لاشك عندي أن تصريح وزير المالية والاقتصاد الوطني مؤخرا السيد علي محمود عبد الرسول بأن وزارته لن تدعم الدواء وسترفع يدها عنه وتترك أمره للقطاع الخاص الذي لن يألو جهدا ولن يدخر وسعا بإمكانه أن يرفع حجم وسقف أرباحه دونما أدنى مراعاة لحال الضعفاء والمساكين وسائر غمار الناس الذين أقعدتهم الحاجة وأعوزهم الفقر وحفيت أقدامهم وكلت سواعدهم من أجل الحصول على لقمة العيش الكريم التي غدت عزيزة في بلاد تملؤها الخيرات وتغطيها النعم الكامنة والظاهرة التي خضعت لاستئثار فئة قليلة بها شبعت وبطرت معيشتها دون اكتراث لمن يفترض أن يقاسموهم كيكة ونعيم موارد البلاد ،ورغم هذه القسمة الضيزى والميزان الذي يفتقر لأية درجة من العدل يبدو محمد أحمد المغلوب على أمره راضيا بما قسمه الله له من ظلم ذوي القربى وبني الجلدة الذي هو أشد وقعا على نفوسهم من ضرب الحسام المهند . صحيح أن البلاد منذ ما ينيف على عقدين من عمر الزمان ظلت ترزح تحت وطأة جملة من الضغوط الخارجية والنزاعات الداخلية التي ظلت تفت في عضد الدولة بغية الإطاحة بنظام الحكم حتى لو كان الوصول إلى سدة الحكم على أجساد الأبرياء ولقمة عيشهم التي يفترض توفيرها لهم على قدح البساطة بعيدا عن دائرة الضنك والشظف غير أنه صحيح أيضا أنه رغم تلكم الظروف أن موارد البلاد لم تنضب ولم تغل أياديها عن رفد الخزينة العامة بحصائل عملات أجنبية إذا أحسن توظيفها وقسمتها بعدالة وشفافية وموضوعية وفقا لرتبة الأولويات لكنا اليوم في وضع غير الذي يعيشه السواد الأعظم من الشعب من شظف العيش وضيقه وليس تبديد أموال النفط قبيل انفصال الجنوب وعدم القدرة على توظيفها إلا خير دليل على خطل الرؤية الاقتصادية بالبلاد التي أعماها بريق الدولار عن توظيفه وتوجيه عائداته إلى الارتقاء بالقطاعات الإنتاجية الحقيقية غير النفطية (الزراعة والصناعة) التي يمتلك منها السودان ميزا نسبية قل توفرها في غيره من البلاد ليس على محيط الإقليم بل ربما على مستوى العالم ولكن آهٍ ثم ألف آه لو آه تفيد مجروح . إن أكثر ما يدعو للأسف أن الحكومة لم تستفد من أخطاء العقدين الماضيين وعجزت عن تداركها ربما بسبب ما فيه من درك تراكمي قوامه استمراء الخروج رويدا رويدا من حصن الدولة الخادمة والتسلل إلى حوش الدولة الجابية التي لا يهمها سوى ملء خزائنها لتسيير دولاب القائمين على أمرها وإن جاء ملؤها على أكتاف وأجساد الغلابة والمسحوقين وليقل للرأي العام السيد وزير المالية والاقتصاد الوطني وليشرح لهم ضرورة وجوده عقب إعلانه على الملأ دون أن يطرف جفنه أو تدمع له عين اعتماد موارد موازنة العام الجديد 2012م بدرجة 100% على حصائل الجمارك والضرائب وليته وقف عند هذا بل طفق في بث المخاوف والمراجف على شعبه أن وزارته لن تدعم الدواء وسترفع يدها عنه تماما (والماعاجبو يشرب من البحر) الذي أخشى تحول ماؤه ملحا أجاجا بذنوبنا وكثرة أخطائنا فلماذا تقف عجلة الدوران عنده أو ليس البحر منا وإلينا . فخطة المالية التي سمتها العام الاعتماد على الجبايات لملء الغلات والتخلي عن أدنى الواجبات لا يسعنا ترديد يا دنيا ويا سودان عليك ألف سلام . وبالطبع أن وزير المالية لم يقف مكتوف الأيدي معقود اللسان للذب عن سياسته التي تحاكي إلى حد بعيد حكمة البصيرة أم حمد التي عجلت