رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة يتفقد مستشفى الجكيكة بالمتمة    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    المريخ يتدرب بجدية وعبد اللطيف يركز على الجوانب البدنية    شاهد بالصورة والفيديو.. على أنغام أغنية (حبيب الروح من هواك مجروح) فتاة سودانية تثير ضجة واسعة بتقديمها فواصل من الرقص المثير وهي ترتدي (النقاب)    شاهد بالصور.. بأزياء مثيرة للجدل الحسناء السودانية تسابيح دياب تستعرض جمالها خلال جلسة تصوير بدبي    شاهد بالصور والفيديو.. حسناء سودانية تشعل مواقع التواصل برقصات مثيرة ولقطات رومانسية مع زوجها البريطاني    شاهد بالفيديو.. حسناوات سودانيات بقيادة الفنانة "مونيكا" يقدمن فواصل من الرقص المثير خلال حفل بالقاهرة والجمهور يتغزل: (العسل اتكشح في الصالة)    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب مصري يقتحم حفل غناء شعبي سوداني بالقاهرة ويتفاعل في الرقص ومطرب الحفل يغني له أشهر الأغنيات المصرية: (المال الحلال أهو والنهار دا فرحي يا جدعان)    مخاطر جديدة لإدمان تيك توك    محمد وداعة يكتب: شيخ موسى .. و شيخ الامين    خالد التيجاني النور يكتب: فعاليات باريس: وصفة لإنهاء الحرب، أم لإدارة الأزمة؟    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    إيران : ليس هناك أي خطط للرد على هجوم أصفهان    قطر.. الداخلية توضح 5 شروط لاستقدام عائلات المقيمين للزيارة    قمة أبوجا لمكافحة الإرهاب.. البحث عن حلول أفريقية خارج الصندوق    هل رضيت؟    زيلينسكي: أوكرانيا والولايات المتحدة "بدأتا العمل على اتفاق أمني"    مصر ترفض اتهامات إسرائيلية "باطلة" بشأن الحدود وتؤكد موقفها    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    بعد سرقته وتهريبه قبل أكثر من 3 عقود.. مصر تستعيد تمثال عمره 3400 عام للملك رمسيس الثاني    خلد للراحة الجمعة..منتخبنا يعود للتحضيرات بملعب مقر الشباب..استدعاء نجوم الهلال وبوغبا يعود بعد غياب    المدهش هبة السماء لرياضة الوطن    نتنياهو: سنحارب من يفكر بمعاقبة جيشنا    كولر: أهدرنا الفوز في ملعب مازيمبي.. والحسم في القاهرة    إيران وإسرائيل.. من ربح ومن خسر؟    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    ملف السعودية لاستضافة «مونديال 2034» في «كونجرس الفيفا»    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التأثير الامريكى على مسيرة العلاقات السودانية الأروبية

تقديم أ.د.أحمد الأمين البشير العلاقات الأوربية الأمريكية بسودان وادي النيل شديدة التعقيد، وهي إلى ذلك قديمة تعود إلى بداية القرن التاسع عشر عقب غزو قوات نابليون بونابرت لمصر في عام 1798م، واكتشافها لحضارات وادي النيل القديمة خاصة حضارات السودان ذات الأبعاد الفرعونية والمسيحية والإسلامية، وقد أدى ذلك إلى اهتمام شعبي في الولايات المتحدة في وقت كان النقاش حول تجارة الرقيق والرق الإفريقي هو موضوع الساعة. وبعد عقدين من الزمان غزت الجيوش المصرية التركية السودان، وفي عام 