عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    لجان مقاومة النهود : مليشيا الدعم السريع استباحت المدينة وارتكبت جرائم قتل بدم بارد بحق مواطنين    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    جامعة ابن سينا تصدم الطلاب.. جامعات السوق الأسود والسمسرة    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    بحضور عقار.. رئيس مجلس السيادة يعتمد نتيجة امتحانات الشهادة السودانية للدفعة المؤجلة للعام 2023م    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    هجوم المليشيا علي النهود هدفه نهب وسرقة خيرات هذه المنطقة الغنية    عبد العاطي يؤكد على دعم مصر الكامل لأمن واستقرار ووحدة السودان وسلامة أراضيه    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجنوب بحاجة إلى استثمار أكثر من «200%» من إجمالي ناتجه القومي لمدة عشر سنوات
رؤى ما بعد الاستفتاء سياسياً.. أمنياً.. اقتصادياً ودولياً «2»
نشر في الصحافة يوم 22 - 04 - 2010

وفقا للمادة «222» يجرى الاستفتاء على تقرير المصير قبل ستة اشهر من نهاية الفترة الانتقالية ،استفتاء باشراف دولى لمواطنى جنوب السودان تنظمه مفوضية استفتاء جنوب السودان بالتعاون مع الحكومة القومية وحكومة جنوب السودان على ان يصوت مواطنو جنوب السودان اما لتأكيد وحدة السودان بالتصويت باستدامة نظام الحكم الذى ارسته اتفاقية السلام الشامل وهذا الدستور او باختيار الانفصال ، اما المادة 226 اكدت انه اذا جاءت نتيجة الاستفتاء حول تقرير المصير لصالح الانفصال فان ابواب وفصول ومواد وفقرات وجداول الدستور الحالى التى تنص على مؤسسات جنوب السودان وتمثيله وحقوقه والتزاماته تعتبر ملغاة .
يرى الدكتورعادل عبد العزيز الفكى الباحث بمركز دراسات المستقبل، ان هناك قضايا أخرى ينبغي النظر اليها بجدية من قبل المراقبين، لأنها مؤثرة على المدى البعيد وهادمة للاستقرار على مستوى المنطقة، اهم هذه القضايا هى الفقر والنزوح.
ففي سبتمبر 2004م كتب الدكتور لوال دينق وزير الدولة بالمالية الحالي ورقة جاء فيها «إن السودان يمثل نوعين من الاقتصاد، اقتصاد متحرك في الشمال وآخر راكد في الجنوب، ان دلالات الازدواجية هذه تقتضي أن تؤخذ في الاعتبار في إطار السياسات الاقتصادية الكلية متطلبات اقتصاد ما بعد الصراع في الجنوب من جهة ومتطلبات الاستقرار الاقتصادي لاقتصاد الشمال من جهة أخرى. وبالنسبة لاقتصاد الشمال فإن صندوق النقد الدولي قد حدد أهدافاً مالية صارمة تهدف الى تحقيق استقرار اقتصاد كلي. ان وصفة اقتصادية كهذه ترمي لإحداث معدل نمو لإجمالي الناتج القومي بنسبة 7% لمدى عشر سنوات من اجل تخفيف الفقر الى النصف في شمال السودان بحلول عام 2015م. إن السودان «أي شمال السودان» قد حقق النسبة وفقاً لمصادر صندوق النقد الدولي، والمطلوب هو الحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي.
إن مخططي برنامج الانعاش الاقتصادي واعادة الاعمار لما بعد الصراع قد حالفهم الحفظ، اذ تم مدهم خلال عام 2004م بسيناريوهات للنمو في مجال تخفيف الفقر الى النصف بحلول عام 2015م، وهو احد اهداف التنمية للألفية، ويمكن تحقيق هذا من خلال اختلاف معدلات النمو لاجمالى الناتج القومى بين نوعى الاقتصاد للسودان. وقد رأينا ذلك فى الشق المتعلق بالشمال، ويجب أن ينمو اقتصاد جنوب السودان بمعدل 30.77% النسبة المطلوبة لكل السودان، حتى يتمكن من تخفيف الفقر الى النصف بحلول عام 2015م. وعندما تترجم هذه الارقام الى متطلبات نجد ان السودان بحاجة الى معدل استثمار سنوى يبلغ 34.2% من اجمالى ناتجه القومى، حيث يستثمر شمال السودان 24.6% وجنوب السودان 227.1% من اجمالى ناتجه القومى على مدى فترة عشر سنوات.
