٭ الحديث والهمس حول المال العام والفساد بند ثابت ضمن أي حديث بين كل اثنين أو ثلاثة أو مجموعة يضمهم لقاء حتى ولو كان عابراً وقصيراً.. ودائماً هناك ملاحظات واتهامات ووقائع تشير إلى أن اعتداءً يحدث على المال العام، وهناك تجاوزات في الصرف وتلاعب في العطاءات و.. و.. إلخ منظومة التجاوز. ٭ والمراجع العام كلما يمثل أمام المجلس الوطني يتحدث عن الاعتداء على المال العام على كل المستويات في الحكم الاتحادي والولائي «في هذا العام زاد الاعتداء في الولايات» وعلى مستوى المؤسسات والهيئات.. يعني حالة نهب عامة بكل الطرق وجميع الوسائل.. التزوير.. صرف مرتبات الذين استقالوا والذين انتهت عقوداتهم.. والتغول والتبديد والإسراف والإهمال. ٭ هذا واقع مأساوي أن تتصاعد جرائم الاعتداء على المال العام بهذا المستوى، ولا تقرع أجراس الخطر في كل مكان، ولا تنصب المحاكم.. بل يأتي الحديث عن التسويات وإرجاع بعض من المال المنهوب بعد أن تتم الاستفادة منه بعد دخوله السوق وحصد أرباحه.. عجبي. ٭ كل عام المراجع العام يقدم تقريره أمام المجلس الوطني، ويجزع الأعضاء وينتقدون.. وينتقدون.. ويشيرون إلى هنا وهناك وتنتهي المسألة.. وفي هذا العام سيكون الحديث قليلاً لأن كشف المؤامرة التخريبية وإسقاطات مؤتمر الحركة الإسلامية سرقت الأضواء.. ويأتي العام القادم لترتفع النسبة بصورة أكثر جنونية طالما أن درجة استشعار الخطر لم تغادر محطة الإشارة إلى مرحلة التفعيل. ٭ قد يقال أن مثل هذه الجرائم تحدث في كل المجتمعات، وأن الجشع والطمع في الكسب غير المشروع من السقطات الإنسانية التي لا بد من مواجهتها في معركة مستمرة بين الخير والشر، طالما هناك حياة على ظهر هذه الأرض. ٭ وقد يقال أن الضجة التي تثيرها هذه القضايا لا تعني أن المجتمع كله قد فسد، حتى لا نظلم أنفسنا فنسقط في هوة الإحباط وتصيبنا الكآبة النفسية، وبعدها العجز عن التصرف واليأس من الإصلاح. ٭ ولكن تصاعد هذه النسبة في هذا المدى المتطاول.. فوق العقدين من الزمان ووسط آلية إعلامية قوية تتحدث عن مشروع حضاري يقوم أساساً على قيم الدين الإسلامي السمحاء التي أول ما تقوم عليه الأمانة والصدق.. يفرض علينا واجباً آخر. ٭ أليس من شأن هذا التصاعد أن يجعلنا ننظر لهذه الظاهرة بحجم خطورتها ونواجهها بجدية أكثر، وألا نتركها للتبريرات مثلما حدث في عام 2002م بشأن طريق الإنقاذ الغربي على أنه «مجرد إهمال والدولة ستسترد أموالها»، ومازالت المسألة مستورة كما قال دكتور علي الحاج. ٭ يجب أن تُجرى الدراسات في سبيل معرفة الدوافع التي أدت إلى الانحراف في التصرف حيال المال العام بهذا الحجم وبهذه الصورة.. وعلاقته بالمناخ السياسي والشعارات المرفوعة. أواصل مع تحياتي وشكري.