1839م أخترقت سفنها منطقة السدود الفاصلة بين جنوب السودان وشماله الأمر الذي أثار اهتمام الفاتيكان بعد ذلك بسبع سنوات، وأدى إلى إرسال مبشيرها، وتقول وثائق الفاتيكان إن تحركها جاء للوقوف أمام التوسع العربي الإسلامي في الجنوب ومن ثم إلى أواسط إفريقيا. جذور اهتمام اللوبي الزنجي الأمريكي المعادي للسودان واللوبي المسيحي هذه الأيام يعود إلى هذين التطورين اللذين حدثا قبل نصف عام من التكالب على إفريقيا SCRAMBIL FOR AFRICA. الاهتمام الأوربي الأمريكي بالسودان في القرن التاسع عشر له بعد آخر هام يتصل بتجارة الرقيق والرق الإفريقي، ورغم انغماس أوربا والولايات المتحدة في تلك التجارة كان محصوراً في غرب وجنوب غرب إفريقيا طوال القرون الثلاثة التي سبقت إعلان الرئيس إبراهام لنكولن تحرير الرقيق EMANCIPATION PROCLAMATION في عام 1863م إلا أن ذلك الإعلان الهام حدث في نفس العام الذي انفجرت فيه تجارة الرقيق والرق في أعالى النيل وبلغت أعلى درجاتها، وتحولت آليات حركة محاربة تجارة الرقيق في أوربا والولايات المتحدة THE ABOLITION MOVEMENT التي تقف وراءها الكنيسة والعناصر الليبرالية بآلياتها الغنية والفعالة إلى أعالى النيل، رغم أن تلك التجارة لم تكن في حجم تجارة المحيط الأطلسي لذلك نجد أن ذلك الاهتمام قد امتد مع مرور الأيام إلى صراع حضاري ديني يمكن مقارنته بالاهتمام الإعلامي السياسي الذي تجده أزمة دارفور هذه الأيام حيث فاقت عدد قرارات مجلس الأمن بشأن دارفور العشرين في فترة لا تتجاوز الأربعة أعوام، رغم ان أزمة دارفور ليست بحجم ما حدث في رواندا والشرق الأوسط والعراق والتي لمتصدر عنها قرارات متعدددة. ولكن رغم ذلك لا يسع الباحث الموضوعي الآن أن يتساءل عن الأسباب التي ادت في أوربا والولايات المتحدة إلى قيام حركة محاربة الرقيق ABOLITION وعدم قيامها في وادي النيل والعالم الإسلامي في القرن التاسع عشر رغم أن في جوهر الإسلام وتعاليمه ما كان يمكن أن يقود إلى نشوء حركة مماثلة، ويحق للباحث أن يتساءل فيما إذا كان لقفل باب الاجتهاد دخل في ذلك. ويقودنا هذا التساؤل إلى تساؤل آخر وهو لماذا أنشأت الولايات المتحدة (تحالف أنقذوا دارفور)، ولم يتم في السودان والعالم الإسلامي تحالفاً مشابهاً له. وقبل ان ننتقل من القرن التاسع عشر في مجال العلاقات السودانية الأوربية الأمريكية نثير تساؤلاً ثالثاً عن دولة المهدية وموقفها الانغلاقي الرافض للتعامل مع دول الجوار في القرن الإفريقي وأوربا وإصرارها على اعتناقها الإسلام أولاً وما هي الفرص التي ضاعت على السودان بسبب ذلك الموقف الانغلاقي وهل يوجد في السودان الآن، والسودان محاصر ويعاني من العقوبات الاقتصادية، انغلاقاً مشابهاً يحُول دون التفاعل المرن الخلاق مع العالم حولنا. هذه تساؤلات ثلاثة تمتد جذورها إلى القرن التاسع عشر كما تمتد فروعها إلى بدايات القرن الواحد والعشرين، ولا يمكن تبرير تجاهلها من الأكاديميين والسياسيين داخل وخارج الحكومة، خاصة وأن أوربا والولايات المتحدة مهتمتان بالسودان الموحد. العام 1989م – العام الغارق: عام 1989م