ونجد أن إطار سياسة الاقتصاد القومي الكلي- والحديث للدكتور لوال- يجب أن يتم على اساس توسعي، وسيكون من الواجب تحديد مصادر النمو في كل من الشمال والجنوب، ومن المرجح أن تكون الزراعة والتشييد وقطاعات الخدمات بالاضافة الى قطاع البترول وهو من المصادر الرائدة في النمو الاقتصادي خاصة في جنوب السودان، ويدعو هذا بلا شك إلى خلق بيئة سياسية ملائمة لتطوير القطاع الخاص وتدفق الاستثمار الاجنبي المباشر». ونستخلص- والحديث للدكتور عادل عبد العزيز الفكى- ان جنوب السودان بحاجة الى ان يستثمر اكثر من 200% من اجمالي ناتجه القومي لمدة عشر سنوات، ليتمكن من تخفيض نسبة الفقراء للنصف. وفي ظل عدم الاستقرار الأمني الماثل حالياً في الجنوب، فإن هذا يبدو هدفاً بعيد المنال إن لم يكن مستحيلاً، خصوصاً أن الأزمة المالية العالمية ستخفض من المعونة الانمائية الرسمية بقدر كبير.. عليه يتوقع حدوث مجاعات ونزوح آلاف السكان من جنوب السودان لشماله.
أما القضية الثانية التى يمكنها أن تؤثر على المنطقة، فهى قضية فيروس نقص المناعة، حيث يقع جنوب السودان ضمن المجموعة الجغرافية الأكثر تأثراً بهذا الفيروس المدمر للعنصر البشري، كما أن ظروف عدم الاستقرار الامني والاقتصادي ستجعل الفرصة مواتية لتمكن الوباء. وقد يكون من الاستراتيجيات الدولية إفراغ جنوب السودان من ساكنيه لاستغلال ثرواته الهائلة وأهمها البترول.
ويخلص في قوله الى أن استفتاء تقرير المصير يجب ان يسبقه الاتفاق على مسائل رئيسة تتم صياغتها في شكل معاهدة أو معاهدات بضمانات دولية توقع فوراً اذا ما جاءت نتيجة الاستفتاء بالانفصال، وذلك منعاً لنشوب الحرب أو النزاعات.
وينبغي أن تصاغ هذه الاتفاقيات أو المعاهدات بطريقة تؤدي لاتحاد كونفدرالي او وحدة طوعية بعد مرور عدد من السنوات، والنظر لقضايا الفقر والنزوح والايدز وآثارها على الامن والاستقرار في المنطقة بأسرها.
ويرى السكرتير السابق لمنظمة الايقاد الدكتور عطا الله حمد بشير، أن السودان أمام محك تاريخى سيهز كيانه وسياساته، ففى حالة الابقاء على الوحدة فإن ذلك يعني الاحتفاظ بالسودان كما هو عليه شماله وجنوبه، وبالتالى فإن علاقات السودان الخارجية اقليمية كانت او دولية لن تتغير كثيرا، اما فى حالة الانفصال فسيحدث زلزال فى كيان السودان الحالى، وينعكس سلبا وايجابا فى علاقات السودان الخارجية، بميلاد دولة جديدة مجهولة الهوية والتوجهات والمواقف على حدوده الجنوبية، الأمر الذى ينبغي أن يتهيأ له فى السودان الجديد وفق رؤية وواقعية جديدة. ويقول إنه فى حالة الانفصال ستنشأ دولة الجنوب لتكون محاذية فى تلامس مع حدود السودان الشمالية المشتركة، ويعنى ذلك حجب أو اختفاء ثلاث دول مجاورة من حدود السودان الحالية، هى الكنغو، يوغندا، وكينيا. وتبقى بقية دول الجوار الاخرى بحدودها مع الشمال كما هى مصر، ليبيا، تشاد، افريقيا الوسطى، ارتيريا واثيوبيا. ويقول عطا الله انه بالرغم من تباين النظم فى الدول الثلاث الا ان حدودها ظلت آمنة لم تشهد أية توترات أو تجاوزات او تداخلات او مواجهات عسكرية او قبلية، وفى المقابل ظلت حدود السودان الشمالية والشرقية والغربية بؤرا للتوترات بل والمواجهات العسكرية منذ الخمسينيات، ففى الحدود المصرية أزمة حلايب كانت حربا وهدنات لكنها عالقة لم تحسم بعد، والحدود الليبية سجلت تدخلات عسكرية وغير آمنة، وقد تكون مصدرا لرياح معادية، والحدود التشادية بؤرة لعقود من الزمن وتحت حراسة ورقابة الأمم المتحدة، بينما حدود إفريقيا الوسطى مفتوحة دائماً لما لا يحمد عقباه من تدفقات للاجئين او عصابات النهب. وفى الشرق حدود إثيوبية شهدت مواجهات عسكرية فى الستينيات والتسعينيات، وفى انتظار ترسيم وتحديد الحدود. وكذلك الحال للحدود الاريترية التى كانت معبرا لتدفقات اللاجئين والتمرد من الطرفين.
