ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك        أقرع: مزايدات و"مطاعنات" ذكورية من نساء    بالصور.. اجتماع الفريق أول ياسر العطا مساعد القائد العام للقوات المسلحة و عضو مجلس السيادة بقيادات القوة المشتركة    وزير خارجية السودان الأسبق: علي ماذا يتفاوض الجيش والدعم السريع    محلية حلفا توكد على زيادة الايرادات لتقديم خدمات جيدة    شاهد بالفيديو.. خلال حفل حاشد بجوبا.. الفنانة عشة الجبل تغني لقادة الجيش (البرهان والعطا وكباشي) وتحذر الجمهور الكبير الحاضر: (مافي زول يقول لي أرفعي بلاغ دعم سريع)    شاهد بالفيديو.. سودانيون في فرنسا يحاصرون مريم الصادق المهدي ويهتفون في وجهها بعد خروجها من مؤتمر باريس والقيادية بحزب الأمة ترد عليهم: (والله ما بعتكم)    شاهد بالفيديو.. لاعبون سودانيون بقطر يغنون للفنانة هدى عربي داخل الملعب ونجم نجوم بحري يستعرض مهاراته الكروية على أنغام أغنيتها الشهيرة (الحب هدأ)    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    الدردري: السودان بلدٌ مهمٌ جداً في المنطقة العربية وجزءٌ أساسيٌّ من الأمن الغذائي وسنبقى إلى جانبه    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    سوداني أضرم النار بمسلمين في بريطانيا يحتجز لأجل غير مسمى بمستشفى    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    مدير المستشفيات بسنار يقف على ترتيبات فتح مركز غسيل الكلى بالدندر    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    مناوي ووالي البحر الأحمر .. تقديم الخدمات لأهل دارفور الموجودين بالولاية    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    العليقي وماادراك ماالعليقي!!؟؟    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تقرير: روسيا بدأت تصدير وقود الديزل للسودان    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحركة الإسلامية.. مرتكزات ومسارات التغيير
تأملات ومراجعات في مسيرة العمل الإسلامي المعاصر «6 6»
نشر في الصحافة يوم 03 - 12 - 2012

حاولنا في حلقات خمس من هذه السلسلة أن نتأمل في مسيرة الحركة الإسلامية، مقاربة الفكر والممارسة، في مجالات الثقافة والسياسة والدعوة والتنظيم، وانتهينا إلى أن ما تحتاجه الحركة اليوم هو أن تعمل ورد الاستغفار بعد أن نالت حظها وأكثر من ورد الحمد والثناء على الذات، ذلك أن الذكر بكل الأوراد والصيغ مطلوب على كل حال للتزكية والتجلية، غير أن أهل الصلاح والعرفان «كما الأطباء» يصفون لكل «مريد» ما يناسب حاله من صوم مدام وليل مقام، ومع ذلك فبعضهم يلزمه حسب حاله «انكسار وطول استغفار»، ولعل في تركيز «ورد الاستغفار» عون لما تحتاجه الحركة لأغراض المراجعة والوقوف على الأخطاء أكثر من احتياجها إلى الدعاية والتبرير والتمترس والاستعصام بالمواقف والرؤى والسياسات التي قادت الى حالها الراهن، وهو حال وإن بدت فيه مازالت ممسكة بالسلطة، ظاهرة على أعدائها، مسيطرة على مفاصل الشأن العام، الا أن ذلك كان «في ظن الكثيرين» بثمنٍ باهظ، وعلى حساب كثير من القيم والرسالة والفعالية التي تأسست عليها، وطالما صدعت الحركة في الناس عامةً وبنيها خاصةً «ليس المهم الحرص على الحياة والوهم بالاستمتاع بها ولكن المهم هو أي حياة؟»
هل واقع الحركة الآن يسر الصديق ويغيظ العدو؟ أم أن ما أطلقه الدكتور عبد الله علي ابراهيم على الحزب الشيوعي السوداني حينما قال «الحزب يحمد الله على النفس الطالع ونازل» يناسب بدرجة ما حال الحركة الإسلامية.
ووفقاً لما سبق ليس المعيار الأصوب لتقييم أداء حركات التغيير والرسالة هو الوصول للسلطة والمحافظة عليها أطول فترة زمنية، ولكن لأي هدف، وبأية وسيلة، وبأية أداة يتم ذلك، الحساب قيمي وأخلاقي بالدرجة الأولى، والقياس هو مدى الاغتراب والاقتراب عن تلك القيم.