عام هام في تاريخ العلاقات الأوربية الأمريكية السودانية ولا يملك الباحث إلا أن يعتبره العام الغارق POINT OF DEPARTURE في مثلث العلاقات بين هذه الأطراف. ففي ذلك العام حدث تطوران: أولهما إنتهاء الحرب الباردة بانهيار الاتحاد السوفيتي وبروز الولايات المتحدة في دور القطب الأحادي في نظام دولي جديد لم يعد حلفاً الناتو و وارسو يلعبان فيه دورهما التقليدي وسنعود إلى ذلك، ثانيهما استيلاء الجبهة الإسلامية على الحكم في السودان من حكومة منتخبة وانتهاء مرحلة الحكم العلماني SECULAR في السودان الذي بدأ مع الاستقلال في عام 1956م وبداية حكم تبوقراطي يقوم على مبادئ الإسلام السياسي، هذان التطوران أحدثا تغيرات بعيدة المدى على العلاقات الأوربية – الأوربية من جانب والعلاقات الأوربية – الأمريكية من جانب ىخر وقد أنعكس ذلك على علاقات الطرفين مع السودان. أحدث التطور الثاني تغييرين هامين في البيئة السياسية السودانية في الداخل وعلى علاقات السودان بالعالم الخارجي أولهما اتفاقية نيفاشا التي وُقعت في 9 يناير 2005م، بين حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، وهو أمر ما كان سيتم لولا جهود وضغوط حكومات وشعوب الولايات المتحدة والدول الأوربية والأمم المتحدة. التغيير الثاني هو انفجار أزمة دارفور واتساع دائرة انفجارها، ما كان ذلك سيحدث من غير تدخل وضغوط من جانب نفس الأطرافن ونلفت النظر هنا غلى عدم لجوءنا إلى استعمال صفتي الإيجابية والسلبية في وصف اتفاقية نيفاشا وأزمة دارفور لأن استعمال هذين الوصفيين فيما يختص بردود الفعل السودانية يخلق إشكالات منهجية شديدة التعقيد، فيما يرى معظم الجنوبيين أن اتفاقية نيفاشا تمثل تطوراً إيجابياًن لا يتفق معهم ومعظم الشماليين، وكذلك فيما يختص بأزمة دارفور وتطوراتها واهتمام أوربا ومجلس الأمن بها ومنظمات المجتمع المدني خاصة تحالف دارفور الذي يضم (180) من منظمات المجتمع المدني، ولا ينظر بعض صفوات دارفور على أنها أزمة أو نكبة يرى معظم الشماليين بأنها كذلك. ويقودنا هذا إلى انقسام المجتمع السوداني بين الشماليين المؤمنين بنظرية المؤامرة وبأن موقف الدول والشعوب الأوربية والأمريكية ماهو إلا استجابة لمجموعات الضغط الصهيونية والمسيحية والزنجية، وأن الأمر برمته لا يخرج عن كونه مؤامرة ضد العروبة والإسلام. أما أغلب الصفوات الجنوبية والدارفورية فترفض نظرية المؤامرة وتذهب مذهب الحكومات الإدارية والأمريكية بأن مواقفها وموقف وسائل الإعلام الغربية ماهو إلا انعكاس واقعي لما يحدث في السودان من انتهاك لحقوق الإنسان والمرأة والأقليات غير العربية وغير المسلمة. ونحن هنا إذن بإزاء موقف معقد متعارض فيه الخطوط والمواقف والأديان والمواقف السياسية والدينية والعلاقية لا يمكن معها التعميم ولنأخذ بعض الأمثال. العلاقات الأوربية – الأمريكية: ونبدأ بسؤال هو هل العلاقات بين الدول الأوربية مع بعضها البعض ومع الولايات المتحدة مختلفة أو متوافقة فيما يختص بالعلاقات بينها وبين السودان، فمن المعروف أن بروز الأحادية القطبية قد أثار قضية حساسة بين