ويقول السكرتير السابق للايقاد إن حكومة السودان ستكون اول دولة تعترف باستقلال الجنوب فى حالة الانفصال، طالما جاء الاستقلال عبر الاستفتاء المتفق عليه بموجب اتفاق السلام. ويتوقع ان تكون علاقة الشمال بالجنوب اخطر تحدٍ للطرفين، لأن الانفصال يحمل فى طياته قنابل موقوتة تتمثل فى البؤر الراهنة الموروثة المنقولة من عهد الوحدة، والبؤر الكامنة التى ستنفجر بعد الاستفتاء لتخلق من الشقيقين الجارين علاقة عداء وحرب، كما تكمن البؤر الراهنة والموروثة فى المتطلبات الأولية لمقومات دولة الجنوب الوليدة لقيام دولة المؤسسات الدستورية، كما ان الحدود بينهما ستكون حدوداً دولية وليست ولائية محلية، ويؤخذ على قانون الاستفتاء ايضا عدم شموله لأكثر القضايا حساسية، حيث ركز القانون على النظم الاجرائية لعملية الاستفتاء دون التعرض للالغام المزروعة على مسائل مفصلية قد تقود الطرفين الى حالة حرب، وهى حرب لن تكون محلية بل دولية.
أما علاقة السودان ببقية دول الجوار فيعتقد عطا الله جازما بأنها لا ولن تكون مضطربة او متوترة كعلاقته بدولة الجنوب. وعلى طول الحدود الشرقية لشمال السودان نجد أن اثيوبيا قد تتوجس خيفة من ميلاد دولة الجنوب، لأن اثيوبيا تعانى هى الاخرى ململة بعض القبائل والنزعات الجهوية الاقليمية فى الاوقادين والارومو، وتخشى ان تمتد آثار استقلال الجنوب الى تلك الأقليات المتمردة اصلا، لتطالب باجراء مماثل للخروج من حظيرة الدولة الاثيوبية، الا ان اثيوبيا ستتصالح مع انفصال الجنوب كامر واقع، لأن مصالح استراتيجية السياسة الخارجية الاثيوبية لا ترغب فى ان يكون جارها السودان دولة قوية يهدد امنها، وبالتالى فإن تآكل السودان بانفصال جنوبه قد يضعف قدراته الاستراتيجية والامنية، وان ميلاد دولة الجنوب المحاذية للحدود الجنوبية الغربية لاثيوبيا قد تخلق نوعاً من الاحتكاكات الحدودية لتداخل وعبور القبائل الرعوية بين الدولتين، غير ان هذه التجاوزات قد تتضاءل مقابل المصالح الاستراتيجية الكبرى التى تنتظرها اثيوبيا من دولة جنوب السودان، علما بأن حكومة الجنوب ومنذ عام 2005م قد سعت ونجحت فى تأمين وتأسيس علاقات استراتيجية مع اثيوبيا تتمثل فى تعاون حدودى ووضع دراسات جدوى لمستقبل العلاقات الثنائية بين جوبا واديس ابابا، بإنشاء طرق برية لعبور البترول الجنوبى الى ميناء جيبوتى عبر الاراضى الاثيوبية، فضلا عن افتتاح وتسيير خطوط طيران تجارية يومية بين اديس وجوبا. اما علاقة السودان بارتيريا فلن تتأثر لأن ميلاد دولة الجنوب قد يؤثر فى علاقاته مع اسمرا كما هو الحال مع اثيوبيا، وذلك للبعد الجغرافى بين الدولتين، ودور ارتيريا الضعيف اقليميا ودوليا، ولكن مصر هى الوحيدة التى تتوقع ان تعيد النظر فى علاقاتها الخارجية مع السودان الشمالى عند استقلال الجنوب، لاعتبارات ومستجدات، حيث يمثل النيل شريان الحياة ودونه موت مصر، وظل السودان العمق الاستراتيجى لوجود مصر، لكون السودان اكبر معبر للنيل من منبعه الى مصبه فى مصر، فضلا عن ان معظم موارد وروافد النيل تجرى فى الاراضى السودانية لتغذية النيل. وبانفصال الجنوب ستكون كل هذه المصادر المائية تحت سيادة دولة الجنوب بعد ان كانت جزءا من السودان الذى ظل متنازلا عن نصيبه لمصر، بل مناصرا لمصر وسط دول حوض النيل العشر التى تناصب وتطالب تجريد مصر من حقوقها التاريخية فى مياه النيل.