الأسئلة التي شغلت وتشغل الإسلاميين وخصومهم على حد السواء: أين هي الحركة الإسلامية من قيم الشورى والحرية والعدل والشفافية والطهر والتداول السلمي للسلطة والنزاهة، وتحقيق الكرامة الإنسانية، والوحدة السياسية والاجتماعية لمكونات الوطن؟
وعلى صعيد الفكر والدعوة: هل تمكنت الحركة من انجازٍ فكري ذي بال يجدد أمر الدين، ويقدم بدائل المتدينين هداية للحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وهل لها إضافات معتبرة على الصعيد الفكري والدعوي، وهل لم تزل قبلة للشباب والباحثين عن برد اليقين؟ وهل لم تزل التعبير الأبرز والحضن الدافئ لأشواق الباحثين عن مثالات الدين والتدين، وصحوة الإسلام؟ وهل يمثل قادتها وعناصرها قدوة حسنة تجسد قيم الدين؟
وامتدت تساؤلاتنا التي هي بعض تساؤلات الساحة سواء العاملين او المراقبين، الأصدقاء والخصوم، لتبحث في أسباب تراجع الفعالية التنظيمية التي عرفت بها الحركة الإسلامية أيام العافية والحيوية، ذلك أن الناس يرون الحشود عامرة والجموع كبيرة، وهذه حجة الحركة ووسيلتها لقياس أثرها، ولكن المفارقة أن الفعل على الأرض متواضع وقليل المردود رغم الإمكانات الكبيرة والسلطة الداعمة، وذلك كله مقارنة بماضي الحركة العامر بالفعالية وحاضر ورصيفاتها من حركات الدعوة في الساحة، وقدمنا في ذلك مقاربة للنهوض بالفعالية التنظيمية ليس على أساس الوصفات الفنية والإجرائية التي دأبت أن تواجه بها الحركة مشكل الفعالية من شاكلة البناء التنظيمي وإعادة البناء، وتعديل اللوائح وتكثيف الاجتماعات ورصد العضوية المليونية، فتلك معالجات تفيد لو تأكدنا من توفر القيم التنظيمية الأصيلة «الإخلاص، الثقة، القدوة، الصدق، التوكل، الأمانة، الولاء الصادق.. الخ » وتوفر بيئة التدافع والتنافس الحر مع الآخر دون إكراه أو احتكار لأدوات السلطان واعتمادها وسيلة وحيدة للتغيير كما هو غالب الشأن في الممارسة موضوع التأملات، أما المعالجات الإدارية والفنية والتنشيطية المنزوعة من صياغها القيمي فهي عندي محض نشاط دائري يعيد إنتاج الأزمات وربما أفلح في خداع وتخدير الذات دون مساهمة حقيقية في علاج أصل العلل.
ذلك بعض ما ناقشناه في حلقاتنا السابقة من هذه السلسلة، ونختمها بمحاولة وضع مسار المستقبل كما تبدى لنا، ويبقي الهدف من ذلك كله تشجيع الجميع على طرح الأسئلة دون سقف، والتداول الحر حولها في كل منبر متاح، لتوليد القناعات والأفكار والمطلوبات الضرورية لعملية «الإصلاح» المبتغاة.
وما نورده هنا حول مسارات التغيير هو مجرد عناوين وإشارات، يضاف الى ما أوردنا في المقالات السابقة، وجملة حوارات الإخوان وأهل الشأن أجمعين، لو توفرت الإرادة اللازمة والنية الصادقة والتجرد والموضوعية والميزان غير المخسور يمكننا أن نصل الى مرتكزات قيمية للإصلاح قبل أن نحدد موضوعاته ومطلوباته، والتي هي أشبه ما تكون ب «شروط الصحة» ومن هذه الشروط والمرتكزات نذكر:
أولاً: التغيير والإصلاح إرادة وقناعة، وبدونهما يتحول إلى مجرد مناورات ومماحكات، تفضي الى لا شيء، وتفقد المحاولات ألقها وصدقيتها، وتستنزف الجهد والوقت دون طائل، « لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم» «إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت»، وهو بذلك عملية فكرية ونفسية قبل أن يكون محض إجراءات وأشكال.