الدول الأوربية والولايات المتحدة فيما يختص بالعلاقات بين طرفي المحيط الأطلسي، وهل هي علاقة شراكة أم تبعية. ويعتقد البعض أن التصدع في العلاقات الأمريكة الأوربية قد بدأ مع نهايات عهد جورج بوش الأب، واستمر دون فظاظة في عهدي بيل كلينتون وبلغ أوجه في السنتين الآخريتين في عهد جورج دبليو بوش، لاسيما في مرحلة (العدوان على العراق في ربيع 2002م) وقد اهتم المفكرون والسياسيون الامريكيون والأوربيون بهذه الظاهرة وكتب هنري كسنجر كتابه الهام بعنوان (هل تحتاج أمريكا إلى سياسة خارجية ؟) عام 2001م. ولكن بعد تورط الولايات المتحدة في مستنقع الحرب العراقية بدأ الطرفان الأوربي والأمريكي في التراجع عن المواقف المتصلبة وبدأ يبحثان عن طريق وسط للتعاون، ومن سخرية الأقدار أن موضوع دارفور قد وفر للطرفين الأوربي والأمريكي مجالاً للتعاون وهذا يقودنا إلى تساؤل هام وهو لماذا تقود أزمة العراق إلى الاختلاف بين الحكومات الأوربية في حين تقود أزمة دارفور للتعاون بين الحكومات ومنظمات المجتمع المدني في أوربا والولايات المتحدة. إذا نظرنا إلى العلاقات السودانية الأوربية الأمريكية نجد أن أية تنازلات من جانب حكومة السودان تقود إلى رفع سقف المطالب، فمثلاً بعد توقيع اتفاقية نيفاشا توقعت الحكومة السودانية ان تطبع الولايات المتحدة علاقاتها معها وأن تلغي العقوبات الاقتصادية وترفع اسمها من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ولكنها ربطت ذلك مع حل أزمة دارفور المعقدة، والتي صرح المندوب الأمريكي السابق لدارفور أندروناتسيوس قبل أيام قليلة، بأن تعطيل توفير العون اللوجستي للقوات الهجين لا يقتصر على السودان وحده وأن هنالك دول أخرى مسؤولة عن ذلك. يعتقد معظم الشماليين ان اللوبي الصهيوني مهتم بمصالح إسرائيل ويلعب السودان بوفرة مياهه وثرواته دوراً هاماً في استراتيجتها لأن السودان يمثل العمق الاستراتيجي لمصر وللأمن الغذائي العربي، كما أنه بعد تكوين المؤتمر الوطني العربي الإسلامي في عام 2001م الذي جمع المنظمات الفلسطينية الرافضة ووفر معسكرات تدريب لها بالتعاون مع إيران أصبح السودان رقماً إستراتيجياً لا يمكن الاستهانة به كما كان في الماضي. إن نجاح إسرائيل والمحافظين الجدد في إلصاق تهمة مساندة الإرهاب العالمي بالسودان رغم تعاونه الأمني مع وكالة الاستخبارات الأمريكية، وإصرار الرئيس بوش على اتهام السودان بالإبادة الجماعية في كل مناسبة أمراً غير مفهوم، وصمت الدول الأوربية في هذا الصدد ترقى إلى درجة التواطؤ مما يعني ان السودان قد أصبح الحائط القصير الذي يمكن القفز فوقه كلما قربت الانتخابات في الولايات المتحدة وبعض الدول الأوربية. الصين والبترول: عندما انسحبت شركة شيفرون من عملية استخراج البترول في السودان في منتصف الثمانينات بعد أن استثمرت فيه أكثر من بليون دولار، ولكنها حصلت على إعفاءات في دفع الضرائب كتعويض لها، وتوقع المحافظون الجدد ومجموعات الضغط سقوط حكومة السودان وإنتهاء مواقعها المرتبطة بالإسلام السياسي والتعاون مع إيران والمنظمات الفلسطينية ولكن حكومة السودان