لقد أثبتت الأحداث الآخيرة حول الفيلم المسئ للرسول (ص) أن هناك أزمة حوار ومشكلة في التواصل بين المجتمعات الغربية الليبرالية والمجتمعات الشرقية المحافظة، لا توجد لغة مشتركة يمكن أن تشكل أرضية للاختلاف أو الإتفاق، ولأن ما يحدث حاليا هو اشبه ب (حوار الطرشان) كل طرف يقول ما يجري على خاطره أو ما يحلو له من حديث، وذات الامر قد حدث من قبل عدة مرات، ولم نستفد من هذه الاحتكاكات في تأسيس شكل علاقة مستدامة تربط بين الحكومات على المستوى الفوقي والشعوب والمجتمعات على المستوى القاعدي، ونرى أنه دائما ما يقود ويوجه الاحداث هم المتطرفون من الطرفين - سواء من الغرب او عندنا في الشرق، مما يؤدي الى التدهور ويكون السبب المباشر لتردي الأوضاع هم من لا يريدون حواراً ولا إستقراراً، فنجدهم في الغرب أفرادا و كل ما يبتغونه هو الشهرة او جمع الاموال الطائلة من مثل هذه الرسومات أو الأفلام، وهم بذلك يخدمون افراداً أو تنظيمات معزولة في الشرق، يخدمونها لأنها لا وجود شعبي او جماهيري لها، فيثيرون الضوضاء والغبار الكثيف، ولا يتناولون الحدث بشكل عقلاني، إنما هياج واثارة تؤدي الى فهم خاطئ يقود لإنفعال خاطئ تكون نتائجه سفك الدماء أو حرق وتعدي على البعثات الدبلوماسية والتي يعتبر طاقمها ضيوفا، على الدولة والشعب حمايتهم حتى لا يتعدى متطرفون هناك على سفاراتنا بالخارج تعاملا بالمثل، في حين انه من المتاح والممكن رفع قضية ضد منتجي الفيلم وإيقافه وتعويض من تضرر جراء الفيلم في القانون الامريكي،أو ان تدعو الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وعلى المسلمين حقا إبراز شمائل الرسول (ص) وتسامحه مع أهله الاقربين عندما اعتدوا عليه وطردوه من مدينته، وكيف شج رأسه وكسرت رباعيته في منطقة الطائف فماذا فعل بهم !! وابراز تعامله حتى مع الآخرين من غير عشيرته واهل الملل الاخرى ، لان اثارة الكراهية وتصديرها تؤدي الى تدهور الاوضاع في العالم الاسلامي كما يقول الكاتب الصحفي عبد الوهاب الافندي في صحيفة الصحافة عدد 19/9/ 2012 : ( انه شهد اول مظاهرة لمسلمي بريطانيا وكانت من اجل فلسطين والوقوف ضد اخراج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان، وأما الآن فقد اختلفت الصورة تماما شكلا ومضمونا ، ويقول ان المسلمين في حاجة لمراجعة اولوياتهم على كل المستويات الدينية والاخلاقية، ولابد ان توضع التراتيبية القيمية بشكلها الصحيح، كأولوية عند الله سبحانه وتعالى ورسوله هي لتحقيق الاهداف العليا للدين في صيانة كيان المجتمعات الاسلامية وحفظ كرامتها وحريتها ومكانتها بين الأمم ). والفيلم الأخير والذي أقام الدنيا ولم يقعدها بعد، إنما يعكس الفجوة الفكرية والمدنية بين المجتمعات الغربية والمجتمعات الشرقية وبصورة أخص بين الثقافة السائدة في أمريكا وأوروبا ومجموعتها والثقافة السائدة في المجتمعات العربية الإسلامية، وكما قلنا ومع وجود مجموعات او أفراد تغرد خارج السرب ، أضف الى ذلك الإحباط الذي أصاب الشعوب بعد وصول الإسلاميين الى السلطة والعجز الكامل عن إنفاذ أي برنامج أو مشروع إسلامي لأن وصولهم الى السلطة جاء بتوافقية مع النخب الحاكمة في الغرب وباعتبار دعم الديموقراطية في المنطقة وفعلا لقد قامت أمريكا وحلفائها بتصفية الأنظمة التابعة للقومية العربية