فى الماضى كان النظام العدلى فى الدولة الاسلامية يقوم على سرعة البت أو ما يمكن أن يطلق عليه بلغة اليوم (العدالة الناجزة). كانت هنالك عبارة "إذا أتاك كتابى هذا يحمله فلان فاضرب عنقه"! ثم تأثرت نظمنا العدلية بالعقيدة الغربية العدلية وهى عقيدة تقوم على الابطاء فى اجراءات التقاضى. لكن هذا الابطاء ينبغى ألا يمس جوهر العملية القانونية أوالعدلية والتى تقوم على مبدأين رئيسين أولنقل عاملين هامين الأول هو أخذ الحقوق من الظالم وردها الى المظلوم والثانى هو عامل (الردع). يمكنك أخذ الحق بعد عشرات السنين و ازالة الغبن، لكن عامل الردع يكون قد فقد معناه. وحتى لا نطيل المقدمة أو هذه (الرمية) يجدر بنا أن نحاول اسقاط تلك (الفزلكة)على واقعنا السودانى. عدة قضايا شغلت الرأى العام فى السودان فى الفترة الماضية،أقامت الدنيا وشغلت الناس وتناولتها الصحف باستفاضة. ثم سكت عنها، دون أن نعلم لماذا أثيرت فى المقام الأول ولماذا سكت عنها، بل الأهم هو:ماذا حدث فيها أو لها! و بعض هذه القضايا أخلاقية مثل قضية رجل أعمال يملك شركات يعمل بعضها فى مجال الزراعة وبعضها فى التكييف. هذا الرجل نشرت قصته صحيفة واسعة الانتشار على صدر صفحتها الأولى مما يدل على أن الصحيفة (مالية يدها) مما كتبت! قالت ان الرجل ضبط بالجرم المشهود وهو يمارس الزنا مع فتاة وأنه جر الى قسم الشرطة (ملفوفاً بملاية)! ثم ماتت القضية وكأنها تتعلق بحادث سير بين ركشة وحافلة! وهنا يتبدى ضياع عامل (الردع) فهذا الرجل ان كان قد أتى ما نسب اليه يكون قد اعتدى علينا جميعاً، ولابد من محاسبته بالسرعة الناجزة حتى لا تضيع معالم الفعلة الشنيعة وحتى يكون عبرة لغيره من (المترفين) الذين قال القرآن ان فسادهم وفسوقهم يجلب (تدمير) البلاد، بينما صحفنا مشغولة بقضايا مشابهة ترتكب فى دار السلام ومايو وحى النصر! وهنالك قضايا اقتصادية وبعضها جنائى. قضية سوق المواسير فى الفاشر وقضايا غسيل الأموال، نريد أن نعرف ماذا حدث فيها. قضية شركة السودان للأقطان، تلك التى أقامت الدنيا ولم تقعدها واعتقل على ضوئها رجال لهم مكانتهم العلمية والاقتصادية والاجتماعية. حدثت قبل أكثر من تسعة أشهر وعلمنا أنها أحيلت الى مكتب المراجع العام. وهنالك سؤال بريئ، أو لنقل سؤال (بليد) وهو اذا كنت قضية مثل هذه تأخذ فى دهاليز مكتب المراجع العام كل هذا الوقت قبل أن يتم البت فيها، فكم قضية يمكن لهذا المكتب حسمها فى العام الواحد!!! وهنالك قضية لا تقل اثارة ولا أهمية من القضايا المذكورة آنفاً وهى قضية افتتاح مصنع سكر النيل الأبيض وما صاحب الافتتاح من لغط، ما زادته الأيام الا غموضاً. فقد أعلن عن موعد الافتتاح، وسودت صحائف الصحف بالاعلانات الملونة عن موعد الافتتاح والذى سيتم على يد السيد رئيس الجمهورية. ثم أعلن التأجيل. وتحدثت الصحف ما شاء لها أن تتحدث. واستقال وزير الصناعة ورفض الرئيس قبولها. وقيل ان البرلمان استدعى الوزير وكذلك العضو المنتدب. ولا نعلم الى أين وصلت الأمور. (حاشية) ان ذلك البطء فى حسم القضايا سواء أكان متعمداً أو غير متعمد من شأنه أن يؤدى الى ضياع الركيزة الأولى التى تقوم عليها العدالة وهى عامل الردع ثم انه يؤدى الى أن ييأس الناس من الأجهزة العدلية ومن فكرة أنها قادرة على رد حقوقهم وهذا يؤدى الى ضياع الركيزة الثانية.