نقلت «الصحافة» على لسان «العصفورة» من داخل مقر البرلمان الخبر التالي: «بدأ نواب في جمع توقيعات تطالب بإقالة رئيس البرلمان أحمد إبراهيم الطاهر من منصبه في رئاسة المجلس احتجاجاً على وقوفه ضد زيادة مخصصات النواب.. وأن هناك تحركات «ماكوكية» من قبل رؤساء الكتل البرلمانية الولائية لإقالة الرئيس»!! ولا يمكن لأحد أن ينكر على النواب أن يطالبوا بتحسين اوضاعهم لجهة الراتب، ولكن ان يبلغ الامر هذا المبلغ فهو يقع في خانة الامر «المعيب»، فحينما يخرج خبر عن نواب البرلمان بأن هناك تحركات ماكوكية وجمع للتوقيعات لإقالة رئيس البرلمان، فإن المتابع يعتقد للوهلة الأولى أن الرئيس ظل يعرقل تمرير قانون أو تشريع أو أغفل مسائل مستعجلة بشأن تساؤلات ملحة سيطرحها النواب على وزير او مسؤول كبير في الدولة بشأن «قصور في الاداء»، او تقاعس رئيس البرلمان عن أمر يسعى النواب لتمريره من اجل الوطن والمواطن.. اما ان تكون هذه التحركات الماكوكية من اجل المرتبات والحوافز والمكاسب الشخصية للنواب، فإنه امر مزعج للغاية.. خاصة ان الشعب الذي انتخب هؤلاء النواب يعاني من شظف العيش في ظل ظروف باتت معروفة للحاكم والمحكوم، كما ان الحكومة كانت قد اعلنت عن سياسة «تقشف» واسعة، وهو امر كان اجدر بالنواب ان يصروا عليه بإلحاح، وان يتابعوا أية جهة تقصر في تنفيذ سياسة التقشف حتى تعبر البلاد الى الضفة الاخرى، ان كانت هناك ضفة، باعتبار ان هؤلاء النواب تم تفويضهم من قبل الشعب ليرعوا مصالحه..اما وقد انصرفوا الى تحسين أوضاعهم فلا أحسب أنهم سيكونون في حالة اهتمام بأمر دوائرهم الانتخابية على الاقل قبل حلول موعد الانتخابات القادمة. وموقف النواب هذا جعلني استدعي مشاهد الصبا، وأتذكر أن نائب دائرتنا في الجزيرة كان كل ما يقدمه لأهلنا المزارعين هو ان يقرضهم «العيش والقمح» الذي انتجوه هم أصلاً، غير أن هذا النائب يسارع إلى شراء كميات المحصول قبل أن تنضج في الحقول بسعر بخس، وامام حاجة كثير من اهلنا المزارعين يبيعون محصولهم قبل حصاده، لتمتلئ به مخازن نائبهم المؤقر، ثم يعيد الأمر لهم بصورة عكسية حينما يبيع لهم جوال القمح والذرة بأضعاف الثمن الذي اشتراه به، وحينما تحين لحظة «صرف عائدات القطن» وفقاً لما عرف حينها ب «الحساب الفردي» يكون النائب المؤقر قد حمل معظم اختام المزارعين ليصرف الاموال نيابة عنهم باعتبارها ديوناً له مقابل القمح والعيش الذي انتجوه، ولكنهم «أكلوه».. تلك كانت قصة قديمة، لا اعرف ان كانت لها بقايا حتى يومنا ام ان المشهد تبدل. عموما ننتظر من نوابنا الاكارم ان يرتفعوا لمستوى المسؤولية الملقاة على عواتقهم، فبينما هم يبحثون المزايا التي في سبيلها يمكن ان يقتلعوا رئيسهم، عليهم أن يتذكروا ولو للحظات ماذا قدموا لدوائرهم الانتخابية، بل ماذا قدموا لهذا الوطن، قبل موعد الاستحقاق الانتخابي القادم، الذي نريد له ان يكون ربيعاً سودانياً خالصاً بأن يقتلع الباحثين عن مصالحهم الشخصية، وأن يأتي بالقادرين على حمل الامانة، والذين يبدعون بالتفاني في خدمة اهلهم ووطنهم.. واقول «هامساً» للنواب.. إن كان لا بد من «تصليح وضعهم» فليكن الأمر سراً حتى لا يتأذى ناخبوكم.