لجان مقاومة النهود : مليشيا الدعم السريع استباحت المدينة وارتكبت جرائم قتل بدم بارد بحق مواطنين    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    جامعة ابن سينا تصدم الطلاب.. جامعات السوق الأسود والسمسرة    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    بحضور عقار.. رئيس مجلس السيادة يعتمد نتيجة امتحانات الشهادة السودانية للدفعة المؤجلة للعام 2023م    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    احتجز معتقلين في حاويات.. تقرير أممي يدين "انتهاكات مروعة" للجيش السوداني    هجوم المليشيا علي النهود هدفه نهب وسرقة خيرات هذه المنطقة الغنية    عبد العاطي يؤكد على دعم مصر الكامل لأمن واستقرار ووحدة السودان وسلامة أراضيه    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحكم الثنائي 1898 - 1955 جينات الأزمة وإشراقات الإبداع
في روح نصوص الدستور القادم: ذاكرة تاريخ وخبرة أهل السودان (1- 4)
نشر في الصحافة يوم 06 - 10 - 2012

إن عالمنا المعاصر يشهد علوا للامم التي استطاعت ان تعيد فهم التاريخ بشكل جيد وجديد: بينما تتحجر الامم التي تفشل في صيرورة تاريخها: نحن بحاجة ماسة لأن ننتقل من تقديس التاريخ بصفته قدرا محتوما الى اعادة فهم للتاريخ بصفته فاعلية حققتها الاسلاف وتفتح بدلا من ان تغلق علينا نوافذ جديدة للاتيان بفعاليات جديدة تتجاوز ما سبق وليست مطالبة له..
د. قاسم عبده - اعادة قراءة التاريخ - ص8
(1)
يرجع المفكر الاكاديمي البريطاني (بيتر وود وارد) اهتمام (انجلترا) بالسودان لقيامها باحتلال (مصر) منذ عام 1882 ، بل ان (وادي النيل) باكمله اضحى تحت نظرها الاستراتيجي، فقد اصبحت قناة السويس ، والبحر الاحمر جزءا من مجالها الحيوي، ولم يكن قرار الزحف العسكري نحو امدرمان لاسقاط الدولة المهدية، بعيدا عن تلك المعادلة والتي كان تنفيذها قد بدأ بالفعل ، حال التقدم نحو دنقلا في عام 1896 ، والى نهاية سيناريو معركة كرري في 2 سبتمبر 1898 ودون دخول في تفاصيل تحيل بشأنها الى امهات المراجع، فان التدبير جوهري من قبل بريطانيا التي رددت ورسخت مفهوم الحكم التركي الفاسد وما ترتب عليه ، من رفض وطني انتهى بثورة عارمة عليه ، هددت المصالح الاوربية، السودان ، دون ان تجرح مشاعر مصر تجاه احساسها بسيادتها عليه وخرج دهاقنة السياسة الاستعمارية لما وراء البحار (سالسبوري وكرومر) بصيغة الحكم الثنائي.. ولقد صممت بحيث الا يتم الافصاح عن السيادة .. قام بتوقيع الاتفاقية كل من غالي باشا رئيس الوزراء المصري عن خديوي مصر، وكان ذلك بتاريخ 19 يناير 1899 وكان لتلك الاتفاقية ملحقها من (10 يونيو 1899م) والذي اضحت بموجبه (سواكن) كسائر بلاد السودان في احكام الاتفاقية.
