كشفت الفوضى التي ضربت بأطنابها سوق السكر والغاز في اليومين الماضيين بما لا يدع مجالا للشك كشفت عن حجم الخلل الذي عشعش في حمى وزارة المالية والاقتصاد الوطني التي يعول عليها في إدارة دفة الشأن الاقتصادي بالبلاد بعيدا عن الانزلاق في أتون كل ما من شأنه أن يضيق ويقتر على معيشة مواطنيها ما استطاعت إلى ذلك سبيلا غير أن المواطن البسيط يبدو أن نصيبه من الحظ ومن نعيم الحياة لن يسعفه ويمكنه من الخروج من دائرة عنت الفقر إلى سعة الدعة ونعيمها إذ ظل منذ ما يربو على العقدين من الزمان تكئة لكل تخبط اقتصادي حتى غدا مسرحا للتجريب المتتالي الذي من أسف لم يفض إلا لمزيد من الرهق ، إذ أن الحكومة وفي مقدمتها وزارة المالية والاقتصاد الوطني لم تستفد من التجارب التي خاضتها بل ظلت تقودها من تراجع إلى تراجع والمواطن تزيد عنده المواجع والفواجع دون أن يجد أدنى مراجع . فوزارة المالية والاقتصاد الوطني أثبتت فشلا ذريعا في إدارة الشأن الاقتصادي بدرجة امتياز لا سيما عقب انفراط عقد البلاد بانفصال الجنوب الذي كشف ظهر الاقتصاد الكلي بالبلاد وجعل وزارة المالية في (السهلة) تتلفت حائرة لا تدري ما تصنع إذ إنها لم تهتبل الفرص التي لاحت لها للنهوض بالاقتصاد بسبب ثلة القائمين المتعاقبين عليها حتى لا نحمل علي محمود ورهطه المسؤولية كاملة عن التراجع الاقتصادي الحالي لجهة أنه سلسلة متصلة من الإخفقات المتراكمة منذ بزوغ فجر الإنقاذ بل تمتد جذور بلائها إلى ما قبلها من الحكومات بيد أن حقبة علي محمود بالمالية تعد الأخطر والأكثر حساسية من واقع الظرف السياسي الذي عايشته وتعيشه الآن الأمر الذي يفرض التعامل مع المعطيات الآنية التحولية والانشطارية بقدر واف من المنهجية والعلمية الرصينة لا الارتماء والاستسلام للوقوع في حضن التجريب الذي لم نرث منه سوى مزيد من الإخفاق . ولا شك عندي أن مناقشة الشأن الاقتصادي بالبلاد يحتاج إلى كتب ومجلدات إن أريد سبر غوره باستفاضة لأجل هذا دعونا نقف عند ارتفاع سعر السكر المفاجيء الذي عم القرى والحضر وذاع صيته وسرى كما النار في الهشيم فما أسرع التواصل والاتصال في عصر تأصل وتجذر الاهتبال والارتقاء على كتوف الصغار فما بين عشية وضحاها ارتفعت أسعار عبوات السكر بمختلف أوزانها دون إبداء أي مسوغ مقبول لجموع المستهلكين الذين أضحوا لا حول لهم ولا قوة حيال أية زيادة في الأسعار سوى الانصياع وقول لبيك سمعا وطاعة من واقع انتهاج الدولة لسياسة التحرير التي لها من معايب التطبيق لا النظرية ما يشيب له الولدان من هول سوء التخطيط والتخبط الذي صاحبها إذ تحولت التحرير إلى فوضى والقناعة فيها إلى جشع والربح القليل إلى طمع جراء اندثار القيم واضمحلال الموروثات الشعبية والدينية وغياب مأثرة الرضا بالقليل وانزواء الضمير الذي أضحى المعضلة الكبرى التي يمكن تعليق جميع الإخفاقات عليها بمختلف المستويات واستغلالا لما يسمى زورا وبهتانا عندنا بسياسة التحرير وجد التجار أنفسهم متسيدين للساحة الاقتصادية في ظل غياب الضمير والرقيب الحكومي الذي ترك لهم الحبل على الغارب وأتاح لهم الفرصة للتلاعب والعبث في جيوب المواطنين طمعا وجشعا فإذا سلمنا جدلا أن الحاكمية في تحديد الأسعار حال انتهاج سياسة التحرير الاقتصادي تؤول وتكون فقط لآلية السوق التي يتحكم فيها العرض والطلب فما بال المالية تعمد إلى التدخل في تحديد سعر السكر طالما أن بيانها أو قرارها الذي نشرته بعض الصحف بالرقم والنمرة يؤكد تحرير سعر السكر عرضا واستيرادا أو ليس هذا هوالتخبط بعينه وعدم الفهم لماهية سياسة التحرير ؟ والأكثر عجبا أنه قبل أن يجف المداد الذي سطر به القرار بعد أن سرى فعله وأصاب هدفه في ارتفاع سعر السكر بالسوق سارعت المالية لنفي التهمة عنها وتبرئة ساحتها وإلقاء اللائمة على شركات السكر والتجار الذين سارعوا إلى زيادة الأسعار بدعوى ارتفاع تكلفة الإنتاج وتحرير سعر السلعة الأمر الذي لم يقنع المالية كما جاء في متن مرافعتها أمام الرأي العام لذب التهمة عنها ! فالمرافعة والمدافعة التي أبدتها المالية في تقديري غير مقنعة وإلا لماذا لم تجروء على محاسبة الشركات التي زادت الأسعار ومحاصرة التجار الذين زايدوها ؟ أو ليست لها الحق في ذلك من واقع أن السلعة لم يتم تحريرها بعد ؟ خلاصة القول إن ما حدث وما زال يجري في الشأن الاقتصادي يستدعي وقفة عجلى لمراجعته لا سيما على مستوى السلع الاستراتيجية (الوقود - السكر - الدقيق) التي لم تخرج بعد من عصمة تدخل الدولة في تحديد أسعارها مباشرة أو بصورة غير مباشرة ربما لا يحسها المواطن العادي فلنسلم جدلا بدفوعات المالية بأنها لم تفرض رسما جديدا على السكر فلماذا إذا وقوفها مكتوفة الأيدي ومواطنيها تتخطفهم يد الجشع وتتناوشهم جيوش الطمع وأرجو ألا يكون التوسع في إنتاج السكر صادما للمواطنين كما لمسوا من إنتاج النفط الذي لم يدر على البلاد والعباد سوى التقتير والتراجع الاقتصادي جراء سوء توظيف عائداته وما جره من إهمال للقطاعات الإنتاجية غير النفطية من زراعة وصناعة في خضم الانبهار ونشوة الفرح بعائدات النفط الناضبة فلم يع القوم خطل صنيعهم إلا صبيحة تراجع وتوقف ضخه فصاروا في حيرة من أمرهم . فالمالية عندي وعند كل ذي بال يجب أن تكون لها القوامة على المال العام وألا تكتفي بالفرجة والمال العام تتخطفه الجهات الحكومية المستأسدة أمام ناظريها دون أن تقوى على رفع عقيرتها (تقرير المراجع العام أمس الأول خير شاهد) وحق الشعب يأكله الجشعون من التجار وهي عاجزة عن كفهم فما يحدث في أسعارالسكر والغاز قمين بحمل وزير المالية والاقتصاد الوطني على الترجل من كرسي عرش وزارته وإلا فليقل للرأي العام سببا موضوعيا يجعله يتشبث بكرسي الوزارة والتنمية تتراجع والمشاريع الإنتاجية تتدهور والأسواق تشتعل وقطاع الخدمات الحكومية يتداعى فالشعب قد سئم التراجع ومل الانتظار والتهمه لهيب الأسعار فلسان عامة الشعب يردد مع روضة الحاج مع فارق المناجاة اليوم أوقن أنني لن احتمل !! اليوم أوقن أن هذا القلب مثقوب ومجروح ومهزوم وان الصبر كل ... وتلوح لجة حزني المقهور .. تكشف سوقها كل الجراح وتستهل هذا أوان البوح يا كل الجراح تبرجي ودعي البكاء يجيب كيف وما وهل ؟ غلى أن تقول أنا قد تعبت .. ولم يعد في القلب ما يكفى الجراح أنفقت كل الصبر عندك .. والتجلد والتجمل والسماح أنا ما تركت لمقبل الأيام شيئا إذ ظننتك آخر التطواف في الدنيا فسرحت المراكب كلها .. وقصصت عن قلبي الجناح أنا لم اعد أقوى وموعدنا الذي قد كان راح فاردد إليّ بضاعتي .. هل من سبيل ؟ الله أعلم