أثبتت أنها أكثر قدرة وسعة حيلة RESOURCEFULNESS إذ توجهت شرقاً إلى الصين وماليزيا والهند وكوريا حيث الكثافة السكانية العالية ووجدت ترحيباً واستعداداً هناك واستطاعت هذه الدول الآسيوية، خاصة الصين وماليزيا والهند بناء الانابيب واستخراج البترول ووجدت الصين بوجه خاص مدخلاً آخر إلى إفريقيا يضاف إلى أنجولا والجابون ونيجيريا ولأن أمريكا تحصل على 20% من بترولها من إفريقيا فإنها من الطبيعي لن تقبل منافسة صينية متزايدة بسبب عدد سكانها. نجاح الشراكة الصينية السودانية لن يفوت مغزاه على الدول الأوربية ولا على الدوائر المالية والصناعية والاستثمارية في الولايات المتحدة، فالسودان لم يعد الدولة الفقيرة ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه في انتظار إجابة وهو من الخاسر ومن الرابح؟ والصين تبني سد مروي العملاق وتكسب بذلك خبرة ويكسب السودان مقدرة وثقة في نفسه. لقد بدأت الدوائر المعادية لحكومة الإنقاذ في الولايات المتحدة وأروبا في تعبئة قواعدها للضغط على حكومة السودان لحل أزمة دارفور، ومن الواضح أن حكومة البشير قد بدأت في انتهاج طرق عديدة في مجال سياسة المرونة ليست في دارفور وإنما كذلك في تطبيق بنود اتفاقية نيفاشا. هذه المرونة تقوى من موقف الصين، وهي تفتح أمام الصفوات الجنوبية والدارفورية منافذ جديدة وهاهو النائب الأول سلفاكير يزور القاهرة ويستعد لزيارة دول الخليج، فالجنوب ودارفور يحتاجان إلى إعادة التعمير ولا يمكن إغفال دور الصين والهند والتمويل الخليجي في تحويل السودان من دولة فقيرة لا حيلة لها إلى دولة واعدة لها من الثروات والامكانيات الزراعية والحيوانية ما لا يمكن إغفالها. إن الدول الأوربية لن تقف مكتوفة الأيدي وهي ترى سوقاً وثروات كالتي بالسودان تضيع بسبب ضغوط اللوبي الصهيوني ونظريات المحافظين الجدد الذين بدأت قياداتهم في التساقط الواحد بعد الآخر. الانتخابات الامريكية الرئاسية: تدل معظم المؤشرات إلى أن نهاية الدورة الثانية للرئيس جورج دبليو بوش ستقود إلى عودة الحزب الديمقراطي للبيت الأبيض، ولكن موقف إدارتي الرئيس كلينتون الأولى والثانية 1993م -2001م شهدتا عزلة السودان وسحب السفير الأمريكي وقصف مصنع الشفاء، وقد ظل مساعدوه السابقون مثل جون برندرقاست وسوزان رايس وأنتوني ليك ينادون منذ ذلك
الوقت بقصف ميناء بورتسودان وتعطيل سلاح الطيران السوداني، أما تصريحات هيلري كلينتون وباراك أرباما فتتحدث عن الإبادة الجماعية في دارفور التي أعلنها وزير الخارجية السابق (كولن باول) وهو يعمل الآن مستشاراً للشؤون الخارجية لباراك أوباما هو الذي أعلن في سبتمبر 2005م عن أن ما يحدث في السودان هو إبادة جماعية ولم يصدر منه حتى الآن تصحيحاً رغم أن الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة التي تتهم السودان بالإبادة. فمن المعروف أن المعارك الانتخابية الرئاسية الأمريكية تشهد تصريحات طائشة ترضي مجموعات الضغط، ولكن في حالة الحزب الديمقراطي فإن مواقفه وسياساته السابقة قد صدرت في وقت لم تكن هناك الانتخابات رئاسية مما يعني أن مواقفه