بذبح الثور ولم تجد بدا من كسر الجرة فأي ذبح أكبر للمواطن من حرمانه من دواء مدعوم لا مجاني تحت دعاوى أوهى من خيط العنكبوت قوامها خشية تهريبه والمحافظة على كم العملات الحرة التي تزهقها الدولة بحسب ما يفهم من رؤية ودفوع الوزير من أجل دعم الدواء وليس توفيره مجانا لمواطنيه الذي جعل والي الخرطوم مجرد تجنيب 25 جنيها من ميزانية أية أسرة شهريا طوقا للنجاة من قبضة الفقر ومسوغا للخروج من زمرة المعدمين فبالله من أحق بالتأمين الصحي الفقير والمسكين المصطلون بنيران الحاجة أم أولئك المنعمين الذين لا يقدمون على علاج أنفسهم ومداواة فلذات أكبادهم إلا على عتبات المشافي ذات الخمس نجوم إن لم يستدع الأمر النجوع خارج البلاد ومعيار والي الخرطوم للفقر وإقدام وزير المالية على منع دعم الدواء والعلاج يكشفان بجلاء قصر الرؤية وعدم قدرتها على الإحاطة بما يجري على أرض الواقع ومن هنا أدعوهما النزول إلى حيث الغبش ليروا بأمي رأسيهما كيف أن البؤس والعوز يمشيان بل يقدلان نهارا جهارا ليس في الولايات بل على أطراف العاصمة الحضارية فعندها أقسم بالله سيعدلان عن رأييهما في أمر توفير العلاج المدعوم. أما مسألة الاعتماد كليا على الجبايات فيعني بلا أدنى مواربة أن على الجميع انتظار مزيد من الضيق والعنت لا مستوى الواقفين على ثغرة الإنتاج القابضين على جمرة صعابها الملتهبة متصاعدة الوتيرة يوما إثر آخر فحسب لجهة أن المنتجين لن يتوانوا في تحويل أية إضافة على تكلفة إنتاجهم على سعر المنتج النهائي فيقع على عبء المستهلكين وبالتالي تكون الحكومة قد أرهقت كاهل المواطن البسيط مرتين على الأقل في هذا المقام فهي من جهة تلهب ظهره بالجبايات ومن الأخرى ترفع عنه دعم العلاج فأصبح بين نارين أبسطهما كفيل بإيلاج الملايين في زمرة الفقراء والمعدمين وليقل للجميع سيادة الوزير فيما يوظف موارد البلاد التي فجعت ورزئت أمس الأول بتقرير من صندق النقد الدولي رسم صورة يقلل من شدتها وصفها بالقاتمة سيصل فيها معدل انكماش الاقتصاد السوداني إلى 12,2% وإنزلاق الناتج القومي الإجمالي إلى صفر% في العام القادم 2013 م بعد تحولنا من صف مصدري النفط وحجزنا مقعدا في دائرة مستورديه فهذا التقرير قمين بالوقوف عنده مليا وعدم تركه يمر مرور الكرام تحت جسر (أضان الحامل طرشا) فبغض النظرعن مصداقية وشفافية ومعايير المؤسسات الاقتصادية العالمية التي لا تسلم من الاختلاف والطعن يجب التعاطي معها بجدية والتصدي على تلافي توقعاتها واستنتاجاتها بقوة لا خنوع وقبوع تحت بهو المكابرة وإدعاء الصحة فعلى صعيدي الشخصي لا استبعد الوصول إلى ناتج محلي إجمالي لا يبتعد عن خانة الصفر في ظل التعامي المضطرد عن الاهتمام بالقطاعات الإنتاجية الحقيقية التي على رأسها مشروع الجزيرة الذي يتمرغ الآن في وحل الإهمال والتقصير فالدولة التي تعجز عن المحافظة على ما هو موجود من مشروعات رائدة بالضرورة لا تملك مقومات النهوض بالجديد وهذه حقيقة من المسلمات لا تقبل الجدل والعناد فأرجعوا هداكم الله إلى الإنتاج فلطالما شنفتم آذاننا وملأتم أشداقكم بشعار (بالإنتاج لن نحتاج) فحقيقة بالإنتاج لن نحتاج ولكن يبقى السؤال أنى لنا الوصول بالإنتاج إلى حد الاكتفاء في ظل الانكفاء ؟ بث النوال لا تمعك قلته فكل ما سد فقرا فهو محمود