(كلما واجهت (الديمقراطية) أزمة فان خير علاج لها هو المزيد من (الديمقراطية والحرية) فالديمقراطية هي نظام الحكم الوحيد الذي يستطيع أن يسود في الدول النامية والحرية هي (حجر الأساس) في (الديمقراطية).. فهي قناة التطور والازدهار). محمد أحمد محجوب الديمقراطية في الميزان ص 17 مدخل (2) (انقلاباتنا العسكرية) و(ثوراتنا الشعبية) كانت بسبب محاولات الخروج من الأزمة السياسية). د.الجزولي دفع الله السبت 1987/10/17م جريدة الأضواء (1) ٭ (الدستور القادم)، مما يستوجب النضوج السياسي وطرح القوى السياسية ومؤسسات المجتمع المدني، رهين في الأساس بالتحول تجاه (الديمقراطية).. ان لم يكن عليها.. فجلها: لم تكن (الديمقراطية) في (التجربة السياسية السودانية) وليدة الفراغ فهي نتيجة منطقية، لصراع لم يكن متكافئا ابدا، بين (صفوة) لم تملك غير (عقولها ونظرتها الثاقبة)، وصراع ثنائي خارجي يرسمه (دهاقنة السياسة)، بين (لندن) و(القاهرة)، وما خرج بعض هؤلاء من (الصفوة).. من (نفوذ ما رسم هؤلاء الدهاقنة) فكان (الاتحاد) مع مصر او استقلال البلاد التام، مدخلا لصراع شرس.. ما كان يمكن ان نحتمله عبر الديمقراطية النيابية اسلوبا للحكم.. (الديمقراطية) مثلت وفي كل الاحوال (القاتل والمقتول) فباسمها كانت (الانقلابات) وباسمها كانت (الثورات الشعبية) المدعومة بالضباط الشباب، في (طلائع القوات المسلحة)، وهي صيغة وسمت ثورة 1924م. وكانت (الديمقراطية) فرس الرهان، وكانت صعبة المنال، ولقد يبدو على الرغم من قصر ممارستها، في تجارب الحكم السابق انها تمنعت.. بسبب (عدم النضج) في الالتزام بضوابطها، ولقد سأل المحجوب في كتابه اعلاه.. (لماذا فشلنا؟).. وما هي الاسباب التي تجعل الدبابات تقعقع في الشوارع و(تطيح بالحكومات) وتقضي على (رجالها). ولقد أبدى بعضا مما رأى او توصل في تأمله. - (الاحزاب) التي عملت من (أجل الاستقلال) او (عارضته) وجدت نفسها بلا هدف معين وفشلت جميع محاولاتها في وضع سياسة متناسقة فكانت النتيجة قيام (حكم ائتلافي) وبلغت (الخصومات الشخصية) والطائفية والدسائس أوجها، واصبحت (القوة الشخصية) قصيرة المدى هي المسيطرة وكانت (قواعد الاحزاب السياسية) تقوم على (الولاء القبلي) و(الطائفي)، بديلا لبرامج الاصلاح، ص (304). - كان التحالف بين (المهدي) و(الميرغني) (يقصد السيدين عبد الرحمن المهدي وعلي الميرغني) اعظم كارثة مني بها تاريخ السياسة السودانية. ففي هذا التحالف (سعى) عدوان لدودان مدى الحياة وبدافع الجشع والتهافت على السلطة والغرور والمصالح الشخصية الى السيطرة على الميدان السياسي). (2) ٭ لم تكن (حركة المثقفين السياسيين) من أهل التطلع (الماركسي) او (الاسلامي) بعيدة عن (فوران الساحة السياسية، من خلال مراقبتها اللصيقة، لتطور الصراع بين حزبي الامة والاتحادي، ومحاولة كشف طبيعته، وتقديم فكريهما، كل على حده، بديلا، لما كانا يطرحان، فكان الحديث عن القوى الجديدة، وهي تتلمس (الاختراقات العسكرية) و(المدنية)، والتي كانت ممكنة تماما ودون دخول في تفاصيل قدرات ووسائل كل من هذين التيارين، فاننا نلاحظ (كم وكيف المصطلحات) السياسية الجديدة التي رفدت الشارع السوداني. - الهجمة المركزة فكريا على طبيعة الولاء الطائفي والقبلي. - الرؤى الجديدة، التي تتطلع الى التنمية والاستقرار. - تشريح التطور التاريخي (لظاهرة السلطة السياسية) منذ بداية صناعة السودان العثماني في عام 1821م. - كان السودان هو (القطر العربي الوحيد) الذي عرف (الديمقراطية النيابية). - كم مشروعات الانقلابات العسكرية التي لم يتح لها النجاح. - كم الهدر البشري والمادي الذي ارتبط بذلك الفوران السياسي الطاغي. ٭ سجلت البيانات الأولى للانقلابات العسكرية التي نجحت من ضمن اسباب خروجها على الديمقراطية ما يلي: - بيان انقلاب 1958/11/17م ٭ ( وكلكم يعرف تماما ما وصلت اليه (حالة البلاد) من (الفوضى) و(السوء) و(عدم الاستقرار) للفرد والجماعة وقد امتدت هذه (الفوضى) الى (اجهزة الدولة) والمرافق العامة والفساد، ويرجع هذا اساسا لما تعانيه البلاد من الأزمات السياسية القائمة بين الاحزاب جميعا كل يريد الكسب لنفسه وبشتى الطرق).. الخ. - بيان انقلاب 1969/5/25م: ٭ (ان بلادنا الحبيبة لم تنعم باستقرار منذ اعلان استقلالها في عام 1956م وكان مرد ذلك التدني لسلسلة من المآسي، تضافرت فيها عوامل الفساد وذلك من الاحزاب المختلفة، فتحول الاستقلال على ايدي الحكومات المختلفة الى مسخ، لفهم الاحزاب الخاطئ للاستقلال.. فقد تسلقت الاحزاب الى السلطة لمصلحتها الخاصة، دون مصلحة الشعب فعم الفساد في اجهزة الدولة واختل الامن).. الخ. - بيان انقلاب 1989/6/30م: (ظلت القوات المسلحة ترقب بكل أسى وحرقة (التدهور المريع) الذي تعيشه البلاد وقد كان من ابرزه صور فشل الاحزاب السياسية، في قيادة الامة لتحقيق تطلعاتها: عايشنا في الفترة السابقة (ديمقراطية مزيفة، ومؤسسات دستورية فاعلة وارادات مواطنين مزيفة بشعارات براقة).. الخ. ونزعم ان انقلابي مايو 1969م و30 يونيو 1989م كانا ردتي فعل، الأولى: بسبب القول بسرقة ثورة اكتوبر 1964م والثاني بسبب الكيد السياسي الذي مارسته الاحزاب لجبهة الميثاق الاسلامي. لم يكن غريباً من سياق تلك البيانات ثورتين شعبيتين (اكتوبر 1964م وابريل 1985م) يعيدان القوى العسكرية الحاكمة (بدعم في ثبات نفس القوات المسلحة الى ثكناتها) وتنطلق حكومات انتقالية (لم تتجاوز اعمارها العام ونصف العام) وهي تتم ايضا (باسم الديمقراطية) ولتعلن برنامجها على النحو الآتي: - تصفية اثار الحكم العسكري ومحاكم الفساد. - انتخابات جديدة واعادة الديمقراطية. - حظر نشاط الأحزاب القديمة. - استقلال الجامعة. - استقلال القضاء. - التنمية المستدامة. ولتبدأ بعدها علامات أو بالأصح انذارات (الدورة الجهنمية) وليكتشف الجميع (حالة الملهاة) السياسية وثقوب السياسة السوداء الكبيرة التي سرعان ما تبتلع الممارسة الديمقراطية ونقيضها في آن واحد ولنلتفت الى نداءات عديدة وهي تتبادل الاتهام والتنادي (لصيغة جديدة) هي خلاصة دروس الأداء السياسي المستفادة (2012/1956م) وهي خلاصة تخافت صوتها بين التغيير والاصلاح وبين التفكير بصوت مرتفع بضرورة النضوج السياسي.. بالانفلات عن خدر السلطة إلى واقع القراءات المتأنية: - وطن ينوء بجراحات كبيرة وتدمدم أطرافه بالمثير الخطر. - خروج ثلث مواطنيه ومساحته.. بثروات مقدرة.. جنوباً. - أزمة اقتصادية طاحنة. - انقسامات حزبية صارخة. - استهداف دولي واقليمي واضح. - غياب الفهم الوطني NATIONAL MUTUAL UNDERSTANDING ووحدة الادراك المتبادلة. - ارهاق سياسي وارهاق عسكري وارهاق أمني.. يدفع المواطن ثمنه الفادح. - ململة مستفزة في اطراف البلاد (الشرق - دارفور - جنوب كردفان - النيل الأزرق) ومن ها هنا - يختلط (القوس الموشى) في كل (دار) من كل (ممشى).. فيما غنى (الكابلي) للشاعر الفذ (تاج السر الحسن): نتلاقى (كالرياح الآسيوية) و(كأناشيد الجيوش المغربية) لنقول.. نعم للديمقراطية