لا يعني الحزب في فلسفة بعثه الجديد (القديم) بالطائفية الأخيار الأطهار من رجال الطرق الصوفية .... روافد الحزب الأصيلة المؤصلة من مؤسسي العقيدة الإسلامية ، حماتها وحفظة ذكرها في الديار ، الذين لم يخالطوها بالتسيس ولم يعترِ نهجها التسوس ولم يمارسوا القرع على أبواب السلاطين ، حفظة الحق وأركان الدين القويم ... صوامو الهواجر ، سهاد الليالي ، حفاة المضاجع ، ساكنو الفلوات ، خمس البطون ، مقرحو الأجفان ، هداة البشر في مظانهم المختلفة ولكن نعني بالطائفية السياسية هي التى إنحرفت بالطريقة الصوفية وقيمها الضابطة وحولتها إلى باطنية ذات مصالح ذاتية لا علاقة لها بقضايا الوطن والمواطنين ." (الشريف زين العابدين الهندي 1999م) في مقالين رائعين فتح الأستاذ/ غسان عثمان موضوعاً هاماً وهو العلاقة بين الخريجين والطائفية ... إذ نعتقد بأن مكمن أزمتنا الوطنية هى وجود أجسام للطائفية السياسية تعيش وتزدهر في غياب الوعي والجهل وبأن مرشد الطائفة أو الإمام هو محتكر الحقيقة والطهر والنقاء وبذلك يتم إلغاء العقل والتدبر بحكمة وتدخل القيادات الطائفية المجال السياسي والذي يتساوى فيه الجميع مساواة تامة بين مرشد ومريد حيث يكون الفرز والتميز بينهما للرأي الصحيح الذي يقود إلى الصواب دون إعتبار لصاحب هذا الرأي ومكانته الإجتماعية والإقتصادية ... إن الطائفية السياسية تسببت في تدمير البيئة الحزبية وبالتالي إتلاف فضاء العمل العام مما نتج عنه المحصلة النهائية مزيد من الفشل السياسي منذ استقلالنا في 1/1/1956م حتى يومنا هذا .... ولا ننسى أن الطائفية السياسية هى التى أدخلت سنة الإنقلابات العسكرية في البلاد عندما تدخلت لتغيير النظام السياسي وذلك حرباً على الطبقة المتعلمة المستنيرة التي تناصبها العداء ... لذلك نرى أن زعماء الطائفتين (الأنصار ، الختمية) كانوا يبادلون عداء الخريجين بعداء أشد (عكس ما يرى صاحب المقال المذكور) إذ لم يكن عداءً ظاهراً بل كان تحت ستار كثيف حتى لا يقول الرأي العام بأن زعماء الطوائف يقودون حرباً مباشرة ضد أبنائهم ومن أجل مصالحهم ولعل إخلاء الدائرة الإنتخابية للسيد/ الصادق المهدي وقبل أن يبلغ الثلاثين من عمره يتولى رئاسة الوزراء على حساب رجل دولة محنك وسياسي ضليع من عامة الشعب مثل السيد/ محمد أحمد محجوب يعطيك مثالاً واضحاً على طريقة إدارة الصراع بين الخريجين والطائفية ... ونتفق مع كاتب المقال بأن الخريجوين رأوا بأن الطائفية هم العقبة الحقيقية في سبيل بناء الدولة الحديثة وآمنوا بأنه لن تقوم نهضة حقيقية في البلاد إلا إذا إلتزمت الطائفة بدورها الديني الروحي وتركت السياسة ولعبتها ... ونحن ما زلنا مؤمنين بهذا الفهم بأن الطائفية السياسية هى التي أوردتنا المهالك والأهوال حفاظاً على مصالحها الذاتية ... إن محاربة الطائفية السياسية لا تتم بالقمع أو التعذيب أو الإقصاء أو أي شكل من أشكال العنف ، بل محاربتها بتمدد الوعي والمعرفة وبالحوار الهادي الموضوعي الذي يزيل المفاهيم الخاطئة ويحرر العقل من الخرافة والدجل ... وهناك مثال حي لصراع الزعيم الخالد/ إسماعيل الأزهري ضد القوى الطائفية التي فعلت المستحيل لإقصائه من المسرح السياسي وآخر هذه الفصول هو التستر خلف إنقلاب 17/نوفمبر/1958م لإبعاده ... لماذا ظلت الطائفية حاضرة حتى الآن ؟ ... سؤال طرحه المقال السابق ... والإجابة ببساطة تكمن في أن أدوات الصراع المستخدمة ضد الطائفية لا تميتها بل تعطيها عمراً جديداً إذ يجعلها (الطائفية) تظهر في دور الضحية المسالمة المغلوب على أمرها وبذلك يزداد التعاطف الشعبي معها طبقاً لنظرية التحدى والاستجابة .... إذ كلما زاد التحدي إرتفعت إستجابة البشر لمقابلة هذا التحدي .... لكن لو كان النميري بدلاً من ضرب الجزيرة أبا في مارس 1970م شيد الصروح التعليمية والفكرية والثقافية لتحرير العقل وبالتالي حرية الفرد لكانت النتيجة مختلفة تماماً ... ونحن نرى بأن الطائفية السياسية بعد أكثر من نصف قرن على إستقلال البلاد في إضمحلال ظاهر وليس في نمو وإزدهار وذلك بفعل التعليم والتنوير والاستنارة .... ويتمظهر ذلك جلياً فنسبة الشباب الذين يدافعون عن الطائفية السياسية مقارنة بنسبة الشيوخ الذين ان نشأوا وكبروا وتشكل وعيهم في وجود الطائفية الدينية ... لذا نرى كثيراً من أبناء الطوائف من ينتمون للحركة الإسلامية أو الحركة اليسارية خلاف لما كان يؤمن به آباؤهم ... نحن لسنا مع إقصاء أو فناء جسم إجتماعي له مؤيدوه ومريدوه ولكننا لنا حرب طويلة ضد من يدعون إحتكارهم الحقيقة والحكمة والتصرف فيها ... نعم كان للطائفية دور مهم في زمن حاول المستعمر تغريب المجتمع وذلك زمن ولى ... ولكن لن ننسى الأجيال الحديثة دور الطائفية في إسقاط حكومة الإستقلال بعد أقل من عام من رفع العلم فهذه خطيئة لا يمحوها الزمن لأنها إمتدت آثارها السالبة حتى يومنا هذا ... وها نحن ندفع ثمن هذا الخطأ القاتل .