وفى ظل هذه الظروف الانفصالية فإن مصر ستكون اول دولة عربية تعترف بالجنوب، حيث ان الدبلوماسية المصرية تدرك اهمية دولة الجنوب التى تهيمن على مصادر وروافد النيل، وتسعى الى احتوائها بعلاقات ومشاريع مشتركة لترويض حكومة الجنوب القادمة حتى لا ترجح كفه دول منابع النيل الافريقية. ولكن هذه المساعى لاحتواء الجنوب قد تنجح فى استمالة الجنوب ثنائيا، الا ان ذلك لا يعنى باى حال أن الجنوب سينضم الى الحظيرة العربية او للجامعة العربية، فمن المؤكد ان الجنوب بانتماءاته وتوجهاته الافريقية سيتجه جنوبا الى مجموعة اقليم شرق إفريقيا، كما ان ذلك ايضا يجعل مصر تقوي علاقاتها مع السودان الشمالى الذى سيصبح حاجزا او منطقة عازلة لدولة الجنوب التى لا تأمنها مصر.
وفى ما يتعلق بشأن المنظمات الاقليمية فإن الدولة الوليدة لن تجد صعوبة فى الانضمام إلى المنظمات الاقليمية جنوب الصحراء «تجمع شرق افريقيا، الكوميسا، البحيرات» الا ان انضمامه الى عضوية الاتحاد الافريقى يتعارض مع ميثاق الاتحاد الذى يقدس السياسة الافريقية بين الدول الاعضاء الموروثة من عهود الاستعمار، وان اعادة النظر فى الحدود قد يفتح حفيظة الاقليات الاثنية الحبيسة وتؤدى الى تجزئة وتشتت الدول الافريقية، ومتاهات وربما حروب لا تحمد عقباها، الا ان الاتحاد الافريقى سيرحب بعضوية الجنوب كدولة افريقية جديدة لعدة مبررات، لأن الاتحاد الافريقى كان مشاركا فى مفاوضات سلام السودان، واصبح ضامنا وشاهدا على الاتفاقية مع شركاء الايقاد، ولن يتنصل من اتفاق صاغه مع الشركاء لاستفتاء تقرير المصير، ثم ان استقلال الجنوب فى نظر الاتحاد الافريقى يجيء كحق استثنائى فى تاريخ القارة الافريقية، وبارادة دولة عضو ذات سيادة، وليس عبر انقلاب عسكرى او تمرد او اجراء غير دستورى، كما انه يدرك أن هنالك توجها واجماعا افريقيا بين الدول الاعضاء فى الاتحاد لقبول الجنوب القادم.
اما عن انضمام الجنوب لعضوية الايقاد فربما يكون على حساب علاقة السودان الشمالى بالمنظمة، حيث يلاحظ ان السودان ومنذ توقيع اتفاقية السلام ابتعد كثيرا عن منظمة الايقاد، واحجم عن الوفاء بالتزاماته المالية منذ عام 2005م، وادرج فى قائمة الاعضاء المعاقبة مع يوغندا، كما لم يشارك فى معظم اجتماعات المنظمة الوزارية لسنوات، وربما هذا يأتى فى مصلحة دولة الجنوب التي بدورها ستشكل مع اعضاء الايقاد وتحديدا كينيا ويوغندا واثيوبيا الثالوث الاقوى داخل المنظمة.
