تكية الفاشر تواصل تقديم خدماتها الإنسانية للنازحين بمراكز الايواء    مصالح الشعب السوداني.. يا لشقاء المصطلحات!    الجيش عائق لأي مشروع وطني في السودان إلى حين إشعار آخر!    تايسون يصنف أعظم 5 ملاكمين في التاريخ    السودان.."الشبكة المتخصّصة" في قبضة السلطات    نقل طلاب الشهادة السودانية إلى ولاية الجزيرة يثير استنكار الأهالي    ريال مدريد لفينيسيوس: سنتخلى عنك مثل راموس.. والبرازيلي يرضخ    مقتل 68 مهاجرا أفريقيا وفقدان العشرات إثر غرق قارب    توّترات في إثيوبيا..ماذا يحدث؟    اللواء الركن (م(أسامة محمد أحمد عبد السلام يكتب: موته وحياته سواء فلا تنشغلوا (بالتوافه)    مسؤول سوداني يردّ على"شائعة" بشأن اتّفاقية سعودية    السودان..إحباط محاولة خطيرة والقبض على 3 متهمين    دبابيس ودالشريف    منتخبنا المدرسي في مواجهة نظيره اليوغندي من أجل البرونزية    بعثة منتخبنا تشيد بالأشقاء الجزائرين    دقلو أبو بريص    هل محمد خير جدل التعين واحقاد الطامعين!!    اتحاد جدة يحسم قضية التعاقد مع فينيسيوس    حملة في السودان على تجار العملة    إعلان خارطة الموسم الرياضي في السودان    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    تحديث جديد من أبل لهواتف iPhone يتضمن 29 إصلاحاً أمنياً    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    المصرف المركزي في الإمارات يلغي ترخيص "النهدي للصرافة"    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    أول أزمة بين ريال مدريد ورابطة الدوري الإسباني    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    بزشكيان يحذِّر من أزمة مياه وشيكة في إيران    لجنة أمن ولاية الخرطوم تقرر حصر وتصنيف المضبوطات تمهيداً لإعادتها لأصحابها    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    زيادة راس المال الاسمي لبنك امدرمان الوطني الي 50 مليار جنيه سوداني    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    استعانت بصورة حسناء مغربية وأدعت أنها قبطية أمدرمانية.. "منيرة مجدي" قصة فتاة سودانية خدعت نشطاء بارزين وعدد كبير من الشباب ووجدت دعم غير مسبوق ونالت شهرة واسعة    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    الشمالية ونهر النيل أوضاع إنسانية مقلقة.. جرائم وقطوعات كهرباء وطرد نازحين    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تتجول في كردفان ودارفور(1)

زرناها قبل عام وكان وقتها الوالي معتصم ميرغني زاكي الدين يتلمس خطاها في حكم شمال كردفان رغم مرور عام وقتها على توليه دفة قيادة الولاية الثالثة في السودان من حيث الكثافة السكانية (3 مليون ) نسمة ،تحدث الينا يومها في حوار مطول بكل تفاؤل عن الكثير من المشروعات التنموية والخدمية التي اكد وشدد على انها سترى النور قبل انتصاف دورته الانتخابية ،ودارت دورة الايام ليمر قرابة العام ونصف على الوعود التي اطلقها المهندس ولاعب الكرة السابق زاكي الدين في حواره مع(الصحافة).
وعندما وطأت اقدامنا ارض عروس الرمال نهار السبت الثالث من هذا الشهر بعد رحلة شاقة استغرقت اكثر من عشر ساعات وذلك في اطار جولتنا الصحفية التي تستهدف تفقد الحال بعدد من ولايات الغرب ،بحثنا عن متغيرات على الارض بعروس الرمال توقعنا ان نجدها شاخصة وذلك على حسب تأكيدات الوالي ،نعم هناك تغيير نسبي بحاضرة الولاية التي شهدت عمليات جراحة تجميلية بواسطة معتمدها فتح الرحمن الذي يبدو انه نجح في استمالة المزاج العام لمواطني المدينة الذين تحدث بعضهم عنه باعجاب على عكس ماكان سائدا في الفترة الماضية التي كان خلالها سكان عروس الرمال المعروف عنهم الثقافة العالية في امور السياسة ناغمين على حكومة الانقاذ بسبب تردي الاوضاع بمدينتهم التي يفاخرون بها ،وبدأت التغيرات واضحة من خلال سفلتة بعض الطرق الداخلية وانارة جزء كبير منها وانشاء متنزه عبيد وتشييد ميناء بري ،بيد ان سوق المدينة مايزال كما هو رغم محاولات اصلاحه ،والتردي البيئي بدا واضحا في منطقة سوق الخضار وغيرها من مناطق لم تشهد تحسينات رغم الدخل العالي الذي يدره السوق لخزينة المحلية والولاية كما اشار الى ذلك احد التجار .
