في إحدى زيارات الصحافة للمناطق الريفية انتقلت لقرية عمارة التي تقع بمحلية ريفي كسلا وعلى بعد خمسة وعشرين كيلو متر جنوب مدينة كسلا ولفتت نظري مزرعة صغيرة ملحقة بحوش أحد المنازل لا تتجاوز مساحتها ثلاثمائة متر مربع تحفها الخضرة ويكسوها الجمال تشرف عليها ربة المنزل يعاونها أفراد أسرتها الكريمة. وتساءلت في سري من أين تروى هذه المزرعة ؟ وأين هي البئر الملحقة بها؟ وبفضول الصحفي الباحث دوما عن المعلومة دلفت من غير إرادة مني إلى داخل المزرعة بعد أخذ الأذن من أصحاب المنزل لأفاجأ بأنه ليس للمزرعة بئر مخصصة لها وعوضا عن ذلك ولدهشتي وجدتها تروى بواسطة عربة كارو يجرها الحمار ؟ ما أن دلفت إلى داخل المزرعة الملحقة بالمنزل الريفي حتى وجدت الحاجة خديجة حامد وهي إمرأة ريفية بسيطة نزحت في العام 1997 نتيجة للحرب من مسقط رأسها قرية اللفة الحدودية إلى قرية عمارة المجاورة طلبا للأمن ،ظلت وأطفالها تعاني من عبء المعيشة شأنها في ذلك شأن غيرها من سكان الريف البسطاء وتحدثت إلينا بنبرة تكسوها الثقة بالنفس بأنها فكرت كثيرا في العمل ومساعدة زوجها في تكاليف المعيشة ولكن العادات والتقاليد الصارمة بالمجتمع البجاوي الذي تنتمي إليه كما تقول حال دون ممارستها أي نوع من أنواع العمل سوى القيام بالأعباء المنزلية الروتينية من غسيل وطبخ ونظافة المنزل وغيرها إلى أن قيض الله لها منظمة براكتكال آكشن وتحديدا مشروع ادارة الموارد الطبيعية وتحسين سبل كسب العيش المستدام بتمليكها هي ومعها ستة من نساء القرية ما يسمى جباريك النساء الفردية( جمع جبراكة) ومن يومها فقد إستوعبت المزرعة قسطا كبيرا من ساعات يومها هي وأبناؤها وبناتها وزوجها لتوفير متطلبات البيت من الخضر والفاكهة وعلف الأبقار وتسويق ما تبقى وبالتالي زيادة دخل الأسرة ورفع مستوى معيشة أفرادها . وتلتقط الحديث إبنتها الكبرى وتقول بأن المزرعة بعثت الأمل في نفوس أسرتها اذ باتوا يشعرن بقيمة الزمن ويتذوقون لذة قضاء الأوقات فيما يفيد بعيدا عن جلسات القهوة وما يصاحبها من قطيعة كانت تستحوذ على جل أوقات نساء القرية . وعن التجربة وأثرها على المجتمع حدثنا الشيخ حامد محمد عمر رئيس لجنة التنمية القاعدية لقرية عمارة مؤكدا أن تجربة مزارع النساء الفردية أتت مكملة لتجربة مزارع النساء الجماعية التي نفذتها براكتكال آكشن في الماضي ،وتستهدف بالدرجة الأولى أولئك النساء اللائي يرفض ذووهن خروجهن للعمل خارج المنزل لأي سبب من الاسباب وبالتالي يحرمن من المشاركة في مزارع النساء الجماعية ، وأكثر ما يميز هذه المزارع كما يقول الشيخ حامد أنها تحتوي على رؤية متكاملة في إستخدام التقانات البسيطة وتسخيرها لصالح الإنسان وتتميز بالتكلفة الزهيدة وإنه في إستطاعة كافة الأسر مهما كانت فقيرة القيام عليها والإستفادة منها وفي ذات الوقت تحتوي على فوائد عظيمة سواء كان للأسرة صاحبة المزرعة أو للقرية ككل بإعتبارها توفر إحتياجاتها من الخضر، كما يتوقع للمشروعات المشابهة احداث نقلة لصالح مجتمع قريته مطالبا الجهات ذات الصلة بتمليك هذه الأسر حيوانات حتى تصبح مزارع متكاملة . وعن الجانب التقني في المشروع تؤكد المهندسة هويدا المرشدة الزراعية بوزارة الزراعة أن جباريك النساء بشقيها الجماعية التي تبلغ مساحتها الفدان والفردية التي تقل مساحتها عن ثلاثمائة متر مربع تعتمد على نظام الري بالتنقيط وهي تقنية حديثة وإقتصادية وفيها توفير كبير للمياه وتضيف أن المزرعة الفردية زودت بوحدة ري متنقلة عبارة عن جردلين سعة كل منهما 4 جالون يتم تعليقها على منصة متحركة وتروى في المرة الواحدة 60 مترا مربعا ويتم تحريكها حسب الحاجة كما زودت الوحدة بنظام يسمح بالتحكم على مسارات المياه وتضيف أن الجردلين كافيين لري الخضروات المزروعة ليومين مما يؤكد قلة إستهلاكها للمياه ولمزيد من تسهيل الأمر على المزارعات فقد قررت المنظمة كما تقول هويدا إستجلاب عربة كارو وحمار ليتم إستخدامه من قبل المزارعات في عملية جلب المياه من صهريج القرية، وعن حجم تنفيذ هذه التجربة ومدى إنتشارها تقول الأستاذة ناهد على ضابط النوع أن منظمة براكتكال آكشن قامت بتنفيذ هذه التجربة في عدد من القرى منها قرية السويل، باقدير ، فاتو ، عمارة ، وغيرها من القرى وتضيف بأن عملية إختيار المستفيدات تتم بالتنسيق مع لجان القرى وفقا لشروط محددة منها حاجة الأسرة ومدى قدرتها على القيام بكافة متطلبات العملية الزراعية ووضع المرأة الإجتماعي بالتركيز على أولئك النساء اللائي ليس بمقدورهن الخروج من المنزل للعمل وبالتالي نحاول جلب العمل لهن داخل منازلهن وبينما تقوم المنظمة بتمليك المرأة وحدة الري ، وتحضير الأرض قبل الزراعة ، توفير التقاوي والتدريب والأدوات الزراعية وتقوم المرأة وأسرتها بتسوير المزرعة بالمواد المحلية إلى جانب قيامها بكافة المراحل الفلاحية والإشراف اليومي.