مازال السودان يعانى من ضغوط دولية وإقليمية عديدة أضرت بمصالحة الوطنية والإستراتجية بسبب مواقفه تجاه العديد من القضايا التى جرّت عليه تبعات الحصار والتضييق والعزلة الدولية، خاصة من قبل الغرب، فضلاً عن أوضاعه الداخلية المعقدة وملفات الحروب وحقوق الإنسان التى ألقت بظلال سالبة على علاقاته الخارجية، وفى سبيل تصحيح صورة السودان وترميم علاقاته الخارجية، علمت «الصحافة،» أن وزارة الخارجية السودانية بصدد تنفيذ حزمة من الإصلاحات العامة تشمل إعادة رسم السياسة الخارجية بما يتسق مع الأمن القومي الوطني ومصالح البلاد الإستراتيجية، وابلغ مصدر مطلع في الخارجية «الصحافة» أن الوزارة باشرت صياغة رؤية جديدة لتطوير علاقات البلاد الخارجية وتعزيزها، ومعالجة السلبيات التى رافقت الأداء في الفترات السابقة ما انعكس على علاقات الدولة في بعض جوانبها، وتشمل الإجراءات مراجعات حاليا تتصل بمراجعة لوائح وضوابط تنظيم العمل في وزارة الخارجية، تتضمن تحديد معايير دقيقة لاختيار السفراء والدبلوماسيين والإداريين الذين يبتعثون إلى سفارات السودان في الخارج، لتفعيل علاقات السودان الخارجية، وضبط الأداء وتطويره في رئاسة الوزارة والسفارات. أسئلة عديدة تدور حول ضعف السياسية الخارجية للسودان ولماذا لم تنجح فى خلق علاقات دولية تعود بمكاسب داخلية على البلاد، وأين القصور ؟ ولماذا لم تفلح الحكومة السودانية فى تحقيق التنمية بالدرجة المطلوبة؟ ولماذ سعى النظام السياسي فى أعقاب يونيو 1989م لتبنى سياسات خارجية مستقلة فى مناخ عالمي تسيطر عليه القوى الأحادية؟، وإلى أى مدى قادته هذه السياسة للعزلة الاقتصادية والسياسية من المجتمع الدولي؟ ومدى نجاحه فى تنظيم المكاسب الإقتصادية والسياسية؟ حيث أرجع عدد من المراقبين والمهتمين ضعف السياسة الخارجية إلى حالة التناقض التى صاحبت الخرطوم فى نظرتها للعلاقات الدولية بمنظار التوجه العقائدى وتطلعاتها الإقليمية لترويج مشروعها «الحضارى»، ما شكل عائقاً في علاقاته مع الغرب، نتج عنه تدني تدفق العون الأجنبي والتبادل التجاري والحظر الإقتصادى بأشكاله المختلفة، وان كان البعض يرجح تحاشى الأبعاد الأيديولوجية في السياسة الخارجية لتحقيق العديد من المكاسب في مجال التنمية، وفك العزلة السياسية والإقتصادية والإجتماعية التى يعاني منها المواطن السوداني في عدد من المطارات الدولية وحتى قنصليات السفارات في الخرطوم، ما يتطلب إعادة النظر في السياسة الداخلية اولاً حتى تنعكس على السياسة الخارجية بصورة مباشرة، وهذا لا يتم بحسب مراقبين إلا بإعادة النظر في تركيبة النظام الاساسية، والتنسيق الكامل بين مؤسسات الدولة فى إتخاذ القرارات المتعلقة بالأبعاد الخارجية، مثل واقعة طرد المنظمات الإنسانية الأجنبية العاملة فى البلاد والتى أثرت على علاقات السودان الخارجية بحسب تصريحات وزير الخارجية على كرتى، والذى أقر بأن الحادثة كان لها تأثير سلبي على العلاقات الخارجية، هذا قبل ان يشير الى ان وزارة الخارجية كان يمكنها أن تتعامل