حجوة أم ضبيبينة
رغم الاشراقات التي شهدتها عروس الرمال ،الا ان المدينة ماتزال تشكو من ازمة مياه الشرب التي اعتبر مواطن يدعو الطيب الحاج انها مثل (حجوة ام ضبيبينة) وقال الرجل الخمسيني الذي التقيناه في موقف مواصلات الصالحين انه يتذكر كل الوعود التي اطلقها الولاة الذين تعاقبوا على حكم الولاية منذ الحسيني عبد الكريم حتى عهد معتصم ميرغني ،ويشير الى ان كل الوعود حتى تلك التي اطلقتها القيادة العليا للدولة ذهبت ادراج الرياح ولم تتنزل على ارض الواقع ،وقريبا من حديث الرجل الخمسيني اشار البروفسير اسماعيل الحاج موسى الذي ترأس وفدا من مجلس الولايات عقد اجتماعا مع حكومة الولاية شهدته (الصحافة) ،وعلق على قضية مياه الابيض مبينا انها ظلت عالقة منذ ان كان طالبا بالمدينة قبل اربعة عقود ،واعتراف المسؤول الرفيع بالدولة بالقضية جاء بعد ان تحدث وزير التخطيط بالولاية خلال ذات الاجتماع بلهجة حادة حول قضية مياه الابيض ،والتي اعتبرها معتمد شيكان فتح الرحمن عوض الكريم في حديث ل(الصحافة) انها ورغم الاهتمام الذي توليه حكومة الولاية لحل هذه القضية ماتزال عالقة ،قاطعا بعدم قدرة حكومة الولاية على حلها بمعزل عن دعم المركز ،معتبرا ان حل مشكلة المياه تعتبر مدخلا لتجاوز كافة قضايا حاضرة الولاية.
اذا مشكلة مياه الابيض ورغم الوعود التي قطعها زاكي الدين قبل عامين ونصف لم تراوح مكانها ،والحقائق توضح ان الشبكة الناقلة مضت عليها خمسة عقود ولم تشهد تغييراً و باتت منهارة بحسب مهندس في ادارة المياه الذي اشار الى ان الشبكة الداخلية التي تغطي 30% من احياء المدينة لم تعد صالحة لنقل المياه ،مبديا خشيته من ان تتسبب في حدوث امراض للمواطنين وقال ان هناك عدداً كبيراً من مواسير الخط الناقل مصنوعة من الاسبستوس ،لافتا الي ان مدينة الابيض شهدت توسعاً كبيراً حتى وصلت احياؤها الى 142 ،كاشفا عن 40 فقط منها توجد بها شبكة وان نصفها لاتصلها المياه بانتظام ،وكان وزير التخطيط قد اشار من خلال اجتماع حكومة الولاية بوفد مجلس الولايات الى ان المدينة ترقد فوق حوض جوفي سعته 36 مليار متر مكعب ،بخلاف المصادر الاخرى للمياه مثل حوض بارا والمصادرالجنوبية ورغم ذلك المدينة تشكو العطش ،وقال ان عشرة مليون فقط تكفي لتغيير الشبكة ولكن ولضعف امكانيات الولاية لايستطيعون توفيرها.
اذا مشكلة مياه الابيض لم تشهد جديداً ولاتزال عربات الكارو سيدة الموقف تجوب حتى الاحياء التي تصنف بالدرجة الاولى لبيع المياه للمواطنين ،ولكن وللغرابة فان المدينة تشهد استقراراً واضحاً في التيار الكهربائي ووصل عدد المشتركين الى 600 ألف مشترك.
