لا يهم من سيكون الامين العام للحركة الاسلامية، فالمرشحون لمنصب الامين العام حسب التسريبات والتكهنات متشابهون، ليس من بينهم من لم يشغل منصباً تنفيذياً كبيراً، وليس من بينهم من لم يتبدل حاله من مجاهد فى صفوف الحركة الاسلامية الى متنفذ تذهب به الى مكتبه الصافرات، وتحرسه وأهل بيته الشرطة والامن، كما أنه ليس مهماً مخرجات المؤتمر، فالأمر كله لا يتجاوز ترتيبات البيت من الداخل بعد كثرة المذكرات وعلنية الاعتراضات من جهات هزل وضعف نصيبها من السلطة والثروة، ولا يعدو كونه محاولة متأخرة لتوفيق الأوضاع مع التنظيم العالمى للإخوان المسلمين، ومحاولة غير موفقة حتى الآن لالصاق المآسى والاخفاقات التى حدثت فى السودان منذ استيلاء الحركة الاسلامية على السلطة باستخدام القوة العسكرية وحتى تاريخ انعقاد هذا المؤتمر، بما يحدث فى دول الربيع العربى التى اقل ما فعله الاسلاميون فيها مشاركتهم فى الثورات واحداث التغيير مع غيرهم، رغم انهم الآن يستغلون نتيجة الانتخابات التى أعقبت تغيير الانظمة الحاكمة للاستيلاء على مرافق الدولة واعتماد سياسة التمكين، ولهم فى تجربة اخوانهم فى السودان اسوة حسنة. ومن غير المعقول أن تعقد الحركة مؤتمرها بعد مضى 14 عاماً على حلها اختياريا، وتخلو أضابير السيد مسجل الاحزاب السياسية وملفات مسجل التنظيمات الطوعية أو الثقافية من أية مستندات لتوصيفها. وهى حركة حتى قبيل المؤتمر لا هيكل لها ولا مالية ولا مكاتب ولا مقر، ولديها أمين عام دون أمانة، وهى بلا دستور، وليست لديها لوائح، ولذلك أنفقت جزءاً من جلسات المؤتمر لحسم كيفية انتخاب الأمين العام، وهو امر كان ينبغى ان يكون لائحياً ومن البديهيات، فهى قانوناً غير موجودة وغير شرعية حسب القوانين السارية، ولم يرخص لها قانونا بالعمل ولا مشروعية لاية قرارات تصدرها، وهى حتى الآن لم تعرف عن نفسها هل هى حركة دعوية أم جمعية إسلامية أم تطوعية أم حزب سياسي، ولم يعرف بعد هل سيكون وضعها متسقاً مع الدستور والقوانين السارية بالبلاد ام لا. وحسب الافادات والاعترافات من طرفى الحركة الاسلامية «الشعبى والوطنى» فهى من دبرت وخططت للاستيلاء على الحكم وتقويض الديمقراطية بانقلاب 89م، وقد شاركت فى انقضاضها على السلطة قوات عسكرية نظامية واخرى مدنية تحمل السلاح «مليشيات»، وهى التى حكمت البلاد ربع قرن الا قليلا، فماذا قدمت الحركة الاسلامية للسودان، وماذا استفادت من حكمها البلاد، لقد استلمت السودان بلداً واحداً «ولم تسلمه لعيسى» بل سلمته لدولتين، وحكمت والبلاد فيها حركة تمرد واحدة، وينعقد مؤتمرها والبلاد بها عشرات الحركات المتمردة، واستلمت الحكم والسودان لم يتعرض قط لعدوان اجنبى، وقد تجاوزت الاعتداءات الستة حتى تاريخه، واستلمت البلاد وهى كاملة السيادة، ولم ينته حكمها بعد والبلاد تخضع للفصل السابع وتعج بالآلاف من قوات الاممالمتحدة والافريقية والاثيوبية، والبلاد مصنفة من الدول الراعية للارهاب ومحاصرة اقتصاديا و.. و... !! اذن ماذا تريد الحركة ان تفعل اليوم ما لم تفعله طيلة «23» عاماً ومشروعها الاسلامى ينازع النفس الاخير؟ وهل تنجح الجراحة التجميلية التى تجريها بمساعدة الخبراء الاسلاميين الدوليين فى اخفاء شيخوختها وتجاعيد رسمتها على وجهها وجراح سببتها على جسد الوطن؟ ثلاثة محاور رئيسة ناقشها المؤتمر هي أولاً: الدستور والهياكل وكيفية انتخاب الامين العام، وثانياً تقييم للتجربة، والمحور الثالث استشراف الرؤى المستقبلية للعمل الاسلامى محلياً وعالمياً.. والملاحظ أن الحركة حشدت من عضويتها ما يزيد على خمسة آلاف عضو، مطلوب منهم مناقشة القضايا المطروحة وحسمها خلال ثلاثة أيام فقط، فهل يمكنهم هذا؟ وكيف تتم المناقشة وتداول الرأي وكيف تعمل لجان الصياغة؟ وكم تبلغ الفرص التى أعطيت للمتحدثين؟ اللهم إلا أن يكون المؤتمر عقد لإجازة مشروعات قرارات وتوصيات أعدت مسبقاً. ودعت الحركة لمؤتمرها الحركات والاحزاب الاسلامية من مشارق الارض ومغاربها، عربها وعجمها من دول الربيع العربى وغيره، ومن داخل السودان وخارجه، ووحده المؤتمر الشعبى كان الاستثناء، وهو ما يؤكد أن الحركة الإسلامية رغم الشعارات الا أنها تفتقر الى الوسطية، وأنها بعد كل المصائب التي حلت بالشعب السوداني تريده أن يدفع تكاليف انقسامها وتداعياته، فهي لم تستطع أن تغفر للترابى الذي تحمله مسؤولية حل الحركة الاسلامية بعد انقلاب 89م، حيث سار الأمر كما اشتهى إلى أن جاءت المفاصلة في عام 99م، حيث احتمى المؤتمر الوطنى ببعض ممن أنحازوا اليه من الاسلاميين وكونوا ما سمى بالكيان الخاص، والاسئلة الجوهرية بغض النظر عن مخرجات المؤتمر الحالى كيف ستكون العلاقة مع المؤتمر الوطني الحزب الحاكم، وما هي المسافة بينهما؟ وكيف يحسمان اختلافاتهما؟ وماذا لو اختلفا أو كيف يتفقان..؟ وكيف ستكون العلاقة مع الحكومة؟ وهل الحركة قائدة للحكومة أم تابعة لها؟ وحتى الآن التداخل بين الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني كبير، ووفقاً لذلك ربما كانت الحركة قد ذابت تماماً في المؤتمر الوطني أو كادت، أو قد نشهد مفاصلة أخرى، فمعظم القيادات التنفيذية والدستورية في الدولة هم حركة إسلامية بمن فيهم النائب الأول، وهو الأمين العام للحركة الإسلامية ونائب رئيس المؤتمر الوطني! والأسئلة الأكثر الحاحاً هل شهد المؤتمر أية محاسبات أو «معاتبات»؟ وهل حاسبت الحركة أعضاءها على ما فعلوه بالبلاد والعباد؟ هل وقفت ضد الظلم، وتشريد العاملين والموظفين وقطع أرزاقهم وخراب بيوتهم؟ وهل قالت كلمة واحدة عن انفصال الجنوب؟ وهل عاشت مع الشعب السودانى سنوات الحرب والهجرة والنزوح وحالة البؤس والشقاء وتدهور الاقتصاد؟ وهل سمعت بالفساد؟ وهل أطلع اى من اعضائها على تقارير المراجع العام؟ وماذا بشأن الحريات ولم يشهد السودان عهداً أسوأ في ذلك مما شهده تحت حكم الحركة الإسلامية؟ وبعد «23» عاماً من حكمها هل الحركة الإسلامية على استعداد للاعتراف بالأخطاء الجسيمة التي ارتكبتها في حق الوطن؟ وعلى سبيل المثال وأد الديمقراطية والتمكين لفئة والصمت على الفساد وتدهور الاقتصاد وفصل الجنوب ووضع البلاد على حافة الحرب الأهلية، وكسبت السلطة وخسرت الحركة الإسلامية كثيراً على المستوى الفكري والسياسي والتطبيقي، وخلوها مستورة .