بدءاً من صدام حسين ومروراً بزين العابدين ومبارك وإنتهاءاً بالقذافي وعلي صالح، وما زالت الأمور في سوريا تتدهور وتحث الخطى نحو حرب شاملة في تلك البلاد الجميلة المسماة بأرض الشام، ولقد جاء موضوع الفيلم وما صاحبه من مظاهرات معادية وإغتيال السفير الأمريكي ببنغازي والإعتداء على السفارة الأمريكية بالخرطوم وتونس ، كانت برداً وسلاماً على نظام البعث الحاكم في سوريا، وشغل عنه الامريكان وأوروبا قليلا، وهو المستفيد الأول، ويقول البعض إن الفيلم يكون أُنتج بدفع من إيران لفك الحصار على الحكومة السورية. فالفيلم صاحبه نيقولا باسيلي نيقولا الأمريكي الجنسية مصري الاصل، في البداية عندما تم عرض الفيلم في دور العرض الامريكية لم يجد إقبالاً وتم نقله الى المواقع الإلكترونية وبعد الضجة التي اثيرت حوله اخيرا، نشطت دور العرض وازدحمت الصفوف امامها لمشاهدة الفيلم والذي اثار الانتباه اليه، موجة الاحتجاجات الاخيرة، ولقد ذهب الاستاذ النور احمد النور في عموده «حروف ونقاط» بصحيفة الصحافة عدد 15/ 9/ 2012م الى :- ( أنه لو لم تهاجم السفارة الامريكية في القاهرة ، ولم يقتل السفير الامريكي في ليبيا بسبب الفيلم لبقي انتشاره محدوداً محصوراً ضمن مجموعة صغيرة من الاسرائيليين والموتورين الآخرين وثم جاء المتظاهرون ليعطوا الفيلم شهرة عالمية ويراه الملايين قبل أن تنطفئ القصة). وإضافة الى ذلك فان هذه الإستفزازات لن توقفها المظاهرات ولا الإعتداءات بل سوف تزيدها تعقيداً، وسوف يشعلها المتطرفون من هنا وهناك، وما يفعله منبر السلام ورئيسه الطيب مصطفى والسلفيون والاصوليون ، يؤدي الى المزيد من التوتر والفتنة، وزهق أرواح الابرياء وإستخدام وإستغلال دور العبادة والمساجد لعمل سياسي ولمصلحة تنظيم سياسي غرضه نسف الإستقرار النسبي الحاصل في البلاد، وفي ذات الوقت يدفع بالمتطرفين أمثالهم هناك لينتجوا مزيدا من الأفلام والكاريكاتيرات مستغلين القانون وثغراته هناك ليكتسبوا أموالا طائلة وشهرة تملاء الآفاق ، ولأن القوانين في تلك الدول تتيح الفرصة لذلك، ولا يمكن للسلطة أو رئيس الحكومة أن يتدخل فيما يعرف بحرية التعبير أو النشر ، وهذا ما حدا بعضو القطاع السياسي بالمؤتمر الوطني د. ربيع عبد العاطي حسب ما ورد في صحيفة السودانى عدد 17/ 9/ 2012م ليقول:- ( أن السودان من أكثر البلدان التي تمكنت من إحتواء غضب جماهيرها إلا أن حزبه ضد التعرض للرموز الدينية مؤكدا رفضه لإستهداف مقارالسفارات او الافراد وأن هذا الفيلم ليس مسئولية الحكومة الأمريكية). وفعلا هذه هي الحقيقة ، ولقد إستفاد الدكتور وحزبه كثيراً من تجربة الحكم التي قاربت الربع قرن وعلمتهم التجربة أصول السياسة ، وأن هناك شئ اسمه الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية وثم الصحافة التي تمثل السلطة الرابعة ، وفعلا تحول المؤتمر الوطني الى حزب براغماتي يرعى مصالحه جيدا ، ويعرف كيف يستثمر هذه المظاهرات لتقيه وتحد من غضب الشارع نتيجة الظروف المعيشية القاسية التي يعيشها الشعب، ولو يذكر الناس أيام الديموقراطية الثالثة ومقارنة بين ما كانت تقوم به الجبهة الإسلامية وصحيفة الراية من جهة وما تقوم به صحيفة الإنتباهة ومنبرالسلام ورئيسه الطيب مصطفى الآن لتأكد لهم تماما لماذا يفتعل الطيب مصطفى كل هذه الضجة !! ولعلم الجميع كيف يفشل الإسلاميون في الحكم؟ ولماذا ينجحون في المعارضة !! وإثارة الضوضاء ورفع الشعارات للوصول للسلطة. أما الفيلم والذي أثار كل هذه الزوبعة وأدى الى زهق أرواح بريئة، فإنني والكثيرون معي لم يتحصلوا علي أي نسخة منه، وكما لم يخبرنا أحد شاهده حتى ينقل صورة نسبيا صحيحة للفيلم، كل ما هناك أقاويل منقولة تم تضخيمها لتجد هوىً عند بعض الإنطباعيين والإنفعاليين ولا عمل لهم غير إثارة الفتنة ، ولقد نقل دكتور عبد اللطيف البوني صورة صادقة وهو الإسلامي المعتدل العقلاني واورد الكثير من التفاصيل في عموده «حاطب ليل « بصحيفة السوداني عدد 16 سبتمبر 2012:- ( الذين قاموا بهذا العمل وراءهم عقلية خططت لردة الفعل الجارية الآن وهي أولها إشاعة أفكار الفيلم وجعل أكبر عدد من الناس يشاهدونه في الغرب والشرق و هذا ماحدث بدليل أن عرض الفيلم قد فشل فى إستقطاب المشاهدين في سينما بلوس آنجلس، وبعد( الجوطة) عاد وكسر الدنيا، وثانيا صنع أزمة بين الغرب والشرق وقطع حبل الوصل الذي بدأ يتبلور بعد الربيع العربي وفي ليبيا تحديداً السفير الامريكي الذي كان له إسهام مقدر في إنتهاء حكم القذافي). ونضيف أن الفيلم جاء في ذكرى الحادي عشر من سبتمبر وذكرى الدمار الذي اصاب البرجين وما يمثله من غبينة لدى الشعوب الغربية لفقدها أعزاءها. ثانيا: الفيلم بعد (الجوطة) كما قال دكتور البوني قد حقق ارباحاً خيالية، وهذا ما يريده صاحب الفيلم، ثم الشهرة، و ثالثاً وهذا أهم شئ هو تشويه صورة الإسلام والمسلمين وتصويرهم بالمتشنجين ، وذلك عندما يعتدي أناس غاضبون ، وقد يكونوا غير ملمين بالفيلم أو طبيعة الواقع على السفارات والافراد . ويتابع د. البوني عن مشاهدة الفيلم من عدمه:- ( أعترف بانني بذلت جهداً خارقاً لكي أعثر على الفيلم الذي أساء لرسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ذلك الفيلم الذي أقام الدنيا ولم يقعدها بحثت في كثير من محركات البحث فلم أجد أي دعاية له أو كلام عنه ولعل أفضل تلك المواقع طلب بريدي على الايميل وقال لي سوف نبعثه اليك وما زلت واقف منتظر، أما أنني أود مشاهدة ذلك الفيلم لا لكي أتاكد بنفسي من الإساءة التي وجهت لرسولنا المعظم فما قاله الناس وإعتذار الدول الغربية عنه يؤكد ذلك ولكنني كنت أريد التوقف على الكيفية التي تمت بها الإساءة حتى وإن كتبت عنه مفكرة تكون شهادتي من الدرجة الأولى لأن من رأي ليس كمن سمع وهكذا نجد أنفسنا مضطرين للكتابة عن ردة الفعل). إننا في هذا الوقت الحرج من تاريخنا السياسي والثقافي والاجتماعي ، من الواجب على المجتمع والدولة والمستنيرين والمثقفين واجيال الشباب الواعي ان تعمل على درء الفتنة وتماسك النسيج الاجتماعي ، وذلك بلفظ التطرف والغلو والاستعلاء ، حتى لا نزيد من رقعة التوتر والحرب وعلينا ان نعلم أن المزايدات والابتزازات من هذا المنبر المعزول لن تنفع المسلمين ولا الاسلام بشئ، وانما هو عمل سياسي مفضوح ، وان هذا البلد بتكوينه وتركيبته الصوفية ونشأته الدينية التي تُعلي السلوك والتعامل على المظهر والشكل، وان محبته وتعظيمه لرسوله الكريم بدون من ولا اذى ، لا تحتاج لشهادة من مهووس أومعقد، وإن ما قاله السودانيون عن الرسول( ص) من مدح وتقدير لم يقله عنه أهله عرقيا في مدن الجزيرة العربية.