من اهم بنود تلك الاتفاقية الثنائية التي لم يراع فيها تمثيل اهل البلاد هي (اتفاقية غنائم) النص على حق التوسع باسم الحكومتين متى ما خرجت عن (الحضرة الخديوية)، وان تشارك حكومة بريطانيا بما لها في حق الفتح في وضع النظام القانوني والاداري وفي اجراء تنفيذ مفعوله وتوسيع نطاقه في المستقبل، ورفع بناء على تلك الاتفاقية علما كل من بريطانيا ومصر على مقر الحاكم العام الذي فوضت اليه الاتفاقية الرئاسة العسكرية والمدنية تحت مسمى حاكم عموم السودان والذي يعين بأمر عال من الخديوي بناء على طلب من حكومة جلالة ملكة بريطانيا... ويلاحظ ان ذلك الحاكم العام - قد احتفظ وفي نفس الوقت آنذاك بوظيفة سردار الجيش المصري، وقد اورد بيتر وود وارد ان الاتفاقية كانت لعبة مكشوفة صممتها ونفذتها بريطانيا وان مصر هي التي تحملت بالفعل تكاليف تلك اللعبة اذ اكتشفت لاحقا انها لم تحصد من الغنيمة سوى دور رمزي ، حاولت فيما بعد ان تصححه ليكون دورا محوريا، وواصلت (الحملة العسكرية) دورها المحوري في استئصال الثورة المهدية، فكرا وتبشيرا لتطارد وتقتل الخليفة عبدالله وقياداته العسكرية،في ام دبيكرات وابني المهدي في الشكاية واسر الامير عثمان دقنة، ورصدت تحركات السلطان علي دينار لتغتاله في 1916 ، ولتواصل الادارة البريطانية دورها الاستراتيجي في متابعة استئصال كل مظاهر الثورة المهدية و(الاحتجاجات الفكرية ..الاستقطاب وتكملة البناء الثقافي والاداري والسياسي وانشاء مؤسسات المجتمع البديل، مثل كلية غردون التذكارية والتوسع في التبشير المسيحي وانشاء الاجهزة المرفقية ذات الطابع الاستراتيجي (السكة حديد، التلغراف، والمراكب ، وكانت بداية تلك النشأة المرفقية هي مؤسسات السكرتير الاداري والسكرتير القضائي وتم اعادة توزيع السودان اقليميا على اساس المديريات التي يرأس كل منها بريطاني من العسكريين ولم تخل تلك الادارة من معينات بشرية من اهل مصر من المسيحيين ومن الشوام بصفة اساسية سواء في مجال الاستخبارات والامن والادارة والحسابات وبعض المصالح الفنية..اورد كثير من الباحثين ان البريطانيين قد انفردوا بمقاليد السلطة والثروة وان حكمهم وادارتهم قد اعتمدت على الضبط العسكري بغرض الانضباط المهني وبالحذر الشديد والصرامة الاشد، تجاه كل محاولات الاحتجاج والرفض، وفي جانب آخر لجأت الادارة البريطانية لاستقطاب زعماء العشائر في اوساط القبائل وفي استقطاب اشد لزعماء الطوائف الدينية والطرق الصوفية ولم تكن ادارة ما وراء البحار بعيدة عن شغلها الاساسي، في عزل السودان عن مصر وهي السياسة التي سعى ومضى السير ونجت في تنفيذها بفهم لا يلين رغم المفارقة في كونه ضابط في جيش مصر ومدير لقسم استخبارات السودان، وهو الذي ادار بالفعل الحملة العسكرية ضد سيادة السودان، تحت حكم المهدي، (راجع جمال الشريف ، الصراع السياسي على السودان).
(2)
كانت المقاومة على الرغم من الصرامة الظاهرة في ضرب التحركات الوطنية، تنتشر وتغلي في كل انحاء البلاد.. ويقسم الاستاذ ابواسكندر السوداني عبدالمنعم حسن الحواتي في كتابه عن الجيوبولتيك في السودان ، هذه المقاومة الى
- مقاومة دينية ترفض الوجود الاجنبي المسيحي.
-مقاومة قبيلة عشائرية، ترفض محاولات التقليل من صلاحياتها او دمجها (جبال النوبة والجنوب).
- مقاومة مدينة سياسية، بسبب زيادة الوعي الوطني في رئاسات الايام (الجمعيات الثقافية) ام درمان ، شندي ، حلفا ، الابيض ، الفاشر.
