تواجه حكومة الخرطوم ضغوطاً عنيفة داخلية وخارجية خاصة من قبل المجتمع الدولى والوساطة الأفريقية من جهة ومجموعات داخلية من جهة أخرى بشأن مقترح «المنطقة العازلة» فى الحدود الفاصلة بين السودان ودولة جنوب السودان، و يبقى المحك الحقيقى ان الآلية الأفريقية والمجتمع الدولى اقرا بحتمية المنطقة العازلة مايعنى ان اى رفض فى مفاوضات اديس ابابا المقبلة والتى تضع المقترح في مقدمة اجندتها قد يعد تنصلاً من الحكومة السودانية واعلاناً عن عدم رغبتها فى حسم القضايا العالقة خاصة بعد ان قبلت حكومة الجنوب بخيار المنطقة العازلة ، الا ان الخرطوم بحسب مراقبين اصبحت بين فكّى الضغوط بعد ان اعلنت المجموعات السكانية في المناطق الحدودية رفضها القاطع للمقترح جملة وتفصيلا ولم تكتفِ بهذا بل حذرت في بيانات صحفية من تقديم اي تنازلات بشأن المناطق جنوب بحر العرب وتوعدت الحكومة والمجتمع الدولي بالرد المناسب حال تمت التضحية بمناطقهم وضمها جنوبا من اجل التوصل لاتفاق بين الخرطوموجوبا. وتكمن خطورة المقترح انه يقتطع (14) ميل جنوب بحر العرب من الشمال وإضافتها للجنوب بحيث تصبح نقطة الصفر ل»لمناطق العازلة» بحسب الخريطة التي قدمها امبيكي، حيث تواصلت الضغوط على الخرطوم من قبل المجتمع الدولى وامس انتقدت سفيرة الولاياتالمتحدة لدى الاممالمتحدة سوزان رايس رفض السودان الدائم وعدم قبوله إنشاء منطقة عازلة بينه وجنوب السودان كان قد اقترحها الاتحاد الافريقي في اغسطس الماضي، ووصفت رايس موقف السودان بالمتصلب وانه «يثير الشك حول رغبة الخرطوم» بالتوصل إلى اتفاق مع جوبا، وقالت رايس فى حديثها للصحافيين بعد مشاورات اجرتها حول هذا الملف في مجلس الامن أن هذا الرفض «يعيق إنشاء منطقة حدودية منزوعة السلاح وآمنة وتشكيل آلية مشتركة لمراقبة الحدود، وكذلك يزيد من خطر استئناف نزاع مفتوح» بين البلدين، وأعربت رايس عن «خيبة» أملها من الموقف السوداني حيال الاتفاق المتعلق بالعائدات النفطية وقالت «يجب أن يعمل الطرفان بالحد الادنى اعتباراً من الآن مع الشركات النفطية لاتخاذ الإجراءات التقنية» التي تؤدي إلى استئناف انتاج النفط فور التوقيع على اتفاق شامل، وفى ذات السياق طالبت رايس من الخرطوم تطبيق البروتوكول المتعلق بوصول المساعدات الانسانية إلى منطقتي النيل الازرق وجنوب كردوفان وقالت انهما يشهدان أزمات إنسانية متصاعدة. ومن جانبها رفضت الخرطوم تصريحات مندوبة الولاياتالمتحدة الاميركية في مجلس الامن سوزان رايس واعتبرتها احاديث استباقية غير مقبولة في وقت يتفاوض فيه الطرفان، وقال وكيل وزارة الخارجية السفير رحمة الله محمد عثمان ل»الصحافة» عبر الهاتف امس ان تصريحات رايس حول المنطقة العازلة وشكوكها نحو الخرطوم غير حميدة واضاف « هذا تعبير عن نواياها غير الحميدة فكان حري بها ان تنتظر ماسيسفر عن جولات التفاوض الحالية بين الخرطوموجوبا «، واوضح عثمان ان الحكومة رفضت