(6) المفارقة الكبيرة في الدخل المادي مابين عامة عضوية الحركة ومتنفذيها ، جعل أعداداً كبيرة منهم يرون إنه لامعني لدفع الإشتراكات والمساهمات التي كثيراً ما يتحدث عن ضعف تحصيلها ، كيف لمن ينتظر الأجر والحافز ، أن يتحمس للإنفاق ، وكيف لمن يغلب عليه ظن إستئثار البعض بالمنصب والجاه وإحتكاره لعقود ، أن يكون مبادراً بطيب نفس للإقتطاع من قليله وأهل الدثور لا يفعلون ، خاصة حينما يري تبذيراً واسرافاً في الإنفاق علي العمل السياسي هو إنفاق من لايخشي الفقر ، وتقتيراوشحاً في الإنفاق علي الجاد من المشروعات والبرامج الأخري ، أما مايراه الإخوان بأعينهم وما ينقل اليهم من سلوك إخوانهم في التعامل مع المال العام فهو أمر ليس محبط لهم فيما يلي الإنفاق الطوعي فحسب ، وإنما هو واحد من أكبر العناصر المؤثرة سلباً علي الفاعلية التنظيمية . والحديث عن تمويل الحركة الإسلامية يلزمنا بالتنبيه علي أمر خطير درج علي ذكره القادة حينما يسألون عن مصادر تمويلهم ، فلا يتردد معظمهم في الاجابة التي يعلم الجميع مفارقتها للحقيقة حينا يرجعون تمويلهم الي إشتراكات الأعضاء وتبرعاتهم ، وينفون تمويل الدولة ، الخطورة في هذا السلوك إنه إستسهال للكذب ، وياله من أمر كبير يضرب في مقتل صدقية الحركة ، وقدوة قيادتها ، وهل من ضررعلي الفعالية الحركية أعظم من تآكل القدوة ، إن وقود العمل الإسلامي أبداً هو القيم إن ضعفت في نفوس العاملين فما له من وقود ولو كان مال الأرض كله وسلطانها . (7) المبادرة والإبتكار والتجديد أمور هامة في الفعالية التنظيمية ، ذلك أن الأفكار والبرامج الرتيبة هي من سمات المؤسسات البيروقراطية الرسمية ، ولاتجدي نفعاً مع حركات التغيير والعمل الإجتماعي ، المبادرة في الأفكار والتجديد فيها وفي الوسائل والمداخل وطرائق العمل تحول العمل الإجتماعي والسياسي والدعوي من خانة الرتابة والروتين القاتل الي رحابة الطلاقة والإبداع الذي لإيجمد في قوالب بكماء ، ولكنه يحلق كل يوم بفكرة جديدة ومدخل رشيق ، ووسيلة مبتكرة ، ومغالبة الباطل بدفوع مؤثرة ، وذلك من سمات الحركات الحية التي تعرف إن قضايا ومشكلات وأجندة مجتمعها متحركة وغير جامدة ، تلزمها حيوية ورشاقة تقابل الجديد من القضايا والتحديات بالجديد من الأفكار والوسائل ، وقد كان هذا هو شأن حركتنا قبل أن يعتريها عارض البيروقراطية التي حولتها لما يشبه الإدارة الحكومية الساكنة ، صحيح إن التغييرات الإجتماعية ، والعلمية والإعلامية والثقافية كانت متسارعة جداً في ربع القرن المنصرم موضوع هذه الوقفة مما كان يتطلب لياقة فكرية وتنظيمية تتناسب معه ، وتلاحق تحدياته ولكن الحقيقة إن البيئة السياسية والتنظيمية دفعت في الإتجاه المعاكس نحو الخمول والرتابة ، والا فكيف نفسر إن الحركة التي كانت بارعة في المبادرات السياسية والفكرية والمنشطية ، تراجع كل ذلك عندها ، لاتملك صوتاً أصيلاً في وسائل الإعلام ، وليس لها من وجود في شبكة الانترنيت ، والنشر والتأليف والمسرح والفنون ، والمعالجات الاجتماعية ، وتعجز عن مبادرة سياسية قادرة علي تجاوز حالة الحصار والضيق والتشظي الوطني انه الجدب واليباس وهل من بعده الا الفقر والعدم . (8) كان منهج الجرح والتعديل هو المعتمد في إختيار القادة وتوليد الكوادر ، ويقوم علي قاعدة التمحيص الدقيق لمن يرشح لموقع قيادي علي أي مستوي كان ، دون محاباة أو مجاملة ، والمرجعية حقاً لاشعاراً يومها ( إن خير