ولقد اكتشفت كل الأنظمة وعلى اطلاقها الدروس الآتية: - ان (المعارضة) وفي كل الأوقات والأحوال هي (جزء أصيل ضمن منظومة الشرعية السياسية).. (فالمعارضة) و(الحكومة) وجهان لعملة واحدة هي الوطن. - الاعتراف بحق الآخر في الرأي. - (التبادل السلمي للسلطة) و(التعدد الفكري السياسي).. من خلال الانتخابات . - اطلاق سجناء الرأي ممن لم تتم محاكمتهم بعد والغاء مبدأ الحبس بسبب الرأي. - احترام حرية التعبير وبفصل موضوعي هو القضاء. - ان «الديمقراطية لا تملك عصا موسى لحل الازمات الطاحنة ولكنها مدخل للنظر في جو علمي معافى يبدأ منها العلاج السياسي باصطحاب الاصلاح الاجتماعي والاقتصادي. ٭ ولقد عن لي أن الأمر ليس بالسهولة التي يتخيلها البعض فثمة معيقات يهم التصدى لها: - رسوخ (الطابع الأبوي) في علاقاتنا الرسمية وغير الرسمية (القبيلة - الطائفة - الجهة) وهي مما يتعارض مع (مفهوم الدولة الموضوعية). - (هشاشة الدولة) SOFT STATE بسبب عدم التطبيق الكامل لسيادة الدولة حيث مازالت جيوب مصلحة ترفض الاندماج الوطني. - العداء غير الطبيعي الذي يمارسه النظام الدولي تجاه حكومة السودان رغم حسن النوايا الذي ابدته هذه الأخيرة. - ظاهرة (الغبن الاجتماعي) كما أفرزته (سياسات الخصخصة). - (انقسام النخب الحاد) وغياب ملامح الاجماع الوطني. (روح الاحباط) التي ما فتئت تتراجع بصورة مقلقة باتجاه السلبية. (4) و(الديمقراطية) بفهمها الصحيح في كونها (وسيلة لحكم يقوم على الحوار) بعيداً عن أي فتائل قابلة للانفجار و(التأخر) وفي كل الأحوال أحد أهم عناصر استمرارها وهي التعبير الحقيقي عن مفهوم الحكم الرشيد GOOD GOVERNMENT من خلال: - حرية التعبير والمساءلة. - الاستقرار السياسي بغياب جيوب العنف والارهاب. - الكفاءة في الحكم والادارة. - حقوق الانسان. - سيادة حكم القانون. - محاربة الفساد وكل أوجه الاستبداد. - المؤسسية. وهي بعد (الوسيلة الأقوى) في زيادة قدرة أفراد الشعب في المشاركة الفعالة في القرار السياسي وفي تمكين (الجماعات المهمشة) في الاحساس بدورها في عملية (الحكم والادارة) من خلال التمتع بالحرية السياسية المؤطرة مؤسسياً. ولقد مس (مفهوم الديمقراطية) تغييرات كثيرة ارتبطت في منتصف القرن الماضي بالتحولات الايدلوجية في (آسيا) وفي (افريقيا) فنافستها (الانظمة اللبرالية) و(الشيوعية) و(الاشتراكية) و(الاسلامية) وانطلق كل في تعريفها من زاويته الفكرية ولكن التعريف الأمثل الذي ظل ماثلاً للديمقراطية هو ما ذهب إليه (الرئيس الامريكي ابراهام لنكولن) فهي (حكم الشعب من قبل الشعب ومن أجله) ولقد يبدو من الصعب الامتثال لمثالية نموذجها فهو حلم من (أحلام اليوتوبيا) ولكن ما هو جدير بالذكر هنا هو طبيعتها شبه المباشرة والنيابية أي ما يسمى بالنظام البرلماني واشكاله الثلاثة المعروفة: - (المجلسي) حينما تهيمن السلطة التشريعية على السلطة التنفيذية (فرنسا 1792-1795). - (البرلماني) الذي ارتبط بالتعدد السياسي في بريطانيا على الأخص بعد ثورة 1688. - و(الرئاسي). ولقد مزجت (التجربة السياسية في بعض بلاد أوربا وفي افريقيا وفي العالم العربي) بين (النظام البرلماني والنظام الرئاسي) فيما سمى بالبرلماسية وهي خطوة تفيد في توطين الأنظمة السياسية وفقاً لخصائصها وطبيعة نموها السياسي ومدى قدراتها الاقتصادية وهي رهينة في كل الأحوال (بالأداء السياسي النظيف) بعيداً عن مقولة (الغاية تبرر الوسيلة) فيما أورد (المفكر السياسي مكيافللي) في كتابه (ماجير) ولقد يبدو غريباً أن نسجل في هذا المقام ان (هتلر) قد وصل إلى الحكم عن (طريق الديمقراطية) ولقد يبدو مهماً أن نبني هنا بعض مقولات أهل العقد الاجتماعي (هوبز - لوك - روسو): - ضرورة الانتماء للجماعة والاعتراف بالسلطة كواقع اجتماعي وسياسي. - ضرورة الالتزامات المتبادلة بين المواطنين والسلطة. - يحدث الانجاز العظيم حين يقوم الأفراد بتنفيذ التزاماتهم دون الاحساس بأنها أوامر فرضت من علٍ وانما هي نابعة وباقتناع في نفوس هؤلاء المواطنين. - حالات السلطة الواعية تتطلب الوعي الجماعي بمعنى الاعتراف بوجود سلطة سياسية تتجاوز الحقوق الجزئية إلى المصالح العامة. في سياق ما تعرضت له الديمقراطية من تغيير للمفاهيم يمكن الاشارة إلى ما قاله (الرئيس أيوب خان) في باكستان حال استلامه السلطة بانقلاب عسكري «بأنه قام باستلام السلطة بهدف استعادة الديمقراطية الصحيحة) أي بالأسلوب الذي يمارسه ويفهمه الشعب THE TYPE THAT PEOPLE CAN UNDERSTAND AND WORK. ولم يتردد (أحمد سوكارنو) في اندونيسيا في القول بأن: (الأسلوب الغربي للديمقراطية البرلمانية) لم يسفر عن (ديمقراطية حقيقية متوافقة مع الأفكار المثالية لشعب اندونيسيا) فخلال (11) عاماً لم تعرف الحكومة الاستقرار.. وسقطت جميعها وكان عليها أن تحل مشاكل متراكمة وفي الوقت نفسه أن (تكافح أساليب المعارضة ومناوراتها).. ومارس كل من (أيوب خان) و(أحمد سوكارنو) (الديكتاتورية باسم الديمقراطية) بعد.. خطيرة جداً.. فهي نصال.. تصوب إلى قلب الممارسة.. لترمي كل الوطن بنتائج وخيمة.. وهي بعد بستان جميل يتيح لالاف الزهور أن تتفتح لتنشر عطرها الجميل ولذلك.. كان (الوعي بالديمقراطية) هو بداية نجاحها وغياب الوعي بها هو النعي الآجل والعاجل لها.. ولنا في ذلك قدوة ونماذج. هل بامكاننا أن نستخلص (نموذجاً ديمقراطياً).. والدعوة لأهل الفكر وللجامعات ومراكز البحوث.. ما هي ابعاد ذلك النموذج وما هي ضوابط وامكانات نجاحه.. ولقد بدأ الأخ الصديق البروفيسور الطيب زين العابدين دعوته للديمقراطية التوافقية. ملاحظات غير عابرة ٭ من رسالة (لعبد الحميد بن يحيى الكاتب) مولى (العلاء بن وهب العامري): «فاذا صحب أحدكم (الرجل) فليستشف خلائقه كما يستشف (الثوب سيشتريه بنفسه) فإذا عرف (حسنها) و(قبحها) أعانه على ما يوافقه من (الحسن) و(احتال) لصرفه عما يهواه من (القبيح) بالطف (حيلة) وأحسن (مداراة) و(رفق) وقد عرفتم أن (سائق البهيمة) إذا كان (حاذقاً) بسياستها (التمس معرفة أخلاقها) فإذا كانت (رموحا) أتقاها من (رجلها) وان كانت (جموحاً) لم يهجها إذا ركبها، وإذا كانت (شموساً) توقاها من (ناحية يدها) وان خاف منها (عضاً) توقاها من (ناحية رأسها) وان كانت (حروناً) لم يلاحها و(تتبع هواها) في طريقها وان استمرت (عطفها) (فيسلس له قيادها). «محمد كرد علي - امراء - البيان ص79». ٭ قال (الطرطوش) أبو بكر محمد بن الوليد - صاحب كتاب الحوادث والبدع وسراج الملوك: ان صلاح السلطان بصلاح الوزير.. وصلاح الرعية بصلاح الوزير ضرورة.. وفي صلاح الوزير صلاح بطانته وأعوانه ضرورة لقول الرسول (صلى الله عليه وسلم) «ما من والٍ إلا وله بطانتان بطانة تأمره بالمعروف وبطانة لا تألوه خبالاً» ومن مقتضيات ذلك كله الرأي والعفاف. وبعد فاننا ندعو.. مركز مأمون بحيري بتقديم محاضرة أو ندوة بعنوان في نقد العقل السياسي السوداني 1956-2012.. يقدمها أساتذة أجلاء في العلوم السياسية ويعقب عليها.. رؤساء الأحزاب السياسية الحالية.