إن الضغوط الدولية المستمرة منذ التسعينيات على السودان مازالت في قضايا مصيرية آخرها القرار الأممي «2046»، وحيثياته ضرورة التفاوض بين حكومتي السودان وجنوب السودان حول قضايا الخلاف، وحدد القرار ميقاتاً زمنياً، وأوكلت الآلية للوساطة الأفريقية. وثمار هذه الضغوط جدية في التفاوض أفضى لاتفاق التعاون المشترك بين الدولتين، وهو اتفاق رغم ان نسبة نجاحه قدرت ب 80% في الحدود. والحدود هي أس المشكلة، «أبيي، حفرة النحاس، الميل 14، كاكا التجارية، والمقينص، وجودة»، أما الانفراج والنجاح في الجانب الاقتصادي وعودة تصدير البترول عبر الانبوب السوداني، فهذا الخبر كان أثره مباشراً على سوق العملات قبل أن يدخل حيز التنفيذ. كما أن وزير المالية قد صرح بأن هذا الاتفاق يدعم الخزينة بحوالى ملياري دولار امريكي. أما الجانب الاجتماعي السياسي فهو عودة المقترح القديم الحريات الاربع، مقرونة بالجانب السياسي والاقتصادي، وحركة السوق والبضائع وحركة الرعاة الذين يقدر عددهم بمئات الآلاف، وهي رحلة قديمة قدم السودان، وضرورية لحياة الناس والدواب، وهي ثروة محسوبة في الاقتصاد السوداني. قال لي احد الاخوة: «لو علم هؤلاء المعارضون لاتفاق التعاون ورحلة الشتاء والصيف لأهلنا البقارة وتوغلهم في اعماق الجنوب وعودتهم سالمين غانمين لهللوا وكبروا وحمدوا الله كثيراً، لكنهم اهل الخراطيم ناس الراحات ناس الطحنية والبيبسي والتاكسي والمراوح.. مرتاحين ناس زي العوين جلود ملس»، وقال «انحنا مع الاتفاق عديل». وقال رئيس الوفد ادريس «ان وقف العدائيات يشمل الإعلام السالب، وطالب بانهائه، ووجه انتقادات لاذعة لأحد كتاب الاعمدة الانفصاليين». الانفراج السياسي الخارجي: استخدمت امريكا بذكاء خارق مكافحة الإرهاب «مصيدة» للايقاع بدول العالم الثالث ضمن المخطط الامريكي «للهيمنة عللى العالم والاستفادة من التناقضات والحروب التي تديرها من على البعد بالريموت «رموت كنترول» والتي تحدث بين الدول، مثل مشكلة جنوب السودان وشمال السودان والانحياز الواضح للجنوب. وامريكا وعبر رئيسها اوباما الذي رحب وأشاد بالاتفاق، ووزيرة الخارجية الامريكية، تستقبل السيد وزير الخارجية علي كرتي على هامش زيارته لأمريكا، ومن داخل البيت الأبيض يصافح وزيرة الخارجية ويبتسم وتبتسم هي، رغم ان الخارجية الامريكية في تقريرها الدوري اكدت ان السودان مازال يرعى الارهاب، بدليل ابقاء السودان ضمن القائمة يتوسط محور الشر ايران وكوبا وسوريا ولكنها السياسية!! اذ كيف استقبل في الخارجية؟!، ويصافح الوزيرة وهو يأوى الارهاب الذي صار الفخ الذي تدخل عبره امريكا لمن تريد افتراسه؟ وأوروبا عبر وزير خارجيتها اشتون رحبت بالاتفاق، يعني اوروبا وكذلك الامين العام للأمم المتحدة كي مون، وقد غابت الدول العربية تقريباً وبعض الدول الافريقية. إذن حدث انفراج نسبي في العلاقات الخارجية الدولية عبر تصريحات قادة العالم والصين، وهنالك حديث عن امكانية اعفاء الديون المكبلة التي تقدر بحوالى 39 ملياراً أو 42 ملياراً، وهذه ان حدثت تكون مفتاحاً للاستفادة من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي الذين حرم منهما السودان بسبب المقاطعة. الاتفاقية الأمية: هي ثمرة الاتفاق، ولعل الثمرة الأكبر تأمين الحدود وقيام منطقة عازلة محروسة بقوة محايدة أممية في مساحة تقدر بعشرة كيلومترات، كما أكد رئيس الوفد ادريس «توقع تشكيل وتعيين الضباط الذين سيتم تكليفهم بمهام اللجنة الامنية المشتركة خلال اسبوع»، كما ان القوة المحايدة هي من القوات الاثيوبية وقدر عددها ب 300 جندي من الذين جيء بهم لاتفاق أبيي. رأي الشارع السياسي السوداني: حزب الأمة القومي: عبر تصريح السيد الامام قال إنهم يؤيدون الاتفاق ولكنه يحتاج الحاقه ببئر الصراع جنوب كردفان وجنوب النيل الازرق ودارفور. وأكد الشارع السياسي أن وفداً قيادياً كان في استقبال السيد الرئيس. المؤتمر الشعبي: أيد المؤتمر الشعبي الاتفاق مع الجنوب، ولكنه أيضاً أبدى بعض الملاحظات التي اعلنها الدكتور بشير آدم رحمة أمين العلاقات الخارجية في مؤتمر صحفي بمقر دار الحزب. حيث قال: «اتفاق التعاون مع الجنوب الفرصة الاخيرة للوطني، وانه تم على عجل بسبب الضغوط الداخلية والخارجية التي مورست على الطرفين، بجانب أعباء الحرب، في ظل تردي الاوضاع الاقتصادية للدولتين». واشار الى القنابل الموقوتة في إشارة لجنوب كردفان وجنوب النيل الازرق ودارفور، وقال إن هناك تطابقاً في الرؤى مع السيد الامام الصادق المهدي. الحزب الشيوعي: على لسان عضو المكتب السياسي سليمان حامد، قال: «رغم أن الاتفاق تم بضغوط دولية الا ان استمرار هذه الضغوط ليست ضماناً لتنفيذ الاتفاقيات». بقية الاحزاب: تؤيد بحكم شراكتها مع المؤتمر الوطني، اما الاتحادي الاصل فهو شريك. قوى التحالف: اذا كان السيد فاروق ابو عيسى رئيس التحالف يعبر عن عضوية التحالف من الاحزاب، فإنه قد رحب بالاتفاق وزاد قائلاً: «أي اتفاق مع جنوب السودان يصب في مصلحة البلدين نؤيده». الشارع السوداني: دور الشارع السوداني سالب ولم يهتم العامة بالاحداث مع انهم يتفاعلون مع مباريات كرة القدم ويتابعونها، وربما يكون مرد ذلك الى الوضع الاقتصادي واللهث وراء كسب العيش وسوء المواصلات. الاعلام السوداني: كان دوره دون الوسط في نقل الاحداث، الا ان بعض القنوات نقلت الحدث، اما التلفزيون القومي فقد نقل المؤتمر الصحفي ولكن فيه مفارقات. الخلاصة: إن الاتفاق نقلة نوعية في علاقة الجنوب بالشمال، كما انه فرصة لترتيب البيت الداخلي، طالما أنه لا توجد معارضة مؤثرة تجاه الاتفاق، والاحزاب رأت فيه خيراً بتحفظ، وفي تقديري أنه مدخل لاجماع وطني ومصالحة وطنية شاملة تزيل الاحتقان الحادث. فقط نحتاج لارادة وطنية غلابة، وبسط الشورى مع خطاب اعلامي حكومي موزون لا يسمح بالسباحة عكس التيار. وحتى يكون سلاماً مستداماً محروساً بارادة الشعب السوداني، فليشارك الجميع في انهاء الحرب في جنوب النيل الازرق وجنوب كردفان ودارفور، ليعم السلام ربوع البلاد، ويتفرغ الجميع للتنمية.