هناك كثير من الأمراض التي تصيب الإنسان، منها ما هو خطير ويصعب علاجه، ومنها ما هو دون ذلك، وهناك أمراض تلازم الإنسان مدى الحياة فيحتاج إلى تناول علاجات مدى حياته وهي ما تعرف ب«الأدوية المنقذة للحياة» التي بدونها لا يستطيع أن يعيش المرء. كما ان هناك أمراضاً تسبب حرجاً وخطورة في آن واحد، ومن هذه الأمراض «الصرع»، وهو عبارة عن اختلال في أعصاب المخ، ويصاحب هذا الاختلال العقلي اختلال في حركات المصروع فيتخبط في حركاته وتصرفاته، فلا يستطيع أن يتحكم في سيره وتتشنج أعضاؤه ويخرج الزبد ويفقد المرء حراكه وقتاً من الزمن. وفي تعريف الحافظ بن حجر للصرع يقول إنه «علة تمنع الأعضاء الرئيسية عن انفعالها منعاً غير تام، وسببه ريح غليظة تنحبس في منافذ الدماغ أو بخار ردئ يرتفع إليه من بعض الأعضاء وقد يتبعه تشنج في الأعضاء فلا يبقى الشخص منتصباً بل يسقط ويخرج الزبد لغلظ الرطوبة». اعتقادات هناك الكثير ممن يعتقد بأن الصرع ما هو إلا لعنة إلهية تصيب الإنسان فتجعله يتخبط، وهناك من يعتقدون بأنه مس شيطاني ويستدلون على ذلك من القرآن الكريم بقوله تعالى: «الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس». البقرة «275»، هذا ما يعتقده بعض العوام من الناس، ولكن قبل أن نعرف حقيقة هذه الاعتقادات نعرض حالات لمرضى أصيبوا بداء الصرع أخشى الاختلاط بالناس «أحمد» شاب في نهاية العقد الثالث، أصيب بداء الصرع منذ وقت طويل جداً، يقول أحمد: لا أدري متى أصبت بهذا المرض تحديداً، ولكني منذ أن وعيت على الدنيا وجدت نفسي محاطاً برعاية «أمي» واهتمامها بي وخوفها عليّ، كما أنني وجدت نفسي أتناول علاجات مللت منها، وما زلت أعاني من المرض، رغم أن عدد النوبات قد قلّ، كما أنني أعاني من الخجل من الناس وأتجنب الاختلاط بهم، خشية أن تأتيني «النوبة»، وأنا بينهم، ويتمم أحمد حديثه بأنه كم كان يتمنى أن يتزوج وأن تكون له عائلة. نوبات تشنجية أما «ش» فهي في منتصف العقد الخامس، أصيبت بجلطة أثناء إجرائها عملية القلب المفتوح فأصبحت تصاب بنوبات تشنجية. تقول «ش»: في الأيام الأولى بعد العملية مباشرة أصبحت أصاب بنوبات صرع بصورة متواصلة وبمعدل مرتين في اليوم وبعد أخذي العلاج تباعدت الفترة بين النوبات إلى أن أصبحت شبه مختفية، ولكن ما أن أغفل عن تناول العلاج حتى تعاودني النوبات مرة أخرى. كهرباء عالية «فاطمة» طفلة في الخامسة من عمرها، تقول والدتها: لاحظت إصابة ابنتي بنوبات الصرع كلما زادت درجة حرارتها، وعندما ذهبت بها إلى الطبيب قال إنها تعاني من كهرباء عالية في الرأس وهي التي تسبب لها هذه التشنجات، التي دائماً ما تداهمها عندما تصاب بالحمى. وتتساءل والدة فاطمة: لا أدري ما إذا كان هذا الداء اللعين سوف يصاحبها عندما تكبر أم لا؟ يحدث نتيجة لتغيرات في المخ وحول حقيقة «الصرع» من الناحية الطبية تقول الدكتورة رشا رضا محمد؛ استشاري الباطنية والمخ والأعصاب، بأن مرض الصرع مرض شائع يصيب الجنسين في مختلف الأعمار وهو ناتج عن تغيرات بالمخ؛ «زيادة المواد المنبهة للدماغ أو انخفاض المواد المثبطة للدماغ»، ويعتقد البعض بأنه مرض ناتج عن لعنة إلهية أو مس من الشيطان، لذا نجد أن المريض يعيش في عزلة عن المجتمع، مما يؤثر سلباً على نفسيته واستجابته للعلاج. أنواع النوبات وعن أنواع النوبات أو التشنجات تؤكد «د. رشا» أن هنالك عدة أنواع للتشنجات، ولكنّ هناك نوعين أساسيين وهما: النوبات الكاملة وهي عادة تحدث بعض التغيرات بالجسم مؤذنة بقرب حدوث النوبة، متبوعة بفقدان الوعي لدقائق قليلة وحركة بالأيدي والأرجل، وتحول بالعين، وفقدان