ولقد اورد بيتر وود وارد ملاحظة جديرة بالتوقف.. وهي ان السمة المشتركة لحركات المقاومة في الجنوب والشمال بما في ذلك بالضرورة جبال النوبة ، تتمثل في عدم توافق الحياة في دولة مركزية والسودان الدولة المضطربة ص 39 .. ويرى الاستاذ جمال الشريف ص 477 انها مقاومة ذات طابع فردي ولكن المقاومة المنظمة التي اخذت الطابع الوطني القومي (ط، و. ق) باشتراك جميع فئات المجتمع قد ظهرت خلال الفترة 1919 - 1924 بسبب اثر نفوذ الحركة الوطنية المصرية والتي تبلورت في ثورة 1919 وهو ما شكل فيما بعد في السودان نواة جمعيتي الاتحاد السوداني 1921 ، اللواء الابيض 1923 وهما ما شكلا فيما بعد نواة تنظيم العسكري ، المدني ، الذي وسم حياتنا السياسية فيما بعد بالانقلابات العسكرية، وكان غريبا جدا من ذلك المسار ان تضرب الصفوة الدينية والعشائرية، ثورة 1924 ولتصدر بيانا بادانتها، وهي مسألة تستحق من اهل التاريخ والسياسة التوقف امامها ، للبحث والتمحيص والاستخلاص: هل كان ما صدر تكتيكيا ، بعد ان وضح حزب الحركة العسكرية الوطنية، حتى لا يطالها العقاب ام هو موقف مبدئي ، له اسبابه ودوافعه..
يورد (جورج ستيورات سايمز)بعد وصوله للخرطوم في عام 1933 ان ثمة ما يشكل ارهاصات لمن سماهم (بالجبهة الوطنية الجديدة).. وانها سوف تنتظم في اقرب وقت من الشباب المتعلمين الذين سوف يتجهون الي مصر، فان هذه الجبهة سوف تضم ايضا من هجروا فكر المهدي ، والتي تم تشجيعها على نبذ ارتداء الجبة لترتدي الزي الحديث، وللغرابة حذر جورج ستيورات سايمز كما ورد في كتابه من ان هذه الجبهة سوف تطالب بتكوين دولة سودانية (تشكيل حكومة وطنية مركزية).. لتمارس الوظائف القومية (راجع جعفر محمد علي بخيت الادارة البريطانية والحركة الوطنية - ص167).. ولقد استهدف سايمز فيما بعد تقويض القبلية، وسياسة الحكم المباشر وجذب قيادات الطلاب، في كلية غردون للعمل في الوظائف الحكومية.. لاحظ درجة الاستقطاب لملء فراغ الثورة المهدية (بديل مجتمع الحكم الثنائي المطلوب).. مضى سايمز في فتح المدارس الحديثة دون الثانوية فهدف لخلق مجموعة كبيرة في المتعلمين الذين يجب ان يعتمد عليهم لتطور البلاد اعتمادا كبيرا ولم تكن (مصر) بعيدة عن ذات النهج الاستراتيجي في بناء الاجيال التي تدافع عن وجودها في السودان، فكان لها وسائلها العلمية والفكرية وهو ما وجد اقبالا ليس له نظير من جيل تلك الفترة التي اعقبت ثورة 1924 .. ولقد عنَّ لي (صدق) نبوءة سايمز حين تحدث عن ارهاصات الجبهة الوطنية الجديدة فقد اورد احد اهم تقارير الاستخبارات البريطانية فيما بعد خطورة من يحملون جينات الحركة الوطنية المصرية من القاهرة للخرطوم وهو ما حصل بالفعل في نشأة (حزبي حزب الشيوعي السوداني) و(حركة الاخوان المسلمين).. في السودان:وصف التقرير الاستخباراتي ذلك التحرك بكونه:
-------------
THE SUDAN HAD AL READY AHD ITS UNFORTUNATE ERIEYCE OF NATIONALIST ERUPTION , UNDER THE INPUTS OF THE EGYPTIAN MOVEMENTS INITS
REVOLWRY STAGE: A NUMBER OF THE EDUCATIATED GENERATION ORGAIVISED ANAGITATION AIMING INDEPENDANCE, INUNION WITH EGYPT.
-------------
وقد اكد مثل ذلك الاجتهاد الواقع، اي السير جون ما في (Sir John Maffy).. حين صرح عند وصوله 1926 بضرورة (التوسع في الادارة الاهلية) كترياق مضاد للجراثيم السياسية الواردة من القاهرة.
----------
WE OUGHT TO GET WITH EXTENSIONS AND EXPANSION NATIVE ADMISTRAION IN EVERY DIRECTIONTHERE BY STERLISING AND LOCALISING THE POLITICAL GERMS WHICH MUST SPREAD ROM THE LOWER VALLY TO KHARTOUM.
