إيفان إيلاند مدير مركز السلام والحرية بالولاياتالمتحدة ظل السيناتور ماكين والمحافظون الجدد منذ فترة من الزمن يقرعون الطبول من أجل تصعيد دور الولاياتالمتحدة في سوريا. ويدعو التقدميون في جانب الطيف السياسي الآخر إلى نفس الحل، فصقور اليمين واليسار يختلفون في العديد من الموضوعات السياسية إلى حد الكراهية، لكنهم في السياسة الخارجية إمبرياليون حتى النخاع. وحتى لا أبدو سطحياً مثلهم فالمحافظون الجدد يغلفون خيار «ترويج الديمقراطية بقوة السلاح» بمسحة قومية من ألوان الطاؤوس الأمريكي المختال، الأحمر والأبيض والأزرق، مستندين إلى شعارات غامضة مثل «مصالح الولاياتالمتحدة» و «المصالح الأمريكية العليا». بينما يستر اليساريون عقليتهم الإمبريالية بشعارات مثل «حماية المدنيين باستخدام القوة العسكرية». وقد دافع كل من وليام بيري ومادلين أولبرايت وزيرا الدفاع والخارجية في عهد الرئيس بيل كلنتون عن تدخل الولاياتالمتحدة العسكري بدون استخدام قوات على الأرض، لحماية أرواح السوريين. وناصر بيري على وجه الخصوص فرض حظر جوي في شمال سوريا باعتباره ملاذاً للثوار السوريين. أما صقور التقدميين مثل آن ماري اسلوتر ونيكولاس كرستوفر الموظفين السابقين في إدارة الرئيس أوباما، فقد أيدوا تقديم أسلحة مضادة للدبابات والطائرات، وربما غطاء جوي، للثوار الذين تعهدوا بحماية المدنيين وعدم اللجوء للقتل الطائفي. ويبدو أن معظم التقدميين يؤيدون أنموذج الإنزال الجوي قليل التكلفة الذي أدى إلى إنهاء حكم معمر القذافي في ليبيا. وتحت العبارات المعممة ذات الطابع الإنساني يبدو أن اليسار يعتقد أن مسألة سقوط حكومة الأسد مسألة وقت، وكلما امتدت فترة الحرب كانت لها نتائج عكسية في الإقليم. وهناك مسألة أخرى هي أن الولاياتالمتحدة لن يكون لها أي تأثير في مرحلة ما بعد الأسد إذا لم تتدخل برجليها الاثنين في الحرب الأهلية في سوريا. واعتماد الأنموذج الليبي أنموذجاً للنجاح أمر سابق لأوانه، فقد تبين من هزيمة العراق أن الإطاحة بالدكتاتور قد لا تؤدي إلى إقامة ديمقراطية مستقرة. ففي غياب دكتاتور قوي يسيطر على قطر عنيد تتفشى فيه الانقسامات القبلية والاثنية والطائفية، قد تتفاقم الصراعات وعمليات التقتيل وتكون الديمقراطية أمراً عابراً أو مؤقتاً. فالثورات ظواهر طويلة المدى وغير قابلة للتنبؤ «لاحظ المراحل الأربع الطويلة للثورة الروسية»، وقد لا تستمر نفس المجموعة التي استولت على السلطة ماسكة بزمامها عندما ينجلي كل الغبار. فالمشكلة الكبرى الآن في مستقبل ليبيا هي احتمال انفجار العنف الكامن بين المليشيات القبلية التي زودها الغرب بالسلاح. أما في سوريا التي توجد بها انقسامات طائفية وعرقية ربما أكثر من العراق، فإن الدلائل تقود الخبراء إلى الاعتقاد بانتشار الفوضى وحمامات الدم في حالة إزاحة الأسد عن السلطة. لقد أخذ صقور المحافظين الجدد درساً خاطئاً من حوادث 11/9، واستخدموا الهجمات في ترويج أن إرهاب الإسلاميين