مدخل: ٭ تناولنا الفقر في الجزء الأول من هذا المقال من منظور إسلامي وكيفية التخفيف من تأثيره السالب وقلنا إن الفقر في مفهومه هو عدم الكفاية من حيث الملبس والمسكن والمأكل والمشرب وهو مرتبط بمفاهيم ثقافية متنوعة عند الأمم المختلفة، ثم أشرنا الى أهم العوامل المسببة لفيروز الفقر وطرق قياسه وهى في مجملها عدم كفاية الدخل بحيث لا يجد الانسان المقدرة على توفير اساسياته المعيشية. أسباب إضافية: ٭ هنالك أسباب كثيرة ساعدت على توطين الفقر في السودان وزيادة حدته لا يمكن حصرها في مجال واحد ولكن عدة مجالات من أبرزها: 1/ سياسات التحرير الاقتصادي: وقد نتجت منها آثار سالبة تمثلت في ضياع الطبقة الوسطى واعقب ذلك طبقة عليا تمتلك الثروة والسلطة والنهي والامر وطبقة اخرى في المقامات الدنيا لا تمتلك شيئاً غير العدم والضعف الاقتصادي والشكوى صباح مساء الى رب العباد ليرفع العناء ويزيل البلاء. 2/ عدم الاهتمام بالانتاج الزراعي ومدخلاته مما نتج عنه تدهور الدخول وتناقص الكسب المادي من الزراعة بأشكالها المختلفة فاصبح المزارع عرضة لاستغلال التجار الجشعين وكذلك متابعة الجهات المسؤولة في الولايات والمحليات بوضع الضرائب والجبايات على انتاج المزارع ومستخرجاته، فهجر المزارعون الزراعة وهجروا أيضاً الريف ونزحوا نحو المدن بحثاً عن عيشة افضل واستقرار أشمل، وكانت نهاية النهايات التفريط في مشروع الجزيرة وإهماله وعدم الصرف على الوسائل المؤدية الى إزدهار وزيادة الانتاج وتحسينه وامتد هذا الاهمال الى المشاريع الزراعية الاخرى في مختلف الولايات حتى اصبحت شعارات الاكتفاء الذاتي خالية من مضامينها الايجابية التي احيت الآمال العراض حيناً من الدهر ثم انحسرت فأصبحت أثراً بعد عين. 3/ التفريط في المعالم بأشكالها المختلفة فتدهورت صناعات استراتيجية كالنسيج مثلاً والزيوت والصابون حيث كانت هذه المصانع تستوعب الآلاف من الايدي العاملة رجالاً ونساءً من الشباب وبعض هذه المصانع كالنسيج مثلاً كانت تعمل اربعة وعشرين ساعة بلا توقف ويتبع ذلك مصانع الغزل التي كانت تخصص جزءً من انتاجها للتصدير وجلب العملات الصعبة من مختلف البلدان التي كانت تتعامل مع الصناعات السودانية بلا تردد أو خزلان. 4/ عدم الاهتمام بالنقل وآلياته المتمثل في السكة الحديد والبواخر والسفن ويضف الى ذلك التوسع في التعليم العالي وتخريج اعداد هائلة من الشباب غير المؤهل بالصورة التي تتفق واحتياجات المجتمع من الايدي العاملة في مختلف الشؤون الخدمية. 5/ توقف الحراك التنموي في الولايات وانشغال المركز بتمويل الانشطة الحربية بحثاً عن الاستقرار وترسيخ السلام الاجتماعي وقد نتج عن ذلك إزدحام المدن بالشباب الباحث عن العمل وتحقيق الطموحات المشروعة واكبر مثال لذلك ولاية الخرطوم التي اصبحت مقراً وملتجأً لكل اشكال الهجرة بألوانها المختلفة واشكالها المتباينة حيث تولد من ذلك انشطة العمل العشوائي والاحتيال بأشكاله المختلفة وممارسة الجريمة تحت مسميات ولافتات عديدة. ان العوامل المسببة لفيروز الفقر كثيرة ولا يمكن إجمالها فيما ذكر ولكن ما اشرنا اليه يعتبر من الامثلة فقط، والفقر بمفهومه الذي اوردناه لا يعتبر مسؤولية الدولة وحدها ولكنه مسؤولية الجميع، وعليه ينبغي ان يعاد النظر في سياسات التحرير الاقتصادي من منظور تنموي اجتماعي يركز على تهميش النشاط الطفيلي ومحاربته وفي نفس الوقت يتم الاهتمام بالسواد الأعظم من المواطنين من حيث توفير العمل ودعم الخدمات الاساسية وإيقاف الحرب وتحقيق العدالة وذلك عن طريق توزيع الفرص فيما يختص بعدم تعددية المسؤوليات الرسمية والوظائف وحصرها في شخص واحد رئيساً لمجلس إدارة مثلاً وعضواً في اكثر من مجلس ومديراً أو وزيراً في مكان آخر، وقد ساعد ذلك من خلق طبقة جديدة تحتكر الموارد المالية وتحتكر السلطة ايضاً وتنفرد بالقرار وتضع بينها وبين المواطنين أصحاب الحق حواجز لا يمكن اختراقها للوصول الى أصحاب السيادة وأهل الشارات المميزة. * مركز الخبراء الوطنيين للتنمية الإدارية بحري