----------
في كل الاحوال كان (الصراع بائنا وظاهرا بين ثقافة وطنية ذات اهل ديني مثلتها (عمامات الشيوخ)، تطلعات وقناعات (طبقة المتعلمين الجدد، بين من استهواهم (الطربوش) او اخذتهم (البرنيطة) اعجابا بالسلوك والمضمون.. وهي (ذات الجينات) التي شكلت سياسة دون غرابة تيارات الاستقلالية... والاتحاديين او ربما كانت هي ذات قوى الختمية والانصار الاجتماعية - كما وصفتها (الاستخبارات البريطانية)..
٭ خيب (المتعلمون) من (أهل الثقافة) ظن (دهاقنة السياسة)، في (مصر) وفي بريطانيا وكان لهم في (تاريخهم السياسي) وقيمهم الاجتماعية ما يصبو الى الاستقلال، وقد رأى د.جعفر محمد علي بخيت، (ص 202) ان من اصول الاسباب نشأة مؤتمر الخريجين العام، في عام 1939م هو رغبتهم في وجود هيئة استشارية، تعبر عن وجهة نظرهم، في اعقاب ثورة 1924م وقد رفعت هذه الجماعة شعار (السودان للسودانيين) ومن مصادرها الفكرية (جمعية اولاد الهاشماب) يحدوها نداء انصاري مازال عندهم مقيما بالوجدان، ولقد ابرز تقرير قدمه ج.ج (بني) مدير الامن العام، وقتها 1936م، تقريرا اوضح فيه ان فكرة انشاء هيئة استشارية من الخريجين بدأت ارهاصاتها حال التوقيع على اتفاقية 1936م، حيث قام النحاس باشا تحت ضغط بريطاني، عرفت فيما بعد باتفاقية الصداقة والشرف، (راجع د.بركات موسى الحواتي قراءة في العلاقات السودانية المصرية ص 104، وكان يصر على فكرة الهيئة الاستشارية، امام البريطانيين كل من (المفتي الشيخ السيد أحمد الفيل) والشيخ سيد أحمد عثمان القاضي، واورد التقرير ان الطبقة المتعلمة تشعر بان صوتها يجب ان يصغى له، بشأن مستقبلهم وفق بنود المعاهدة، وفي كل الاحوال فلم تجد الفكرة قبولا سواء من (جيلاني) او (آدم سترونج).
٭ لأن الفكرة مازالت كامنة في عقول ووجدان شباب السودان الذي تعلم في فصول كلية غردون، فقد نظموا انفسهم فكريا، في صيغة منتديات ثقافية، (الجارون) و(الهاشماب)، وربما في غيرها من (حواضر ومدن السودان الاخرى)، واذا كان (نادي الخريجين) قد تأسس بالفعل، فقد تميز بصراع حيوي، بين (الاستقلاليين والاتحاديين أدى لاحقاً الى كل تطورات السودان السياسية والدستورية، سواء بين اهل المواقف الجامدة، او المرنة او الانتهازيين من ذوي الغرض الخاص، او المنكفيين فكريا او المنفتحين الى المستقبل، فكان ما نرى من احزاب سياسية، وما نعيش من انقلابات عسكرية، وما يهدر من ثروات في صراع السلطة المتبادل يمينا او وسطا او يسارا، كان الوطني الاتحادي وحزب الامة والجبهة المعادية للاستعمار الاخوان المسلمين، وكان ما هو كائن في تاريخ لاحق شكل مؤتمر الخريجين منذ بدايات تأسيسه (رأس الحربة) في عملية التطور السياسي والدستوري في البلاد ويلاحظ ان (مواجهات المؤتمر) للسلطة البريطانية، على وجه التحديد.. دون المصرية، قد تميزت باللباقة والادب والقدرة على التفاوض والمناورة، وهي احد سمات صراعنا السياسي فيما بعد.. كما افسد التدخل العسكري، رغم ضروراته المسلحة في بعض الاحوال، احتمى نشاط المؤتمر السياسي بالنشاط الاجتماعي والثقافي وتناول مسائل الجنوب والجنينة وانتهت خطوطه الحمراء برفع المذكر الشهيرة في ابريل 1942م حين كان ابراهيم أحمد رئيسا للمؤتمر فقد طالبت المذكرة الحاكم العام بمنح السودان (حق تقرير المصير) وهي مما حاولت الادارة البريطانية الاستجابة من خلال صيغة المجلس الاستشاري لشمال السودان 1943م والتي تطورت فيما بعد لتكون (صيغة الجمعية التشريعية) 1948م والتي حاربتها التيارات الاتحادية والجبهة المعادية للاستعمار والاخوان المسلمين، ولعلي اسأل ماذا كان يفيد تلك التيارات في هذه الصيغة في سياق التطور السياسي والدستوري.