ثانياً: الاعتراف بالعلة شرط أولي يتبعه تشخيصها، ثم الاستعداد والرغبة في العلاج ولو كان مراً، إن هذا لا يعني أبداً فساد كل الجسد، واليأس منه جملة واحدة، ولو كان الأمر كذلك، فإن الطبيعي هو انتظار موته وليس علاجه، ولكن ما سوى ذلك وحتى الجراحة وعمليات القلب المفتوح هي من ضروب العلاج المسنون البحث عنه «تداوا عباد الله فإن الله لم يخلق داءً إلا وخلق له دواءً»، فهل تمتلك الحركة استعداداً وحرصاً وطلباً للدواء، أم إنه ليس بالإمكان أفضل مما كان، وإن الأمر أهون من ذلك، وكل المطلوب هو مجرد مسكنات، وإن المؤتمرات الدورية وما تصاحبها من ضجة ورفع سقف الطموحات مع اجترار مستمر وتغنٍ بإنجازات المشروع يكفي وزيادة، ولا يقول منصف موضوعي إن تجربة الانقاذ بلا إنجاز، ولكن كثيراً من أبناء الصف وخارجه من حقهم أن تكون لهم رؤيتهم في النظر في كفتي الميزان بعينهم الخاصة، حتى لا تتحول الوقفات الكبرى مثل المؤتمر الثامن الأخير الى مجرد كشف دوري على جسم سليم عند أهله والمطلوب من الجميع الفرح بنتائج الفحص السليمة، ووضع حجرٍ في فاه كل من يدعي غير ذلك.
ثالثاً: الإرادة والإخلاص والتواضع والرغبة في العدل والقسط مع النفس والآخرين قيم عزيزة وحاضرة في سابق أدبيات الحركة الإسلامية، وستظل هي نفسها شروطاً يستحيل من دونها إنجاز الإصلاح المطلوب، وهي نفسها منطلقات ضرورية لبناء رؤية هذا الإصلاح، ولكن نذكر دوماً أن الصدقية والمبدئية هما ضمانة الضمانات لأي جهد إصلاحي لا المناورة والاستهلاك التكتيكي للقيم والشعارات.
رابعاً: أجملت التواضع مع منظومة القيم والمنطلقات الشرطية اللازمة لحركة الإصلاح، غير إني أعود للتأكيد عليه، وقد يكون مطلوباً أحياناً زيادة الجرعة من دواء بعينه دون بقية الأدوية لحاجة المريض إليه أكثر من سواه، ألا ترون كيف أن المتصوفة يركزون على ضرورة لزوم باب «الانكسار» لمواجهة علل القلوب الراغبة في الترقي إلى أحوال الصلاح، وهو أدعى لمن لامس دعك من جلس على كرسي السلطان لما يقارب ربع قرن من الزمان، ولعمري فإنه كرسي أخطر على قلب البشر ولو لبضع سنين من كل أمراض «الكريسترول» وتصلب الأوردة والشرايين، في الأخيرة فساد المضغة الحسية ولكنه لا يقارن بأية حال بفساد المضغة الروحية.
عودة صادقة لجملنا الفكرية الأولى «التي تأسس عليها أدب الحركة» هي مخرجنا لتقوية إنزيمات التواضع ومقاومة طغيان بيئة الاستعلاء وشهوة السلطان المسكرة، الم نردد طويلاً في خاصة وعامة خطابنا مع الناس:
«رحم الله امرئ أهدى الي عيوبي».
«كل الناس أفقه منك يا عمر».
«أصابت امرأة وأخطأ عمر».
«هون عليك يا أخي إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد».
«إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد، وأشرب كما يشرب العبد، وأنام كما ينام العبد».
وعشرات النصوص والمواقف في مراجع وتراث الأمة، شكلت أشواقنا وأشواق المسلمين إلى أنموذج الإسلام الراشد، فأين نحن منها الآن؟، الإجابة عندنا جميعاً، ولكنها تستلزم أقداراً من الصدق والشجاعة والتواضع، نقيس بها أوضاعنا ونصحح بها مسارنا قبل فوات الأوان، ونحن من ظللنا نردد على أنفسنا والناس «حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم».
إن كانت تلك أهم مرتكزات الإصلاح وشروط صحته فما هي مساراته ومجالاته؟
«1» التحول الكامل نحو نظام سياسي يقوم على الحرية التعددية والتنافسية بين المكونات الفكرية والسياسية للسودان، مع توفير البيئة الصالحة العادلة بين الجميع، وعلى رأس ذلك حياد الدولة وأجهزتها العدلية والسياسية والتنفيذية، وقبل ذلك مالها وإمكاناتها، عبر قوانين وآليات توافقية محايدة ومقبولة من أطراف العملية السياسية، مرتكزات لا يصلح دونها أي حديث عن الحرية أو التداول السلمي للسلطة، والتداول السلمي وحده السبيل لاستقرار وسلام ووحدة الوطن والحركة.