أيدلوجية. لقد أبدت بعض الدوائر المالية والقانونية حذراً ورفضاً للخلط بين السياسة والضوابط الاستثمارية للأسواق المالية وذلك إبان تصاعد حملة (إنقاذ دارفور) بمنع الشركات الأمريكية والأجنبية من الاستثمار في الصين والسودان وذلك عقاباً لها لمساندتها حكومة السودان لسياستها في دارفور. كما أن محكمة بريطانية قد حكمت للمركز للشؤون العام ضد صحيفة ذكرت أرقاماً خيالية لعدد القتلى في دارفور. هل يقود كل هذا بعض الدول الأوربية مثل فرنسا وإيطالياً وألمانيا إلى أن تتخذ مواقف مخالفة لمواقف مجموعات الضغط الأمريكي و أهم من ذلك هو سعي حزب المؤتمر الوطني في السودان أن يصل مع شريكه الحركة الشعبية لتحرير السودان في حكومة الوحدة الوطنية لحل أزمة دارفور خاصة بعد زيارة وزير الخارجية السودانية السيد دينق ألور لواشنطن على رأس وفد ضم د. مصطفى عثمان إسماعيل مستشار رئيس الجمهورية اللذين عبرا عن تفاؤلهما بعد إنتهاء الزيارة بقرب تطبيع العلاقات السودانية – الأمريكية في ظرف أربعة إلى ستة أشهر. وكان المستر وليمسون ممثل الحكومة الأمريكية عن مشكلة دارفور قد زار السودان أعقاب زيارة دينق ألور و د. مصطفى عثمان إسماعيل وأعلن بأن هنالك إمكانية لتطبيع العلاقات في الموعد الذي أعلنه ألور. ومن المتوقع أن يبدئ حزب المؤتمر الوطني بعد هذه التصريحات المتفائلة مرونة أكثر وأن يمد يده لبعض الدول الأوربية والعربية المعتدلة للوصول إلى تسوية مع حكومة الرئيس بوش التي تحاج في أشهرها الأخيرة إلى تحقيق انتصار في مجال تحقيق السلام بعد أن أصبح من الصعب إنهاء حرب العراق والمواجهة الإسرائيلية الفلسيطينة واعتقال أو قتل بن لادن ونائبه د. أيمن الظواهري. لقد فوت بوش فرصة ذهبية في 9 يناير 2005م لحضور احتفال توقيع اتفاقية نيفاشا أو دعوة قرنق وطه إلى واشنطون للتوقيع. وهو لا شك لن يضيع الفرصة الأخيرة المتاحة له قبل التنحي لتحقيق السلام في دارفور وتطبيع العلاقات الدبلوماسية ورفع اسم السودان من قائمة الدول الداعمة للإرهاب. كما أن على البشير ان يسعى حثيثاً وهو قد بدأ ذلك فعلاً لتعبئة ومساندة قادة الدول الأوربية والعربية والإفريقية والآسيوية وخاصة الصين التي عليها أن تسعى كذلك لحل أزمة دارفور لأنها هي الدولة الثانية المستفيدة من ذلك بعد السودان، خاصة وأن مشاريعها واستثماراتها في السودان الغني، قد بدأت تؤتي أكلها وتوعد بالمزيد، فالصين والسودان يحتاجان إلى العودة لحظيرة الدول العاملة على ترسيخ مبادئ السلام والديمقراطية، خاصة بعد حملة التشويه التي قادها تحالف (أنقذوا دارفور) ضدها. ولن يحدث ذلك قبل اتفاق طرفي حكومة الوحدة الوطنية في السودان المكونة من المؤتمر الوطني والحركة الشعبية للخروج من نفق الحرب الأهلية إلى هضبة التعاون ووحدة السودان ويجب إشراك الأحزاب السودانية في جبهة واسعة تضع للسودان خارطة طريق استراتيجية نحو مستقبل زاهر. العلاقات الأوربية الأمريكية السودانية – إلى أين؟ استمرار الحرب الأهلية الثانية في الجنوب في عام 1983م وانفجار أزمة دارفور في عام 2003م أدى إلى فرض العقوبات الاقتصادية والدولية، ونتج عن ذلك تطوران أولهما إزدياد حجم المعونات الإنسانية واتجاه حكومة السودان شرقاً إلى جنوب شرق آسيا وإلى دول الخليج للحصول على القروض والمعونات مما أضعف التبادل التجاري والاستثماري وأضر بالعلاقات بين دول أوربا والسودان، ويعتقد بعض الباحثين أن السودان بفضل إمكانياته الزراعية والحيوانية قد أثبت مقدرة على الاعتماد على الذات والصمود RESILIENCE إلى جانب عدم إزدياد حجم ديونه التي لم تلغ شأن دول أخرى في إفريقيا وسواها. وتعتبر مواقف أكبر الدول الأوربية تجاه السودان بعد انفجار أزمة دارفور مجرد ردود فعل للمواقف الأمريكية سوء كانت إيجابية أو سلبية وعلى رأسها بريطانيا التي اهتمت اهتماماً بالغاً بقضية دارفور خاصة تنفيذ قرار مجلس الأمن 1654 وقدمت مبلغ (10) مليون يورو مساعدات إنسانية للإقليم في الوقت الذي صرح فيه رئيس هيئة الأركان البريطانية عن استعداد بلاده إرسال (5000) جندي للسودان وأضطرت الحكومة البريطانية، وبعد احتجاج حكومة السودان، إلى الإعلان بأن تصريح رئيس أركان جيشها لا يعبّر عن موقفها وأنه سابق لأوانه، وأعلن رئيس وزرائها توني بلير في مطلع عام 2006م أن بلاده تدعم موقف الاتحاد الإفريقي في دارفور. هذا التناقض يظل سمة لمواقف بريطانيا وسواها من أزمة دارفور وتعرضها إلى ضغوط متناقضة من الولايات المتحدة وفصائل نشطة داخل المجتمع البريطاني، أما فرنسا فقد عبرت في منتصف عام 1993م اعتراضها على وضع الولايات المتحدة اسم السودان في قائمة الدول الداعمة للإرهاب وأيدت في العام التالي دوراً هاماً في اجتماعات النقد الدولي في نهاية عام 1994م بإعادة جدولة ديون السودان البالغة (718) مليون دولار، كما أن الرئيس الفرنسي جاك شيراك أعلن عن سعادته في عام 2005م بتوقيع اتفاقية نيفاشا في أول عام 2005م، كما رحبت باتفاق أبوجا الخاص بدارفور، ولكنها أعلنت عن دعمها لقرار مجلس الأمن 1706، أما فيما يختص بوصف ما يحدث في دارفور بالإبادة الجماعية فلم يكن واضحاً وظل يتذبذب بين الرفض والقبول، ولعل مصالحها في تشاد قد وضعتها في موقف يتسم بالحساسية والحذر. وعلى عكس ذلك كان موقف حكومة ألمانيا الواقعة تحت ضغوط جماعات الضغط الألمانية ممثلة في منظمات حقوق الإنسان والمنظمات الكنسية الأمر الذي أدى إلى تأزم العلاقات مع حكومة السودان التي احتجت مراراً على ما تلقاه مجموعات التمرد وقادتها من حرية في التحرك وتأييداً في المواقف وقد لعب حزب الخضر دوراً هاماً في ذلك. ولكن بعد توقيع اتفاقية السلام في مطلع عام 2005م بدأت العلاقات بين البلدين في التحسين بفضل مساعي حكومة السودان وتبادل زيارات كبار المسؤولين من البلدين. أما إيطاليا فقد سلكت طريقاً مغايراً في تعاملها مع أزمة دارفور إذ أنها لم تلجأ إلى أسلوب الإدانة واعتبرت مشكلة دارفور (مشكلة سودانية) يحلها السودانيون أنفسهم عبر الحوار الدارفوري كما أنها تؤيد الدور الإفريقي. الموقف الإيطالي غير المتأثر بالضغوط الامريكية قاد إلى زيارة الرئيس البشير الناجحة إلى إيطاليا في شهر سبتمبر عام 2007م ومقابلته للبابا التي اتسمت بالنوايا