بدبلوماسية عالية مع هذا الموقف تجعل تلك المنظمات هي التي تطالب بمغادرة السودان، ونوه إلى أن هذه المنظمات نجحت في تسويق قرار الطرد الجماعي و ألبت العديد من الجهات ضد السودان، وقال إن إحدى هذه الدول الأجنبية لا تزال ترفض تقديم أية منح أو مساعدات بسبب طرد منظمة لها من شرق السودان. وفى سياق ذى صلة، لم يستبعد وزير الخارجية، توجيه إسرائيل ضربة أخرى للسودان في ظل الإمكانيات المالية والتقانة المحدودة للبلاد، واوضح أن علاقات الصداقة مع الدول لا تجدي في مثل هذه المواقف، وقال «لا توجد دولة صديقة تغامر برد العدوان الإسرائيلي نيابة عن السودان». من جانبه، تحفظ وكيل وزارة الخارجية، رحمة الله محمد عثمان، فى رده على إستفسارات «الصحافة» عن ماهية إصلاحات وزارة الخارجية فى سبيل إعادة رسم سياساتها وتطويرها لتفعيل علاقات السودان الخارجية وصياغتها بصورة جديدة لمعالجة السلبيات التى رافقت الأداء في الفترات السابقة، وقال رحمة ل «الصحافة» عبر الهاتف امس «ان مضمون الخبر جيد لإصلاح علاقات السودان الخارجية ولكنى لم اطلع بعد على التفاصيل». بينما يري الخبير الدبلوماسي، الدكتور عبدالرحمن ابو خريس، ان تطوير علاقات السودان الخارجية يتطلب اصلاحات عديدة تشمل السياسية الداخلية اولاً لتنعكس بدورها على العلاقات الخارجية، وقال ابوخريس ل «الصحافة» عبر الهاتف أمس «ان السياسية الخارجية لاى بلد لا تنفصل عن اوضاعة الداخلية، خاصة المتعلقة بالأوضاع السياسية وحقوق الإنسان والحريات والأوضاع الإنسانية، ما يتطلب موازنة دقيقة وإدراكا للقدرات الذاتية والتعامل بعقلانية ودبلوماسية مع القوى الدولية المختلفة والنظام العالمى، وخلق تحالفات خارجية قويه تقوم على المصالح المتبادلة»، واوضح ابوخريس ان اى موقف فى الداخل تجاه اية قضية خارجية تتعارض مع السياسة الدولية يتطلب توزانا ودبلوماسية عالية فى الخطاب السياسى الداخلى، وهذا يتطلب إدراكا ووعيا من كل المسؤولين فى الدولة التشريعيين والتنفيذيين، تحتم عليهم الرجوع اولاً الى وزارة الخارجية لإنتقاء مفردات الخطاب حتى لا تتضرر الجهود الدبلوماسية خاصة وان العالم اصبح مفتوحا تماماً وقرية صغيرة ومن السهولة وصول مثل هذه التصريحات الى الجهات المعنية، حتى وان كان مقصودا بها التعبئة السياسية فى الداخل، وقال ابو خريس ان السودان لابد ان يضع إستراتيجية واضحة تجاه علاقاته مع الغرب وهل ستكون علاقة منفتحهة ام متحفظة؟ ، واضاف»لذلك يجب الإجابة بوضوح على هذه الأسئلة لتوضيح الرؤيا الخارجية ومدى امكانية عقد تحالفات تخدم مصالح السودان»، واشار الى ان دول العالم الثالث يصعب عليها التغلغل فى المجتمع الدولى دون وسطاء وتحالفات، وقال ان السودان فى الفترة القادمة يحتاج الى حلفاء إستراتيجيين فى سبيل خدمة اهدافه، حتى التناصر داخل اروقة الأممالمتحدة، واضاف ابوخريس انه لابد من اختيار كوادر مؤهلة للقيام بهذه الأدوار الحساسة، بجانب الحرص على التناغم بين اركان الدولة، والتنسيق الكامل بين أضلعها الداخلية والخارجية.