٭ تحرك تيار الاتحاديين، فيما يشبه الانقضاض في دورة المؤتمر العام 1945م إذ قام بتفسير مصطلح تقرير المصير الواردة في مذكرة ابريل 1942م قيام حكومة سودانية ديمقراطية في اتحاد مع مصر، تحت التاج المصري.. وقد قاد تيار الاتحاديين منذ ذلك الوقت حملة شرسة ضد الجمعية التشريعية واعتبرها مسرحية وسيناريو، تهدف الحكومة البريطانية من ورائه الى تسليم السلطة لحزب الامة وتيار الاستقلاليين.. وترى ان ذلك كان (استقلالا صورياً) يوقف المد الوحدوي تجاه مصر، ومضى ذلك الصراع الى نهاياته باتفاقية 12 فبراير 1953 بين كل من مصر وبريطانيا، حيث يمنح السودان (حق تقرير المصير) وكان قد سبق ذلك وفق خطة بين التيارات الاتحادية ورعاية مصرية توحيدها في حزب واحد هو الحزب الوطني الاتحادي (الجمعة 13 اكتوبر 1952م) وبناء على تلك الاتفاقيات اجريت اول انتخابات سودانية والتي اعلنت نتائجها في 29 نوفمبر 1953م وليفوز الحزب الوطني الاتحادي بالاغلبية التي مكنته من الحكم، وكانت مفردات النتيجة على النحو التالي:
- 51 مقعدا للحزب الوطني الاتحادي.
- 22 مقعدا لحزب الامة.
- 11 مقعدا للمستقلين.
- 9 مقاعد للجنوبيين.
- 3 مقاعد للحزب الجمهوري الاشتراكي.
- مقعد واحد للجبهة المعادية للاستعمار.
٭ بدأ التلاعب بالديمقراطية، بصورة غير اخلاقية، حيث تحولت فكرة الانتخابات النبيلة الى سوق رخيص، تداوله قطبا الصراع آنذاك (الوطني الاتحادي وحزب الامة) على الاخص بين النواب المستقلين والنواب الجنوبيين.. وربما الحزب الجمهوري الاشتراكي)..
٭ وكان اعلان الاستقلال في 19 ديسمبر 1955م ممهورا بدماء مواجهات اول مارس 1954م.
نتابع ان شاء الله..
ملاحظات غير عابرة:
٭ دروس التطور السياسي والدستوري في مراحل ما بعد ثورة 1924م تبدو جديرة بالتأمل والتدبر. فهي نواة التدخل او التنسيق العسكري في السياسة في السودان).
٭ (دروس ما بعد اول انتخابات) هل تستطيع ان تجيب على مبررات (التدخل العسكري) لمرات ثلاث واستلام السلطة واعلان فشل الممارسة الحزبية. اي (تتم الانقلابات العسكرية باسم الديمقراطية) وراجعوا كل بيانات عبود (1958، نميري 1969، وعمر حسن أحمد البشير 1989م).
٭ هل ثمة تصور ترفقه القوى السياسية لنفسها، عن نموذج ديمقراطي يؤطر لتجربة الممارسة السياسية.
٭ نأمل ان تعجل كلية القانون جامعة النيلين بمبادرتها في اقتراح مسودة الدستور القادم، فهي جهد اكاديمي مميز.
٭ وادعو الاستاذ محمد خير البدوي، ليدلي بشهادته وغيره..
فقد قال امين التوم ساتي شهادته وقال جعفر حمد شهادته وقال المحجوب شهادته رحمهم الله..
وبقي ان نسمع من الاخرين.
٭ هل بالامكان ان نسمع عن منتدى بعنوان (في نقد العقل السياسي السوداني).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.