في الوقت الذي تنشغل فيه الدولة بحركتها وحزبها وضيوفها، في وقت ينشغل فيه الاعلام بتغطية فعاليات مؤتمر الحركة الاسلامية، وتتصاعد العمليات العسكرية بجنوب كردفان ،ويتعقد الوضع الامني في دارفور ، في نفس التوقيت الذي تعقد المعارضة مؤتمرها في لندن وتذكر فيه كل شئ الا «العيش» ، ويقولون ان كل تلك التحركات ما جرت الا من اجله ، تلك التحركات والمعارك السياسية والحربية من اجل توفير لقمة العيش للشعب، في الوقت الذي لا أحد ينشغل فيه بالعيش. !!. ما أخبار «العيش» هذه الايام. لنقرأ هذا التصريح « شهدت بورصة أسواق محاصيل ولاية القضارف انخفاضاً كبيراً في أسعار الذرة حيث بلغ سعر الأردب «جوالين» «250 جنيهاً» بدلاً عن «350 جنيهاً» قبل عمليات الحصاد. وحذر رئيس اتحاد مزارعي ولاية القضارف عبد المجيد علي التوم في تصريح ل «الصحافة» من اعسار الوفرة وارتياد المزارعين السجون، ودعا الدولة الي ضرورة التدخل الفوري وشراء المحصول عبر المخزون الاستراتيجي».أرايتم مصيبتنا في عيشنا...اذا كان الموسم ناجحا والامطار متوفرة بكرم رباني واختفت الآفات ، فان آفة الوفرة ستكون هنالك..ولكن الوفرة أصبحت خطراً على العيش!!. هذا هو الاقتصاد فازدياد العرض يقود لتدني الاسعار تماماً كما حدث في سوق القضارف، فبمجرد وصول كميات كبيرة الى السوق تدنت الاسعار من 350 جنيهاً للأردب الى 250 ، وخطر استمرار الاسعار في تدنيها متوقع بشكل كبير لثلاثة اسباب. الحصاد لايزال مستمراً والعيش متدفق على الاسواق، والثاني ان أسواق الاقاليم ليست بحاجة لعيش القضارف فالانتاج تقريبا في اغلب الاقاليم يحقق مستويات عالية، بمعنى ان السحب من اسواق القضارف منعدم ، والثالث ان الحكومة لازالت تتلكأ في تقرير سياسة واضحة تجاه حالة الوفرة الناشئة في الاسواق. امام الحكومة الان اكثر من فرصة للاستفادة من حالة الوفرة، ففتح باب التصدير بسرعة الان قبل انهيار اسعار الذرة ضرورة لكي يحقق المزارعون معدلات ارباح عالية تدفعهم لمزيد من الانتاج في المواسم القادمة. وفرصة القطاع الخاص للتصدير كبيرة في ظل حاجة الاسواق في الجوار الافريقي وكثير من الدول العربية للذرة. في الجانب الاخر المطلوب تدخل الحكومة في السوق ومن خلال توجيه المخزون الاستراتيجي بشراء فائض الاسواق لكي تمنع انهيار الاسعار من جانب وتدعيم مخزونها الاستراتيجي من الذرة لسنوات قادمة.، بامكان الحكومة ايضا توجيه البنوك العاملة من خلال بنك السودان لتمويل شراء الذرة بسقوف تمويل عالية وارباح اقل للبنوك.قبل ايام اعلن وزير الزراعة عبد الحليم المتعافي عن فتح باب التصدير للذرة ولكن الاجراءات بطيئة ولا آليات مستعدة للقطاع الخاص للتحرك في الاسواق لسرعة تسويق الذرة. بعد توقيع اتفاقية اديس ابابا اعلن الرئيس البشير عن تصدير الذرة للجنوب ولكن القطاع الخاص بكسله وقعوده المعتاد فوت فرصة لتسويق نصف انتاج العام وخاصة في ظل اوضاع الشُح الذي يعانيه الجنوب، في وقت فتحت فيه الحدود ، وكان ميسوراً التصدير، الان تعقدت الامور ويكاد اتفاق اديس ينهار وفقدنا سوقاً مهماً لتسويق الذرة. الان ليس أمام الحكومة من فعل اقتصادي بأهمية تسويق الذرة فبدلا من الانشغال بالمفاوضات والمؤتمرات اجدى لها وهى تعاني ما تعاني من اختلالات في الموازنة ان تدفع بسياسات فعالة وعاجلة للنهوض بالقطاع الزراعي.، محنة المزارعين تحير إذا شحت الأمطار دخلوا السجون، وإذا أنعم الله عليهم وتوفرت الأمطار خذلتهم الحكومة وزج بهم في السجون!!.