وفي ما يختص بعلاقة السودان بالعالم الخارجى، فإنه يتوقع أنه فى حال انفصال الجنوب لن يستعصى لاى متابع استجلاء الرؤية والتنبؤ بسودان ما بعد 2011م، فإن نظرة العالم الخارجى وفكرته الثابتة عن السودان، ان شماله عربى مسلم مهيمن ومضطهد لجنوبه الافريقى المسيحى تاريخيا، وبالتالى فإن السودان الشمالى عقب الانفصال ربما يشهد تحولا فى سياسته الخارجية عربيا وافريقيا ودوليا، فمن الناحية العربية سيجد قبولا اكثر فى الساحة العربية، فمظم العرب درجوا على التشكيك فى مدى عروبة السودان، كما يرى البعض أن الجنوب كان مصدرا للحروب وعدم استقرار السودان، وبانفصاله سيكون السودان اكثر استقرارا وجاذبية لاستثمار رؤوس الأموال العربية المحظورة او المراقبة فى اميركا واوروبا.
وفي ذات الوقت سترحب افريقيا جنوب الصحراء بانفصال الجنوب، باعتباره استقلالا للجنوب من الهيمنة والتهميش الشمالى العربى الاسلامى كما يعتقدون، كما أن علاقات السودان بافريقيا جنوب الصحراء السوداء ستصبح اكثر سلاسة بعد ان كانت تشوبها الريبة منذ عقود بسبب حروب الشمال والجنوب.
أما عالميا فإن بريطانيا واميركا ستبديان ارتياحا لانفصال الجنوب، لايمان تلك الدول بحق تقرير المصير، وكانت دول العالم الغربي خلال فترة الحرب داعمة للجنوب، بالاضافة الى رعايتها وتمويلها لاتفاقية السلام الشامل التى نصّت على حق تقرير المصير، ولذا فإن الانفصال سيعنى دعما لا محدود لدولة الجنوب الوليدة من العالم الخارجى، سياسيا وفنيا وماليا وعسكريا واداريا، بمضاعفة المساعدات التى تقدم حاليا.
وباستقراء تاريخ الطرفين الحكومة والحركة الشعبية خلال العقدين الماضيين، نلاحظ أن عبارة تقرير المصير لم تبرز فى أدبياتهما أو خطابهما السياسى إلا فى بداية التسعينيات، فحكومة الانقاذ الأولى الممتدة من الجبهة الاسلامية، كانت قد اعترضت على الاتفاقية التى وقعها الحزب الوطنى الاتحادى خلال عام 1988م مع الحركة الشعبية، باعتبارها تمهد لتقرير المصير وقتذاك. وتمادت الحكومة فى رفضها لتقرير المصير طوال 1989-1993م خلال مفاوضاتها مع الحركة فى جولات اديس ابابا 1989م ونيروبى 1990م وأوبجا 1991-1993م، بل وأعلنت الجهاد المقدس ضد الجنوب، غير أن الحكومة اضطرت الى قبول مبدأ تقرير المصير فى عام 1993م للخروج من العزلة العربية باعتبارها دولة ضد لمناصرتها لغزو صدام للكويت، وللانعتاق من طوق الحصار الدولى الذى ضرب حولها بتهمة الإرهاب، فضلا عن فشلها فى تحقيق اى نصر عسكرى ضد قوات الحركة. وفى الطرف الآخر بدلت الحركة مواقفها تجاه الوحدة والانفصال، وبدأت فى عام 1993م بمنفستو تحرير السودان مع ترديد الانفصال احيانا، ثم تقرير المصير منذ اعلان المبادئ مع الحكومة. ولقد كان مجرد النطق بكلمة الفيدرالية ناهيك عن تقرير المصير فى أدبيات الخطاب السياسى منذ الخمسينيات وحتى التسعينيات حراما وجرما عوقب عليه كثيرون من السياسيين. ولكن بمرور الزمن وتغير الاحوال السياسية والظروف العالمية، اصبح مبدأ تقرير المصير نصَّا فاعلا في مسار المفاوضات منذ 1993م عبورا ببروتكول مشاكوس 2002م، حتى توقيع اتفاقية السلام الشامل فى نيفاشا عام 2005م، ثم فى دستور السودان الحالى للفترة الانتقالية.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.