استمعت قبل فترة للكلمة الضافية للأستاذ علي عثمان محمد طه، التي ألقاها في اختتام الندوة الدولية حول «السودان في العهد العثماني» التي نظمتها دار الوثائق تحت رعاية الأستاذ أحمد فضل عبد الله، وزير الدولة بوزارة مجلس الوزراء المشرف على دار الوثائق القومية، وقد أعجبني الطرح الممتاز الذي قدمه عن أهمية التوثيق في الحياة بشكل عام وللحياة في بلادنا الحبيبة بشكل خاص، لا سيما حديثه وإشارته ومبادرته الكريمة التي أثمرت كتاباً قيماً وهذه الندوة المهمة، وإشارته الواعية إلى أنّ معظم ما كتب عن بلادنا كان عن طريق الرحالة الغربيين وبعض الإداريين البريطانيين الذين خدموا حكومة بريطانيا العظمى التي كانت تحكم السودان. إن المكتبة السودانية فقيرة جداً بالقياس لما هو صادر ومطبوع ومتداول بين أيدي الناس، ونحن في حاجة ماسة متجددة الى آلاف العناوين عن بلادنا التي تعج بالنشاط والحراك الاقتصادي والاجتماعي، ودار في خاطري سيل من الأفكار عن المواقف التاريخية، والشخصيات الوطنية الدينية والسياسية والاقتصادية والفنية والرياضية، وعن بعض الأسر الكريمة التي أعطت هذه الوطن الكثير من رموزه اللامعة، وعلى سبيل المثال، لا يوجد توثيق شاف وكاف ووافٍ عن هذه الرموز في المجالات التالية: رواد السودان في التعليم الديني. رواد السودان في التعليم الأكاديمي «المداس والجامعات». رواد السودان في السياسة. رواد السودان في السلك الدبلوماسي. رواد السودان في الاقتصاد. رواد السودان في الحقل الطبي. رواد السودان في السكك الحديدية. رواد السودان في الطيران المدني والخطوط البحرية. تاريخ مصلحة النقل الميكانيكي. تاريخ ورواد مصلحة المخازن والمهمات. البريد والبرق في السودان، مؤسسوه ورواده. القوات المسلحة وقياداتها بالأقاليم «تاريخ القيادة الشرقية أو الغربية أو منطقة جبيت على سبيل المثال» وحياة الضباط في تلك المناطق. قادة الشرطة والبوليس ورجال الأمن. المدن السودانية «رفاعة، القضارف، الفاشر» تاريخها ووملامح الحياة فيها وأبرز شخصياتها. الأندية الرياضية. وأكاد أجزم أنه لا يوجد كتاب أو دراسة متخصصة عن جامعة الخرطوم مثلاً أو جامعة أم درمان الإسلامية، وتاريخهما ووصف لمبانيهما وكلياتهما، وملامح الحياة الجامعية وتأثيرها وتأثرها بالمجتمع العاصمي، أضف إلى ذلك مدارسنا العريقة التي صارت جزءاً من الماضي، وهي حنتوب وخورطقت ووادي سيدنا وكاب الجداد الوسطى، وجامعة الفرع. أما مستشفى الخرطوم فلا أحد قرأ عنه سطراً، وكذا مستشفى أم درمان الذي لا يدل على عراقته إلا اللافتة المكتوب عليها أنه تأسس عام 1898م، والقائمة تطول المعهد الفني ومعهد شمبات الزراعي، ومئات العناوين لبلد جليل وكبير وشعبه نهم للقراءة والاطلاع. ونتمنى أن تكون هذه الندوة فاتحة لطريق التوثيق الشامل لكل ملامح الحياة في بلادنا الغالية.