«2» الوطن رغم مرور أكثر من نصف قرن على استقلاله لم يزل في طور التشكل، ولم يكمل بعد عملية الانصهار الكامل «حتى بعد خروج الجنوب منه»، وخروج الجنوب بثمنه الغالي سياسياً وثقافياً وأمنياً واقتصادياً، يلزم الاعتبار للمحافظة على الوحدة الطوعية، لكل أنحاء السودان على قاعدة التوافق والتراضي، وهذا يتطلب من الجميع حكومة ومعارضة، التنادي الى صياغة مشروع وطني لاستكمال الانصهار الوطني لبلد متعدد متنوع مترامي الأطراف متباين المستويات التنموية والتعليمية، مشحون «بالتغابن» جراء الحروب والنزاعات والتوترات والمرارات بين مكوناته الاجتماعية والجهوية، يغذي ذلك حداثة عهده بالدولة الموحدة، وقبلية وجهوية، هي الأعمق والأعرق في تشكيل ولاءات الناس، وقد جنينا من حنظل القبلية المر وريحها المنتنة أضعاف ما ذقنا من أمراض الحزبية والطائفية، وآن لنا أن نقارن أيهما أفضل لمصلحة وروح الدين وتحقيق الانصهار الوطني واستيعاب ولاءات الناس؟ حزبية وطائفية نصبر على عيوبها حتى ترقى، أم قبلية تمزقنا على اساس العرق والعصبية؟
لا خلاف أن النخبة السودانية قد فشلت منذ الاستقلال في بلورة مشروع للانصهار الوطني على قواعد يرعاها الجميع ولا يخرج عليها أحد، وكل هذه العوامل فتحت شهية الاستراتيجيات الدولية الاستعمارية للاستثمار في زراعة وتغذية الكراهية والتغابن والحروب والنزاعات بين المكونات الجهوية والعرقية السودانية، فكان لها ما أرادت بفصل جنوب السودان، وإن لم نتدارك فستمضي في هذا السبيل تغريها تجاربها الناجحة في تمزيق الوطن الجريح المحسود في موارده المادية الهائلة وموقعه الجيوبولسياسي والثقافي المؤثر.
والمطلوب مبادرة وطنية لإزالة التغابن، وتحقيق أرضية للاستقرار والسلام المستدام، وليس مجرد مفاوضات «بالقطاعي»، واستنساخ الحروب والنزاعات بالمعالجات التكتيكية قصيرة المدى وقليلة الفائدة ومؤقتة الأثر.
«3» العدالة الاجتماعية هدف قيمي مرجعي في الفكر الاسلامي، وقع إهماله لحد كبير، وفي أحسن الأحوال أخذ أولوية متأخرة في اهتمامات دولة الحركة الإسلامية، بل إن الغالب الآن في نظرة العديد من الناس أن الحركة الآن في طريقها لتكون طبقة اجتماعية متميزة عن الناس بالوظائف والأعمال، وكاد الفقر أن يفتن الناس عن قيمٍ عزيزة على أهل السودان، وأن يفتنهم أمر المعاش فتوناً، ورغم جهود الزكاة والصناديق الاجتماعية، الا إن المفارقات الطبقية في البلاد تمضي في اتجاهات خطيرة ومزعجة تعكسها الطبقات الجديدة ومفارقات حظوظها من التعليم والصحة والمسكن والمعاش، إن خيبة إدارة الاقتصاد رغم استخراج البترول كإنجاز معتبر ولكن سرعان ما أصابته «لعنة البترول» أو «المرض الهولندي» أما الزراعة والصناعة فإن كسب الحركة فيها دليل شاخص على «عجز القادرين على التمام».
وعلى كل حال فإن تحدي الاقتصاد هو من أخطر ما يواجه الدولة والمجتمع، ولكن لا جدوى أو حكمة في البحث عن حلول اقتصادية بعيداً عن حلول متكاملة ومراجعات جذرية لمجمل حال الوطن، خاصة في الفضاء السياسي، لا أحد ينبغي أن يفكر في إعادة إنتاج الأزمة بالبحث عن حلول ترقيعية لا تخاطب جذور الأزمة السياسية.