الحسنة والوعود بالتعاون، الأمر الذي مكن الرئيس البشير من إعلان رغبة حكومته إلى تحقيق السلام في دارفور وطالب الدول الأوربية بالضغط على حركات التمرد وأن تشارك في مفاوضات أبوجا القادمة. التذبذب الأوربي بين حسن النوايا والحذر في اتخاذ مواقف واضحة تجاه السودان بدأ واضحاً في مؤتمر المانحين في أوسلو عقب توقيع اتفاق نيفاشا الذي اتسم بالسخاء في الوعود بتقديم المساعدات لإعادة التعمير وبالتقاعس في التنفيذ، ومؤتمر أوسلو في هذا الصدد لا يختلف عن مؤتمرات أخرى تتسم بالسخاء في الوعود والتلكؤ في التنفيذ، ولكنه يختلف عنها في ربط التنفيذ، تحت الضغط الأمريكي، بحل أزمة دارفور المعقدة ورفع سقف الاشتراطات وتهديد الولايات المتحدة بفرض المزيد من العقوبات والإصرار من جانب الرئيس بوش ووزيرة خارجيته كونداليزا رايس على اتهام حكومة السودان بالإبادة الجماعية، وتعتبر الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة التي تتخذ هذا الموقف وتعلنه رسمياً ولكن منذ بدء الحملة الانتخابية الرئاسية بدأ المرشحون من الحزبين يتبارون في وصف ما يحدث في دارفور بأنه إبادة جماعية ويوردون أرقاماً لعدد القتلى في دارفور تتراوح بين 200 و 500 ألف، بينما تصرّ حكومة السودان على أن الرقم لا يتجاوز 10 آلاف والفرق بين التقديرين كبير، ويكشف عن مدى بعد الشقة بين التقديرين، الأمر الذي لا يبشر بانفراج قريب لأمة دارفور دولياً مما يجعل خيار الحل السوداني الدارفوري – الدارفوري، هو الطريق الأمثل والأضمن، خاصة بعد أن أصبحت أزمة دارفور في جانب منها مشكلة في السياسة الداخلية الأمريكية، وغير ذلك في العلاقات الأوربية – الأمريكية خاصة فيما يتعلق بقرارات مجلس الأمن الكثيرة. ويحق لدارس الوضع الراهن للعلاقات السودانية – الأوربية أن يتساءل عن دور هذه العلاقات في تحقيق السلام في السودان، خاصة اتفاقية السلام الشامل التي لا شك قد حققت السلام في الجنوب مما ادى إلى إعلان الرئيس البشير ونائبه الأول سلفاكير على أن لا عودة إلى خيار الحرب، ولا يستطيع المرء أن يتجاهل الجهود الأوربية والأمريكية في ذلك. أما فيما يختص بالوصول إلى اتفاق مماثل بفضل دور أوربي أمريكي في هذا الصدد، وإن كان يحمد للضغوط الدولية ضغوطها التي قادت إلى قبول حكومة السودان للقوات الهجين، بعد مقاومة شديدة مما يعني انتهاج أسلوب المرونة من جانب كل الأطراف قد يقود في نهاية الأمر إلى حل أزمة دارفور. موضوع هذا المؤتمر هو تحقيق شراكة سودانية أوربية، أما موضوع الورقة فهو (التأثير الأمريكي على مسيرة العلاقات السودانية الأوربية) وفي كل الحالتين يتعين الفصل بين المصالح القومية لجميع الأطراف وبين أجندة مجموعات الضغط الأمريكية الثلاث المسيحية والصهيونية والزنجية في صنع السياسة الأمريكية الخارجية تجاه السودان. وهو فصل يصعب تحقيقه في بلد ديمقراطي كالولايات المتحدة، وعلى حكومة السودان أن تطور وسائل للتعامل مع هذا الوضع المعقد، خاصة وان لمجموعات الضغط هذه امتداد ونفوذ في الدول الأوربية.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.