كتبت ثلاثة مقالات بهذه الصحيفة عن مشكلة الرقم الهندسى، وقلت لن تتوقف الكتابة حول هذا الأمر لأن القضية مازالت مفتوحة وتتعلق بمستقبل مئات الأسر والخريجين، عملاً بمقولة جوزيف بوليتزر عن أهمية متابعة قضايا الجماهير حتى تصل إلى نهايتها. واليوم أنشر ملخصاً للخطاب الذى وصلنى من جامعة المستقبل، وهو عبارة عن استجارة بوزير التعليم العالى والبحث العلمى للتدخل لحسم القضية التى «طنش منها المجلس الهندسى» الذى اعتقد أنه يحتفظ ببرود تجاه القضايا العامة التى ترتبط بحياة مئات الأسر. تقول جامعة المستقبل: فوجئنا إدارة وطلاب وخريجين وأولياء أمور بالبيان الصحفى الذى صدر فى يوم الأربعاء 30/ مايو 2012م، بالرغم من أن جامعة المستقبل كانت قد أكدت التزامها بمحتوى الاتفاق الذى تم التوصل إليه فى ذلك الاجتماع، وقررت تعديل نظامها الدراسى الذى ظل متبعاً بنجاح تام طيلة العشرين عاماً الماضية، ويتم العمل به فى العديد من دول العالم، وشهد له العديد من العلماء من الداخل والخارج. وقالت الجامعة إنه الرغم من اللقاءات التى تمت مع رئيس المجلس الهندسى ورئيس الجامعة وعدد من الخريجين، إلا أن البيان لا يتماشى مع روح الاتفاق، الأمر الذى أدى إلى عدم الرضاء بين الخريجين وأولياء أمورهم وإدارة الجامعة. وقالت الجامعة فى خطابها لوزير التعليم العالى إنها تود أن تدحض جزءاً أساسياً مما جاء فى خطاب المجلس حول عدد من النقاط: 1 إن الجامعة بعد مراجعة للمناهج وجدت أن كل المواد المتعلقة بأوجه القصور فى المنهج والمطلوب إعادة الدراسة فيها كما طلب المجلس الهندسى، قد تمت تغطيتها بالنسبة لطلاب الهندسة، وأنه تم تنفيذها بصورة أكثر شمولية من الجامعات الموجودة فى السودان. 2 بالنسبة لبند التدريب قالت الجامعة إن الطلاب يقومون بأداء فترات تدريبية خلال دراستهم، تبدأ من التدريب الأساسى والتدريب الخارجى مع المؤسسات ذات الصلة. 3 إن الجامعة تدرس مناهج البحث العلمى، وإن مشروعات الطلاب وبحوث التخرج تحظى بالإعجاب لما تحتوى عليه من المبادرات المستحدثة، كما أشاد بها الممتحنون الخارجيون. 4 إن المجلس الهندسى من خلال مخاطبته للجامعة أبدى تحفظه فقط على الفترة الزمنية ونظام الثلاثة فصول فى العام، بالرغم من أنه نظام متبع فى العديد من دول العالم «الولاياتالمتحدةالأمريكية ودول الخليج»، ولم تكن للمجلس تحفظات أخرى على المناهج والمقررات، الأمر الذى يثير الشكوك حول عدم الرغبة الحقيقية فى الوصول إلى حل نهائى للمشكلة. 5 إن موقف المجلس الهندسى يتناقض مع إشادة رأس الدولة بالجامعة ومجلس أمنائها الذى يضم شخصيات عالمية. وإذا جاز لى أن أبدى بعض الملاحظات هنا، فإننى أكرر استغرابى من إقحام المجلس الهندسى نفسه فى شؤون أكاديمية بحتة مثل المناهج وسنوات الدراسة، والتشدد فى هذا الجانب للدرجة التى تؤثر على مستقبل أجيال لا ذنب لهم فى كل ما حدث، ولأن الشؤون الأكاديمية من اختصاص وزارة التعليم العالى ولجانها التى تعتمد البرامج التعليمية، وتمثل فيها المجالس المهنية عادةً. كذلك وكما هو معلوم فإن درجة البكالريوس يتم تقييمها وفقاً لعدد الساعات الدراسية المعتمدة، والخريجون قد استوفوا هذه الساعات، ولا يمكن تصنيفهم فى عداد حملة الدبلوم الذى تقل ساعاته إلى النصف، وخريجو جامعة المستقبل يحملون درجة بكالريوس معتمدة وموثقة من التعليم العالى، فأين يذهبون للعمل بهذه الدرجة، ألا يشكل ذلك إهانة لوزارة التعليم العالى ويطعن فى سمعة نظام التعليم العالى بأكمله فى السودان، عندما ترفض وتسخر مؤسسة مهنية من الدرجة العلمية التى وثقتها الوزارة المعنية؟ لاحظت أيضاً أن الخطاب قد أرسل لوزير التعليم العالى قبل حوالى ستة أشهر أو أكثر، ومازالت المشكلة تراوح مكانها دون حل عملى، وفى اعتقادى أن الحل العملى الوحيد هو أن يتراجع المجلس الهندسى عن موقفه وليس فى ذلك عيب، أو أن تتدخل جهة عليا فى الدولة لإجباره على التراجع ما دامت الجامعة قد أكدت فى خطابها للوزير أن الطلاب قد درسوا كافة المواد التى تؤهلهم لحمل درجة البكالريوس فى الهندسة، ويمكن إسقاط حكاية الفترة الدراسية لأنها قضية جدلية وشكلية وليست جوهرية، فالقضية الجوهرية هى عدد الساعات المعتمدة والمناهج التى طبقت، والجامعة قد استوفت ذلك خلال المراحل الدراسية للطلاب. أحياناً أتساءل هل منح السجل الهندسى لطلاب جامعة المستقبل هو «القندول الشنقل الريكة»، هل تسجيل هؤلاء الخريجين الذين يحملون درجات متميزة فى الهندسة واستخدام برامج الكمبيوتر الهندسية سيدمر مهنة الهندسة فى السودان، أم أنهم يمثلون إضافة معاصرة لها لا توجد فى الجامعات السودانية الأخرى، وهل هم سبب سوء تخطيط شوارعنا المليئة بالحفر والمطبات؟ أم سبب خطوط الكهرباء المتذبذبة التى تمتد خطوط ضغطها العالى وسط الأحياء الراقية بين الطائف والرياض؟ هل هم سبب المجارى الطافحة فى الخرطوم «2» والخرطوم «3» والعمارات؟ وهل وهل وهل؟؟ فى امتحان عقد أخيراً من قبل إحدى المؤسسات لاختيار بعض المهندسين، علمت أن الامتحان أعد على طريقة العصر الفرعونى فى الهندسة، أى باستخدام «تربيزة» الرسم والقلم «بدلاً عن أوراق البردى» على طريقة المهندس «حم إيونو» الذى صمم هرم «خوفو»، وقفز إلى ذهنى تساؤل حول إغفال مثل هذا الامتحان لاختبار قدرات الممتحنين فى إجادة لغة الكمبيوتر فى الهندسة التى أصبحت الآن البديل «لتربيزة الرسم» والتى تستخدم الآن على نطاق واسع فى التصميمات الهندسية، ولا أدرى أين العيب هل هو فى الذين وضعوا الامتحان، أم أنه صمم لطلاب وجامعات بعينها لم تدخل عصر الكمبيوتر، ولا أدرى من يضحك على من بمثل هذا الامتحان فى نهاية عام 2012م؟ مشكلة جامعة المستقبل أنها جامعة افترضت أننا نعيش فى عصر فاروق الباز وأحمد زويل وبيل جيتس ومحمد إبراهيم «مو» مهندس الاتصالات البريطانى الذى ولد فى السودان، واكتشفت أنها تتعامل مع عصر رماة الحدق، وإذا ما دخل «مو» مثل هذا الامتحان الفرعونى فربما لن ينجح فيه حتى إذا ما استعان بجده النوبى المهندس «إيونو» بالرغم من المجد والتفوق الهندسى العالمى الذى حققه، ببساطة لأن الامتحان خارج العصر، والمهندسون الذين سيتم اختيارهم بهذا الامتحان مكانهم متحف إهرامات البجراوية، لأنهم مهندسون من الماضى وليس الحاضر. طلاب جامعة «المستقبل» الذين اجتازوا امتحان العصر الفرعونى، قيل لهم لن تدخلوا المعاينات إلا بعد إبراز الرقم الهندسى، وعندما ذهبوا إلى المجلس الهندسى، أحالهم إلى الجامعة. قضية الرقم الهندسى أصبحت الآن متداولة على نطاق واسع عبر قنوات التواصل الاجتماعى «فيسبوك وتويتر»، وتشير هذه القنوات إلى أن الجامعة قالت إنها تحدثت مع محامٍ ذائع الصيت لتولى القضية، وإنها ستتحمل النفقات، وقد سبق للمحامى تقلد موقع وزاري ودافع بقوة عن أحد رموز العهد المايوى، فى محاكمة كانت قضية رأى عام عبر التلفزيون. وتشير المواقع إلى أن المحامى المرموق قال إنه واثق من كسب القضية لصالح الخريجين. أتمنى أن يتدخل وزير التعليم العالى لحسم هذا الملف الذى تأخر كثيراً وخلق ضجراً ومللاً ويأساً وإحباطاً وسط الخريجين، حتى لا نسمع أن أحدهم ارتكب فى نفسه عملاً أحمق ونصبح على ذلك نادمين.