طريق أم درمان بارا
وصفه المواطن حسن الشيخ باللغز الذي استعصى عليهم فك طلاسمه ،مبديا حسرته على عدم وفاء الحكومة المركزية بوعودها التي وصفها بالكثيرة المتعلقة بانشاء الطريق الرابط بين عاصمة البلاد التاريخية ومدينة بارا ،مؤكدا عدم اهتمام الدولة بانشاء الطريق ،وذات الامر يستحوز على اهتمام معظم المواطنين الذين التقيناهم بعروس الرمال الذين سرت وسطهم انباء تفيد ان اموال الطريق تم توجيهها لانشاء طريق بولاية اخرى ،وباتت نظرية المؤامرة تسيطر على العقل الجمعي لسكان كردفان الذين يعتقدون وفق معطيات الواقع ان هناك استهدافا متعمدا لولايتهم ويستدلون على ذلك بعدم تنفيذ مشاريع طريق بارا امدرمان وايصال المياه من النيل الابيض وتشييد المستشفى المرجعي وغيرها من مشروعات ،الا ان والي الولاية وفي حوار مع (الصحافة) اكد ان الطريق سيتم تنفيذه في العام القادم بحسب وعود تلقاها من المركز ،وهذا الطريق ينظر اليه المواطنون بكردفان الكبرى على اساس انه من محركات الاقتصاد المتوقعة اذا تم تنفيذه وذلك لانه يختصر اكثر من 300 كيلو ويسهل من وصول منتجات الولاية وعموم غرب السودان الى العاصمة ويسهم في تخفيض الاسعار ويشيرون الى ان فوائده لاتحصى ،الا انهم يبدون غير واثقين من وعود الحكومة المركزية المتكررة .
وفيات الأمهات والسرطان ؟؟
من خلال الحوار الذي اجرته الصحافة مع والي الولاية كان معتصم ميرغني زاكي الدين العائد من رحلة استشفاء واضحا في افاداته ولم يتحفظ في اجاباته مثلما فعل في الحوار السابق ،وتناول قضايا الولاية بكل شفافية ،ومنها الوضع الصحي الذي وصفه بالمأزوم والمتردي ،وهذا الامر جعلنا نتوجه برفقة مراسل الصحيفة بالولاية الزميل عمر عبد الله الى المستشفى ومن ثم اجرينا حوارا مع وزير الصحة ،وقبل استعراض ما ادلى به من افادات كانت صادمة بالنسبة لنا ،نشير الى ان زياراتنا للمستشفى لم تستغرق سوى نصف ساعة وذلك لأن المشاهد والمناظر هي ذاتها التي رأيناها في زياراتنا السابقة ،فالتردي رغم مجهودات الولاية والوزارة يبدو واضحا في العنابر التي تصدع الكثير منها والحال في كل اقسام المستشفى متشابه ،وشكا لنا مواطنون من عدم توفر العدد الكافي من الاختصاصيين وانعدام الكثير من ادوية الطوارئ ،وقالت سيدة تدعى فاطمة انها جاءت من محلية النهود لتلقي العلاج من آلام في المعدة ظلت تلازمها منذ ثلاثة اشهر،موضحة انها وجدت صعوبة بالغة في مقابلة اختصاصي الباطنية ،واردفت"وحتى بعد ان سنحت لي الفرصة وقابلته طلب مني اجراء الكثير من الفحوصات التي لم اتمكن من اجراء بعضها وذلك لأنني لا امتلك المال الكافي وتم تنويمي في العنبر الذي تنقصه وسائل التهوية والاسرة والمراتب ،وتمنيت لو كنت امتلك مالاً لتوجهت مباشرة صوب العاصمة بحثا عن العلاج".
لم نشأ اطالة طوافنا على المستشفى وذلك لأن واقعه يدعو للحزن والاسى ،وفضلنا لقاء وزير الصحة اسماعيل بشارة وهو طبيب وقد استقبلنا بأريحية ولم يتحفظ في اجاباته على تساؤلاتنا ،كاشفا عن جهود مقدرة بذلونها لترقية الوضع الصحي بالولاية ،الا انه اشتكى ضيق الامكانيات ،معتبرا ان تغيير واقع الصحة بالولاية يحتاج لدعم مركزي ،و يتمثل في انشاء المستشفى المرجعي الذي وعد به رئيس الجمهورية ،معترفا بوجود قصور في الرعاية الصحية الاساسية التي قال انها لاتتجاوز 33% بالولاية ،مرجعا ارتفاع نسبة وفيات الامهات التي بلغت خلال عامين اكثر من 617 حالة ،الى عدم وجود اسعافات كافية والنقص الحاد في القابلات الذي يبلغ ثلاثة الف قابلة ،وتطرق وزير الصحة الى معاناة الولاية من الامراض التي تتسبب فيها المياه الملوثة ،كاشفا عن ارتفاع حالات الاصابة بالكبد الوبائي ،وقال ان مرض البلهارسيا اصاب 92% من طلاب المدارس وان نسبة الاصابة به في محليات الولاية تبلغ 76%،وقال ان تفشي وباء البلهارسيا دفعهم لتوزيع علاج مجاني بالمحليات ،وقال ان السيطرة على المرض بصورة كلية يتوقف على توفير مياه شرب نقية للمواطنين علاوة على حفر حمامات لمحاربة ثقافة التبرز في العراء ،وتحدث الوزير عن تنامي نسبة الاصابة بمرض السرطان،مشيرا الى انه وبحسب احصاءات المركز القومي لعلاج الاورام فان ولاية شمال كردفان تحتل المركز الرابع من حيث الاصابة بالمرض،الا انه توقع ان تكون النسبة اعلى من ذلك ،كما كشف الوزير عن وجود ادوية مغشوشة وغير مطابقة للمواصفات بالولاية محذرا من خطورتها على المواطنين،وختم حديثه مشيرا الى ان الولاية تشكو نقصا في عربات الاسعاف التي تغطي 10% فقط من حاجة الولاية التي قال انها تمتلك 13 تعمل منها ست فقط بحالة جيدة.