هو أكبر مشكلة على مستوى العالم ومن ثم غزوا العراق. وكان عليهم أن يفهموا «هم ورفاقهم في صقور اليسار» أن مساعدة الثوار في حرب أهلية «المجاهدين الأفغان ضد الحكومة الأفغانية التي يدعمها السوفييت» يمكن أن يكون أكثر خطورة. فقد نشأت القاعدة من صفوف المجاهدين، وهي الآن أحد فصائل الثورة في سوريا. والذين يؤيدون التدخل يضعون ثقتهم في أجهزة المخابرات لتحديد الصالحين من الطالحين في المقاومة السورية، وهي ذات الأجهزة التي فشلت من قبل في اكتشاف هجمات 11/9 واعتقدت أن صدام حسين يملك أسلحة دمار شامل. وحتى إذا توفرت الفرصة المناسبة للمخابرات الأمريكية لإجراء هذا الفحص بنجاح قبل تقديم الأسلحة، فغالباً ما تتحول الأسلحة في الحروب الأهلية من أيدي الذين حصلوا عليها إلى أشخاص آخرين. فمثلاً المعونات التي قدمتها الولاياتالمتحدة إلى أفغانستان وباكستان وقعت في أيدي طالبان. ويقاتل الثوار السوريون الآن بأسلحة ثقيلة مثل الدبابات، غنموها من الجيش السوري. لكن أليس من الضروري التدخل لتأمين ترسانة الأسلحة الكيميائية حتى لا تسقط في أيدي الإرهابيين؟ وتستخدم الأسلحة الكيميائية عادة كأسلحة دفاعية في ساحات الحروب التقليدية، على خلاف الأسلحة البيولوجية التي تعد أسلحة إرهابية. كما أن الأسلحة الكيميائية رغم سمعتها السيئة قتلت أعداداً قليلة من الناس من ناحية تاريخية، مقارنة بالأسلحة التقليدية. وليس من المحبذ أن يحصل الإرهابيون الإسلاميون على أسلحة كيميائية في سوريا ما بعد الأسد، لكنها ليست أسلحة إرهابية على كل حال، فهناك مبالغة في تقدير الخطر. حيث كان الأمر يمكن أن تؤمن الفرق الإسرائيلية والتركية الأسلحة الكيميائية دون مساعدة الولاياتالمتحدة، فهذه الأسلحة غالباً ما تستخدمها المليشيات المسلحة «حزب الله وغيره» ضد إسرائيل. وإذا سقط الأسد فعلى إسرائيل أن تستخدم جزءاً من المبلغ الذي يفوق ثلاثة بلايين دولار من المساعدة العسكرية السنوية التي تقدمها لها الولاياتالمتحدة، لتأمين هذه الأسلحة. وبصورة أكثر عمومية ما يحدث في سوريا يهم الولاياتالمتحدة بسبب دعم حكومتنا لإسرائيل. لكن إسرائيل دولة غنية ومؤهلة من ناحية تقنية، فلها أكثر من مئتي قطعة سلاح نووي. وجيرانها فقراء وضعاف من ناحية عسكرية، بما في ذلك سوريا. وقد يسقط الأسد لكن حكومته تقاتل قتالاً عنيداً. ولحسن الحظ فإن الرئيس أوباما مع معسكر السياسة الخارجية الواقعية، ولا يريد القيام بأي عمل عسكري قبل انتهاء الانتخابات. ورغم أن الولاياتالمتحدة فرضت عقوبات اقتصادية على سوريا وقدمت معونات غير قتالية للثوار، فإن الرئيس يقاوم دعوات الصقور في الشمال واليمين الخاصة بتصعيد دور الولاياتالمتحدة. أما الآن فقد دخلت هيبة الولاياتالمتحدة على الخط. فبعد هذه الخطوات السياسية المبكرة ومناصرة تنحي الرئيس الأسد، سينفتح الطريق بعد الانتخابات لنصائح ضارة تدعو إلى تصعيد دور الولاياتالمتحدة، بغض النظر عن من يكسب سباق الانتخابات.