احتفلت أسرة سودانية بالمهجر بصدور قرار ألغى أمر إبعاد كان قد صدر بحقها بعد تصفية المؤسسة التي كان يعمل بها رب الأسرة، وقد كان الاحتفال مهيباً امتزجت فيه الدموع بالزغاريد من رفقاء الغربة، ولا أكون مبالغاً إذا قلت إن هذا الحفل أشبه بصدور قرار إلغاء حق الإعدام بشخص ما. وقد أثار الاحتفال كثيراً من الشجون وطرح العديد من التساؤلات، أهمها لماذا أصبحت البلاد أشبه بالطاردة للكثيرين، وانتفت عبارات كنا نسمعها مراراً عن تشجيع العودة الطوعية والاستقرار ونبذ الغربة والاغتراب وفتح الباب أمام المغتربين للاستثمار بالداخل وخلافه، والأرقام تشير إلى أن الكوادر الطبية والعلمية التي استوعبتها دول الخليج وبخاصة المملكة السعودية تبعث على القلق، وتكاد مؤسسات التعليم العالي بالبلاد تعمل بدون قيادات من حملة الدكتوراة ناهيك عن المهن الطبية التي فقدت حتى اطباء الامتياز، واتبع الأمر بعبارات جادة تطلق تحت باب المزاح كأن تقابل احد القادمين من السودان بعد قضاء عطلة ذاق خلالها مرارات جمة، فتجده يبادرك بالقول «لقد عدت نهائياً» بمعنى انه لا يفكر في العودة ثانية. وبالرغم من ان معاناة المغتربين لا تتجزأ عن المعاناة العامة في البلاد، الا انها حبلى بالمزيد، بدءاً بتعليم الابناء والصرف غير المحدود على الاسرة الصغيرة والممتدة، والمساهمة في الشؤون العامة والخاصة دون النظر للإمكانات الفعلية، والاجتهاد في بناء دار من شقاء الغربة تلبى بعض احتياجات الابناء، بالإضافة الى صعوبة تكيف بعضهم للعيش في هذا الجو الجديد، وكل هذه العوامل تجعلنى انحاز لهذا المحتفل، واقدر تماماً مع كثيرين ما هو فيه من بهجة خاصة إذا علمت ان هناك مشروعات قد بدأت ولم تكتمل ويصعب اتمامها من الداخل. الى متى نظل على هذا الوضع؟ ومتى يكون بإمكاننا وضع عصا الترحال طوعاً دون أسف عليها؟ويفرح اصدقاؤنا وهم يودعوننا بعد قرار العودة تملؤهم حسرة لعدم تمكنهم من اللحاق بنا، ويمكن أن يحدث ذلك إذا اتجهت الدولة لإيجاد مشروعات جادة تستوعب بعضاً من هذه الكوادر المهاجرة، والصرف على التنمية الحقيقية بدلا عن الصرف على الشعارات التى لا تسمن ولا تغني من جوع، ورئيس الجمهورية يبشر المغتربين من داخل سفارة السودان بالرياض بأن العمل قد اكتمل في تعلية خزان الروصيرص مما سيضيف مليون فدان اضافية للزراعة بالبلاد، في وقت يعلن فيه وزير الزراعة اكتمال نسبة كبيرة من عطش مشروع الجزيرة، وقبلها عاد رئيس الجمهورية من إثيوبيا وانتظره المواطنون بالمطار، وبشرهم بانتهاء قدر كبير من القضايا العالقة مع حكومة الجنوب، ليفاجأ الناس الاسبوع المنصرم بتصريحات وزير البترول بعدم إمكانية ضخ بترول الجنوب عبر السودان مع تعثر تنفيذ الاتفاقيات الأمنية، وكل يوم ينتقل الحال الى مربع اصعب، والجنيه لا يقدر على الصمود امام العملات الاجنبية، وتتدهور حالته يوماً بعد يوم، وتأبى الاسعار الا ان تواصل قفزاتها المتواصلة دون أن تعير اهتماماً للدخل المتاح للمواطن الذي لا يستطيع ان يلبى النزر اليسير من متطلبات الحياة الضرورية في مجالات المعيشة، ناهيك عن الصرف على التعليم والعلاج وخلافه. وحق لك أن تحتفل اخي الكريم على استحياء فالبلاد ما عادت تستوعب.