ونحن نهم بمغادرة الابيض لمواصلة جولتنا الصحفية تساءلنا :كيف سيكون الحال لو قضينا في عروس الرمال اكثر من الفترة التي قضيناها (يومين ونصف فقط) ،وذلك لأن هذه المدة القصيرة كشفت لنا الكثير من المآسي واوضحت لنا واقع الحال الذي تأكدنا من انه لايرضي المواطنين ولا حكومة الولاية التي تبدو عاجزة ومغلولة اليد وفي انتظار دعم المركز لانقاذها من تنامي موجات الغضب تجاهها وسط المواطنين ،تركنا الابيض خلفنا وهي لاتعاني من النقص في الخدمات وحسب ،بل تشهد صراعا محتدما بين تيارات داخل الحزب الحاكم ،وعرفنا ان اسبابه تعود الى سعي كل تيار للسيطرة على مفاصل القرار والحكم في الوقت الذي اكتفى خلاله المواطن بالجلوس على رصيف الفرجة ولسان حاله يقول( لماذا يتصارعون وماذا قدموا للولاية؟).
الخوي ..غزارة في الموارد وضعف في الخدمات
بعد نهاية جولتنا عندمنتصف نهار الإثنين الموافق الخامس من فوفمبر تحركنا صوب محلية الخوي حسب جدول الرحلة الموضوع ،حيث تحركت بنا عربة (الاتوز) عند الساعة الرابعة عصرا وهي وسيلة المواصلات الاكثر استعمالا بكردفان ومعها الفستو والكلك ولدخلها الجيد وبداعي اقبال المواطنين على شرائها بلغت اكثر من عشرة الف عربة تجوب طرقات الولاية ،ورغم ان المسافة لا تتجاوز المائه كيلو وبرغم ان الطريق مغطى بالاسفلت الا ان قيمة المشوار تعتبر عالية (عشرون جنيها) ،لم نجد خياراً سوى دفعها وعدم الاعتراض وذلك لأن الرفض سيعني عدم سفرنا الى الخوي التي تقع غرب الابيض ويستغرق المشوار اليها خمسين دقيقة ،وخلال هذه المسافة كنا نتجول بنظرنا على المساحات الشاسعة من الاراضي التي تقع على طرفي الطريق والتي بدت عليها آثار موسم الامطار الناجح واضحة ،وتمددت الحشائش وسيقان الذرة على مد البصر ،وكما درجت عادة السودانيين فقد تعارف ركاب الاتوز الاربعة سريعا ولم نترك موضوعاً في السياسة او الرياضة ولم نناقشه ،وكنا نتوق شوقا لرؤية الخوي التي رسمنا لها صورة وردية في مخيلتنا ولم نعرف لماذا توقعنا ان نجدها مدينة اخاذه وغاية في الجمال الريفي الممزوج بروح العصر ،ربما لأن اهلها الذين التقيناهم بالعاصمة وغيرها من مدن يمتازون بجمال الروح وحسن الخلق والتعامل الراقي ،ونحن على مشارف الخوي سألنا عن المحجر او سوق المواشي الذي اشتهرت به المنطقة وعندما اشار اليه المواطن عيسى وهو من قرية عيال بخيت لم نصدق وظننا انه يمارس المزاح معنا ،ولكن امجد سائق الاتوز اكد حديثه ،وتشكيكنا وعدم تصديقنا لحديث الاخ عيسى السيد مريود كان يعود الى بؤس مايسمى بالمحجر الذي هو عبارة عن زريبة كبيرة الحجم بها ثلاث غرف فقط ،وقال امجد سائق الاتوز ان الزريبة او المحجر هو اكبر سوق للضأن بالسودان يقصده تجار المواشي والمصدرون السودانيون والاجانب ،مشيرا الى ان اكثر من ستين الف رأس من الضأن تحملها الشاحنات يوميا في مواسم البيع (من شهر سبتمبر الى ديسمبر) الى العاصمة والى خارج السودان ،ساعتها تعرفنا على مدى قصورنا في الاستفادة من الخيرات التي منحنا الله لنا ،تجاوزنا محطة المحجر ولاحت لنا الخوي التي تعلقت بها قلوبنا قبل رؤيتها ،وبعد وصول العربة الى رواكيب تقع على جانب طريق الابيض النهود نزلت العربة من الاسفلت واتجهت شمالا ومرت بطريق رملي وجدت صعوبة كبيرة في المرور عليه ويقع وسط غابة من الحشائش والاشجار الكثيفة وبعد قطعها لمسافة ثلاثة كيلو مترات في الطريق الوعر لاحت لنا الخوي وكانت منازلها في الجزء الجنوبي مشيدة من المواد المحلية وغير مخططة وقلنا هذه طبيعة الاحياء الطرفية بالمدن،ولكن عند وصولنا الخوي تفاجأنا باننا وسط قرية كبيرة وليست مدينة كما تخيلنا ،وتفتقد للتخطيط والتنظيم و90% من منازلها مشيدة من المواد المحلية ،وبعد وصولنا سوقها الوحيد لم يختلف الواقع عن احياء المنطقة فهو الآخر لاتبدو عليه مظاهر تخطيط وتنظيم ومعظم متاجره مشيدة من القش والزنكي وبعضها من مواد ثابتة ،وعلى حسب وعده لنا اجرينا اتصالا بمتعمد المحلية الا انه تمنع عن الرد رغم انه رحب بالزيارة وبعد محاولات جاء رده بانه خارج المحلية فلم نهتم كثيرا لامره،فسجلنا جولة على المنطقة تعرفنا خلالها على تردي الخدمات بل انعدامها فالمستشفى شبه مهجور حيث يفضل المواطنون تلقي العلاج بالابيض ،ولاتوجد كهرباء ولاشبكة مياه ويعتمد السكان الذين يربو عددهم على الاربعين الف يتوزعون في 227 قرية اشهرها واكبرها قرية عيال بخيت ،علي الدوانكي وجلب المياه عبر التناكر في توفير مياه الشرب ،ورغم بؤس الحال والاحباط الذي شعرنا به من جراء تبخر احلامنا برؤية مدينة صغيرة جميلة وانيقة،الا ان اصرار مرافقنا في عربة الاتوز عيسى السيد مريود ان نتناول معه وجبة الغداء في السوق وتعامله الراقي والمضياف ،خفف علينا الصدمة والحسرة ،فبعد الانتهاء من جولتنا جمعتنا جلسة جميلة اكدت لنا اصالة معدن الانسان السوداني والكردفاني ،فالرجل اكد باننا ضيوف محليته ويجب ان يقوم بالواجب تجاهنا ،اغرقنا بكرمه وتعامله الراقي وتناوله الموضوعي لكافة القضايا التي كانت مكان نقاشنا في مطعم قدورة ،وكشف لنا وهو مربي ماشية عن ان تكلفة تربية الخروف لعام كامل تبلغ سبعين جنيه فقط ،فاصابتنا الدهشة ،بددها بتبرير للمفارقة العجيبة مشيرا الى انهم يبيعون باسعار معقولة تحقق لهم ربحا جيدا ،وقال انهم كمنتجين لايتحملون مسؤولية ارتفاع اسعار الماشية،لم نكن نتمنى ان تنتهي جلستنا الجميلة مع كرماء واصلاء الخوي ولكن لأن الشمس مالت الى الغروب معلنة حلول الظلام فضلنا التوجه نحو شارع الاسفلت والبحث عن عربة تقلنا الى النهود وجهتنا الثانية في رحلتنا ،ودعنا الخوي وكلنا حسرة على حال مواطن لايحظى ولو بالحد الادنى من الخدمات الضرورية ،برغم ان العائد اليومي للمحجر وبحسب مصدر بحكومة الولاية يتجاوز المائتي مليون ،وهذا يعني ان دخل المحجر في الشهر الواحد خلال مواسم البيع العالي يبلغ اكثر من ستة مليار ،(خمسون جنيه رسوم على كل رأس من الماشية)،ومثلما يتساءل مواطنو المحلية نسأل (أين تذهب هذه الاموال)؟؟؟؟.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.