الدكتور محمد الأمين علي الشريف استشاري أمراض النساء والولادة والعقم وأطفال الأنابيب، من الكوادر العلمية النادرة التي لم تجد حظها من الاستقرار بالسودان ليستفاد من خبرة أكثر من ثلاثين عاما في هذا المجال، فقد تخرج دكتور الأمين في جامعة الخرطوم كلية الطب عام 1973م، وعمل معيداً بالجامعة بعد تنقله بين مستشفيات الحواتة والقضارف والخرطوم، ليبتعث من جامعة الجزيرة لنيل زمالة اختصاصيي أمراض النساء والتوليد من الكلية الملكية بلندن، ومن ثم حصل على درجة الدكتوراة من جامعة هارفارد الأمريكية في مجال الأمومة وصحة الطفل عام 1980م. ٭ سألناه عن بداية مشوار الاغتراب؟ عملي في ود مدني بين أهلي وعشيرتي حرمني من فتح عيادة هناك، فمن الصعب الحصول منهم على أجر العلاج، وغالبية المراجعين سيكونون من الأهل والمعارف، فكان الاعتماد على راتب لا يفي باحتياجات الأسرة، خاصة في آخر أيام حكومة مايو، فلم نجد غير الهجرة بديلا. وبالمناسبة لم تكن لي عيادة بالسودان حتى اللحظة، فبدأت هجرتي للسعودية لأفتتح مع زملاء أعزاء سعوديين وسودانيين كلية الطب بجامعة الملك سعود بأبها بجنوب المملكة عام 1985م، وعملت بها لأكثر من ثمانية عشر عاما، قبل أن أقدم استقالتي لأعمل مع أطباء سعوديين لتأسيس أول مستشفى تخصصي للعقم وأطفال الأنابيب بجنوب المملكة. ٭ مشاركاتك العلمية في المجال؟ شاركت ومازلت في كثير من المؤتمرات العلمية العالمية. وتنشر لي أبحاث في دوريات ونشرات علمية. واستفدت كثيرا في مجال النشر من الشبكة العنكوبتية، وقد قمت بتأليف أربعة كتب تعرض في الأسواق منها «ما نريد من سؤال وجواب في الحمل والولادة والإنجاب» وكتاب «كيف تكون طالبا متفوقا» و «نصائح طبية للحاج والمعتمر» ثم «أضرار المواد السامة في غذائك». ٭ توصيات مؤتمرات المغتربين تذهب أدراج الرياح؟ شاركت في مؤتمرات عديدة للمغتربين، وكنا نخرج بتوصيات قيمة لكنها لا تجد طريقها للتنفيذ، لتعاد مناقشتها مرة أخرى في المؤتمر التالي، فالمشاريع التي اقترحت لتشجيع عودة المغتربين الطوعية معظمها باء بالفشل، حتى تلك التي دفعنا فيها قيمة أسهم التأسيس بعد إعداد دراسات جدواها الاستثمارية، مما ولد لدى كثيرين عدم الثقة في جهاز شؤون العاملين بالخارج، والإدارة الحالية للجهاز تضم أناساً نثق في كفاءاتهم، ويمكنهم القيام بإعادة هذه الثقة عبر مشروعات مثمرة ومشجعة، خاصة إذا اتجهت للاستثمار الزراعي والإنتاج الحيواني الذي أرى فيه المخرج الحقيقي مما يعاني منه المغتربون في استماراتهم، والمشكلة في الأساس تكون إدارية لا لضعف موارد، ومثال لذلك مشروع سندس الذي لم يدخل مجال الإنتاج إلا بعد خمسة عشر عاما، مع أن كل شيء كان متوفراً. ٭ العودة الطوعية مرهونة بالمحفزات؟ نستطيع القول إن العودة أو الهجرة العكسية ستكون حتمية لعدة أسباب، منها أن دول الاغتراب ما عادت بحاجة لكفاءات من الخارج، كما ان تعليم الأبناء أصبح يحتم على كثير من الأسر العودة لتعليمهم بالسودان، علاوة على أن الطفرة التي أحدثها إنتاج البترول حفزت الكثيرين على العودة، بالرغم من أن بعضهم صدم وفكر في الهجرة مرة أخرى بسبب عدم توفر مشروعات تستوعب هذه العودة. ٭ تجربتك الشخصية مع العودة الطوعية؟ أولا أنا لم أكن أتوقع أن اقضي كل هذه الفترة خارج السودان، فأنا مدين لهذا البلد بالكثير، فقد علمني منذ طفولتي وحتى نيلي الدكتوراة من أول جامعة بالعالم دون أن اخسر مليما واحداً، فقررت أن أضع كل إمكانياتي لخدمته، ولي عدة مشاريع هناك معظمها لم ينجح بعد، فقد أسست مستشفى لعلاج العقم وأطفال الأنابيب سأقوم بتأجيره قريبا، وذلك مرده الى كلفة علاج الداخل الباهظة التي جعلت الكثيرين يتجهون للعلاج بالخارج، بالرغم من أن كفاءات الطب السودانية لا تضاهى بشهادة كثير من المحافل العلمية. ولدي مشروع استثماري آخر يتمثل في مصنع لإنتاج الأثاثات والمعدات الطبية بسوبا مشيد وجاهز للإنتاج، ليزود السوق المحلي والإفريقي، وعائقه الوحيد إيصال الإمداد الكهربائي. وقد استمرت هذه المعضلة لشهور في انتظار الحل.. وهناك مشروع آخر هو مستشفى للأمراض النفسية والعقلية يعمل فيه امهر أطباء هذا المجال لا يكفى عائده الشهري لتلبية احتياجات الصيانة، ومعاناة مجال الطب في البلاد بعضها متعلق بالكوادر المساعدة من مهنيين بالأخص في مجال التمريض والمختبرات، مما يعقد ممارسته بصورة مرضية. ٭ ماذا عن المركز القومي للعقم وأطفال الأنابيب؟ عندما فكرت في العام المنصرم في وضع عصا الترحال، تم تعييني مديرا للمركز القومي للعقم وأطفال الأنابيب بوزارة الصحة الاتحادية، فوضعت خطتي ودراسة الجدوى، وحددت الأجهزة المطلوبة والكادر. وبعد ستة أشهر لم نخط خطوة نحو الأمام لغياب التمويل لهذا المشروع. وأتمنى أن يجد هذا المشروع النور، وقبله أن تتكاتف الجهود لتقليل نسبة الوفيات إثناء الولادة للأطفال والأمهات، فقد زادت النسبة كثيرا في الآونة الأخيرة. وأخيرا أقول إننا وجدنا في المملكة حب المواطنين والمسؤولين، فهم مازالوا يحبوننا، ونتمنى أن ندفعهم لترجمة هذا الحب بإقامة مشاريع استثمارية مشتركة، بعيداً عن ممارسة عدم الثقة التي أودت بكثيرين للتراجع دون الولوج في هذا المجال.