القدرة على التحكم في البول، وبعد استعادة المريض لوعيه عادة ما يعاني من فتور شديد ونعاس ورغبة في النوم. هذه هي النوبات الكاملة، أما النوبات الجزئية فهي قد تكون مصحوبة بعدم القدرة على التركيز، بالإضافة إلى حركة بجانب واحد من الجسم، وفي بعض الأحيان قد تتكرر النوبات خلال فترة وجيزة، من دون استعادة الوعي بين التشنجات، وفي هذه الحالة يحتاج المريض لنقله إلى أقرب مركز طوارئ لإجراء اللازم. وتوضح د. رشا أن أسباب مرض الصرع قد تكون نتيجة عاملً وراثي أو وجود جلطة أو نزيف دماغي أو ورم بالمخ، وأحياناً قد يكون المرض من دون سبب، بالإضافة إلى أن وجود التهاب بالمخ أو السحايا وارتفاع درجة حرارة الجسم يمكن أن تفضي إلى «صرع»، هذا بجانب وجود خلل بوظائف الكبد، والكلى بالإضافة إلى انخفاض السكر بالدم ووجود عيوب خلقية بالدماغ، فهذه كلها أيضاً تعد من الأسباب التي تسبب مرض الصرع. التشخيص والعلاج وتواصل د. رشا حديثها عن تشخيص المرض قائلة بأن التشخيص يعتمد أولاً على الوصف الدقيق للحالة من الشخص المرافق للمريض عند حدوث النوبة، ويحتاج المريض لعمل تخطيط أو رسم للمخ، بالإضافة إلى عمل صورة رنين مغنطيسي للدماغ لاستبعاد وجود إصابة بالدماغ، هذا عن التشخيص، أما بالنسبة للعلاج فيحتاج المريض وأهله لفهم طبيعة المرض وكيفية التعامل معه، كما أن المريض يحتاج للابتعاد عن كل ما قد يؤدي لحدوث التشنجات، مثل السهر الإرهاق، الالتهابات، الحمى والجلوس أمام التلفزيون والكمبيوتر لفترات طويلة، وأهم ما يجب توضيحه للمريض أهمية الالتزام بتعليمات الطبيب وأخذ الجرعة المقررة في الزمن المحدد والمتابعة الدورية. وأخيراً لا بد أن يعي المريض أن تناول عقار التشنجات يستمر لمدة تتراوح ما بين سنتين إلى ثلاث سنوات وقد يستمر تناولها مدى العمر، على حسب الحالة، وقد يتخوف المريض من حدوث آثار جانبية من استمراره في أخذ العقار لمدة طويلة، وأحياناً عندما يقرأ المريض نشرة العقار يتوقف عن تناول الدواء، مما يؤدي إلى حدوث تشنجات متكررة قد تودي بحياته أو قد تتسبب في حدوث خلل مستديم في وظيفة الدماغ نسبة لنقص الاوكسجين والسكر في الدم واللذين يعتمد عليهما المخ اعتماداً أساسياً في أدائه لوظائفه الحيوية. تحفيز العصب الحائر وفي ذات السياق يضيف أيضاً مستر عبدالحميد عبدالله محمد؛ «كبير» استشاريي جراحة المخ والأعصاب والعمود الفقري، بأن مرض الصرع من الأمراض المزمنة التي تحدث تشنجاً كاملاً للجسم أو تشنجاً جزئياً، وهناك نوعان من الصرع؛ صرع كامل، وجزئي، ويحدث الصرع نتيجة لخلل في موضع معين بالدماغ فيخرج شحنات كهربائية غير منتظمة، والصرع عند الأطفال حتى عمر 18 سنة الغالب يكون بدون أسباب، أما عند الكبار فبنسبة 85% وناتج عن أسباب وهي وجود ورم أو تشوهات خلقية في الشرايين والأوردة، إضافة إلى الإصابة بالتهابات السحائي أو وجود سل في المخ، ولذلك لا بد من إجراء الفحوصات وإجراء تخطيط الدماغ والأشعة المقطعية لمعرفة مسببات الصرع، وبالنسبة للعلاج يؤكد مستر عبدالحميد أن العلاج ينقسم إلى اثنين؛ علاج بالأدوية المعروفة التي يتناولها مريض الصرع أو علاج جراحي، وذلك عن طريق تحفيز العصب الحائر وهو عبارة عن جهاز به بطارية يتم زرعه في العنق في منطقة العصب الحائر لفترة طويلة المدى أو مدى الحياة. لا علاقة للشيطان بالصرع وينفي شيخ محمد أحمد حسن أن يكون مرض الصرع هو مس شيطاني أو لعنة إلهية، مؤكداً بأنه مرض مثل بقية الأمراض الأخرى التي تصيب الإنسان، ولا علاقة للشيطان به، ويختلف عن «صرع الشيطان»، فصرع الشيطان هو أن يتلبس الشيطان الإنسان.