من إستأجرت القوي الأمين ) ( و إنا لانولي هذا الأمر من يطلبه ) ( وإذا أوكل الأمر الي غير أهله فانتظر الساعة ) و( لاتزكوا أنفسكم ) اما وقد فعلت الدنيا فعلها فقد ساد التزاحم علي المناصب والتكالب علي المواقع ، ونشأت التكتلات والشلليات وبعد أن كان الناس يهربون من المسئولية خوف الفتنة والتقصير ، تحول الحال الي تزكية النفس وتوظيف القبيلة والأهل والأصدقاء والتودد لأهل القرار بالكلام المعسول والتأييد الأعمي والنفاق المذموم ، ثم التكلس و ( الكنكشة) في المواقع يجمدوا فيها ويجمدونها السنين ذوات العدد . لقد كان منهج الجرح والتعديل حقاً لا شعاراً موفقاً دائماً في تقديم الحركة أفضل من عندها في كل مجال ، تسنده أخوة في الله لاتقيم الإخاء في الله بمقدار ما يقدم للإنسان من عرض الدنيا والمواقع الزائلة ، ولكنه دفء في المشاعر ونبل في العلاقات مع صفاء وتجرد للفكرة والدعوة . ولكن الحال قد تبدل فأحجم الناس عن الصدع بما يرون خشية إفساد علاقات الزمالة بينهم ( والزمالة غير الإخاء) فكل رأي تجهر به يخالف رأي زميل ، أو يراجع أدائه ويستدرك عليه ، سيجلب علي صاحبه عداوات قد يري نفسه في غني عنها ، وقد شاعت في الناس نقل المداولات التنظيمية حتي للغائبين فتوغر الصدور ويتحاشي الجميع الجهر برأي مخالف يفسد عليهم علاقاتهم بشركاء المهنة وزملاء التكليف الواحد . إن الحركة قد فقدت أعداداً كييرةً من بنيها الأكفاء ، ومن الذين كان يمكن أن ينضموا الي صفوفها ، ولكن بيئة ومنهاج الفرز للمواقع العامة ، بوصفه الذي تقدم ، أسهم بشكل كبير في إضعاف الفعالية التنظيمية ، وماذا ننتظر حينما يوكل الأمر الي غير أهله . (9) من اهم العوامل التي أضعفت الفاعلية التنظيمية للحركة الإسلامية ، الإعتماد علي الدولة للقيام بكل وظائف الدعوة والتغيير والعمل السياسي ، الكل ينتظر من الحكومة ، أن تتولي الشأن السياسي كله مبادرة بالمواقف والسياسات ، وحواراً وعراكاً مع الأصدقاء والأعداء ، وحسماً للصراع السياسي اليومي ، بأدوات وعصي وقدرات السلطة ببريقها وسيفها ، وإعلامها لا منافحة ومجادلة وأصطبار علي النتائج علي منهاج التدافع الحر ، فكرة بفكرة وحجة بحجة ، ورأي برأي ، فنشأت أجيال في الحركة تنتظر من السلطة أن تحسم لها كل شيئ ، ونتيجة ذلك كسل وضمور وتواكل وفقدان أجيال فرصة التدريب في مناخات وبيئة حرة ، وصراعات متكافئة مع الآخرين ، ومن ينشأ في مثل هذه البيئات يكون كالطفل المدلل لا ينجز أمراً ذي بال الافي حضن وحماية أبيه ، وحينما يضعف الأب أو يفلس أو يمرض ، يعجز المسكين عن مواجهة معارك الحياة ، ويتحول حب وتدليل الأب الي عجز وفقر وبوار ، فيكون الهلاك من حيث أردت الحماية ، والضعف بسبب من أراد قوتك ، تلك سنن ماضية في عالم الإجتماع وفي عالم الساسة والدعوة أيضاً . الناس يرجون من السلطة نصرتهم في السياسة ، ويرجونها واعظاً ومرشدا ً ومربياً ، ومطعمة للطعام والشراب وقائمة علي شئون التنمية والخدمات والدفاع ، وهل يمكنها ذلك أبداً ، وفي كل الأوقات ؟؟ بالطبع لايمكنها ذلك ، وانتظار ذلك منها هو عين العجز عن التفريق مابين أدوار السلطة ، وواجبات المجتمع ، والتخليط في ذلك سبب كثير من ما نعاني . لعل فيما مضي من السطور بعض تعلبل لما أصاب الفاعلية التنظيمية ، إنه بحث في الأسباب القيمية والفكرية ، والعلاج مابين السطور من جنس العلة ، لا في مهرب الي الأمام بخطة جديدة للبناء وإعادة البناء