مشاريع اعاشة لكل الفئات من ضروريات الحياة من مأكل ومشرب ومسكن - وليس ذلك ببعيد - طالما أننا مازلنا نمتلك العديد من الموارد المادية والبشرية (ناهيك عن البترولية)!! وذات عائد مجزٍ لاستنهاض المشاريع الاستثمارية في الجزيرة والنيل الأبيض وكردفان ودارفور (السودان اليوم) وهي أسلم السبل لتوفير كسب العيش (زراعة ورعي) للشباب والذي يطمح في النجاح وإلى اكمال نصف الدين بالطرق المشروعة دون اللجوء إلى زواج السر غير المعلن، أو ما تعارف عليه (بالعرفي.. والمسيار.. وخلافه) كما قلنا في عنوان المقال.. ما هي مشروعية الفتاوى حول تلك الظواهر؟! أفتونا يا أهل الفتوى!!