ويتبع الحديث عن المشكل الاقتصادي بالضرورة مسألة التنمية والخدمات الأساسية من صحة وتعليم وخلافه.
«4» المبادرة الوطنية لاستكمال الانصهار الوطني وإزالة أسباب ونتائج التغابن، وتحقيق السلام والاستقرار والوحدة لجملة الوطن، ليست عملاً تكتيكياً لكسب اللحظة، وليست عملاً حزبياً يقوم على اللجاج والجدال والمناورة، ولكنها مشروع لمستقبل الوطن الأمل أن تبادر بها الدولة صاحبة المسؤولية الشرعية والأخلاقية، ولكنها يجب أن تتوجه وتمضي من الجميع وبالجميع، الجميع يحدد مساراتها وأجندتها وآلياتها، وليكن ذلك أساساً لدستور «دائم » لأن آخر ما يحتاجه الوطن كتابة دستور في مناخات التشظي والتناحر والتغابن الوطني، ليكون كما تقول تجاربنا منذ الاستقلال هو دستور كاتبيه مهما كانت النصوص جامعة ووافية، ولكن الأهم من النصوص التوافق والتراضي وبيئة ومناخ الميلاد.
«5» الحرية والتداول السلمي للسلطة والاستقرار السياسي والتراضي الوطني، حتى ولو كانت نتيجته خروج الحركة الإسلامية من السلطة، فهو في مصلحة الحركة الاسلامية «استراتيجياً» أكثر من الآخرين، في مناخات الحرية تسترد الحركة عافيتها وفعاليتها وشوراها، وتعود للرهان على المجتمع، وتطهر من شبهات الفساد والاحتكار والتكلس، وتحقق وحدتها، وثقتها بنفسها وثقة المجتمع فيها.
«6» مبادرة الحركة الإسلامية بالإصلاح السياسي وهي في السلطة، سيجعل الاسلاميين جزءاً معتبراً من أية معادلة سياسية أو دعوية في المستقبل، فهم ورغم كل شيء لهم وجودهم المقدر في المجتمع، والصحوة الاسلامية العالمية تصب في مصلحتهم، وخبراتهم التنظيمية وفي الحكم أفضل من غيرهم بكثير، وسيكونون أبطال التغيير والإصلاح والتحول الديموقراطي، مما سيكسبهم احترام قطاعات معتبرة، فيضمنون بذلك وجوداً مقدراً في السلطة، وتجديد شرايين الحياة في الدولة والحركة، ولهم حينها أن يأملوا في فرص أفضل في المستقبل، هي بالتأكيد أفضل من فرصهم حال الإصرار على حال الجمود الحالي بنذر التكلس والتشظي الداخلي وتآكل المشروعية، عوضاً عن حال ومستقبل الوطن نفسه.
«7» العمل الدعوي والإنتاج الفكري والثقافي والقوالب والخيارات التنظيمية، بما في ذلك مسألة وظيفة الحركة الاسلامية في ظل صحوة إسلامية ومتغيرات اجتماعية ومحلية وعالمية، والعلاقات مع مكونات العمل والحركة الإسلامية الأخرى، ومدى التميز أو التكامل أو الاندماج معهم، كلها ينبغي أن تكون أجندة مفتوحة لحوار حر داخل وخارج الحركة في ظل سقف مفتوح، يطرح كل الخيارات والبدائل، دون تقديس لخيار، أو جمود على قالب، أو ڤيتو على فكرة، حوار يصبغ الإصلاح المرجو ويقوده.
تلك بعض شوارد ذهن وأشواق عاشق مشفق، وخفقات قلب قلق ، ورؤى لا أجزم لها بصواب، ولكنها مساهمات شريك أعياه الصمت، وهو يرى شجراً يسير وأملاً يخبو، فإن رأى فيها الإخوة بعض صواب وبعض جواب فذلك خير، وإلا فإنها نداء مستغيث يطلب الجواب، ويضع بعض حروف «وهمهمات» و«تعتعة» بما رآه بعض الحق ونصف الرأي . ولي على كل حال أجر السؤال «والتعتعة»، والأسئلة موجهة للجميع من الذين يعنيهم أمر الإسلام والسودان، ورحم الله امرئ أفادني بجواب أو رأي خالفني أو وافقني.
ونواصل تأملاتنا قريباً في العمل الإسلامي بوقفات مع الحركة الصوفية والسلفية في السودان، إن أذن ربنا وشاء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.