مقترح الوسيط الافريقي ثابو امبيكي بضم منطقة الميل 14 الى دولة جنوب السودان في الخريطه التي قدمها للطرفين وقال ان الخرطوم ليست بامكانها قبول خريطة الوسيط الافريقي الى ان يتم تعديلها وأشار الى مجلس الامن يعلم تماماً موقف الخرطوم. ويشكل مقترح المنطقة العازلة ضغوطاً صعبة على الحكومة السودانية من الداخل والخارج حيث دخلت مجموعات ضغط جديدة في مسار القضية تضم شخصيات ذات نفوذ في حزب المؤتمر الوطني، فقد نظم فى الايام القليلة الماضية كل من والي جنوب دارفور السابق عبدالحميد موسى كاشا وعدد من اعيان المنطقة مؤتمراً صحفياً لاعلان ان بحر العرب خط احمر امام اي تنازلات حكومية، وسبق لهذه المجموعات التي تقطن المنطقة ان حذرت في بيانات صحفية من تقديم اي تنازلات بشأن المناطق جنوب بحر العرب، متوعدة الحكومة والمجتمع الدولي بالرد المناسب حال تمت التضحية بمناطقهم وضمها جنوبا من اجل التوصل لاتفاق بين الخرطوموجوبا. و الى ذلك جدد رئيس هيئة شورى الرزيقات محمد عيسى عليُّو موقف تلك المجموعات السكانية الرافضة لخيار المنطقة العازلة، مشدداً على عدم احقية دولة الجنوب في تلك المناطق، واتهم الوسيط امبيكي بتقديمه خريطة لا تمت للواقع بصلة، وقال عليُّو ل «الصحافة» ان كل الشواهد تؤكد تبعية هذه المناطق الى الشمال، مستدلا على موافقة الحركة الشعبية على اعتماد خريطة السودان في العام (1956) كمرجعية عند توقيعها اتفاق السلام الشامل، وعند اجرائها للاستفتاء وللانتخابات اللذين لم يشملا المناطق التي تدعي الآن تبعيتها اليها، ووصف رئيس هيئة شورى الرزيقات موقف الحكومة الرافض لخريطة امبيكي بالصحيح، وحذر عليُّو في ذات الوقت من مغبة تراجع الحكومة عن هذا الموقف تحت اي ظرف من الظروف لان ذلك من شأنه تصعيد ابناء تلك المناطق للقضية بشكل لن يتوقعه احد على حسب قوله، واشار الى ان ابناء المنطقتين لا يتعاملون مع تصريحات المبعوثين الامريكيين. المحلل السياسى الدكتور صديق تاور يقول ان سماح الحكومة السودانية بمجرد الأخذ والرد فى هذا المقترح مع الوساطة الافريقية والمجتمع الدولى يعد مؤشراً خطيراً للتفريط فى السياسة الكلية للبلاد وفى جغرافيا جزء كبير منها كي تذهب للمنطقة العازلة، واشار تاور ل «الصحافة» بان شريط المنطقة منزوعة السلاح شمالا وجنوبا على امتداد الشريط الحدودى يساوى مساحة دولة بأكملها، واوضح ان هذا الشريط الحدودى المستهدف بالمقترح يمثل المنطقة الحيوية من الناحية السكانية والإقتصادية وهى المنطقة التى يعول عليها لإستدامة السلام وارساء علاقة إيجابية بين الشمال والجنوب مستقبلاً، وقال المحلل السياسى ان إستهداف هذه المنطقة تحديدا لا يأتي من فراغ بخاصة وان المخطط الأمريكى يسعى لوضع يده عليها لتنفيذ مشروع تمزيق وصوملة السودان ، ولفت تاور لان المنطقة تذخر بالتداخل القبلى من الشمال والجنوب على الصعيد الإنسانى والثقافى والاقتصادى والإجتماعى.