بعد ربع قرن الا قليلاً من حكم المؤتمر الوطنى والحركة الاسلامية لبلادنا، وبعد أن جربوا فينا غير المجرب، مازال فى جعبة المؤتمر الوطني الكثير، وهو على حاله فى علاقته بالمواطن السودانى، لم يفارق محطة عدم الاكتراث والتعالي والعجرفة على عموم الشعب السودانى، المؤتمر الوطنى مهتم فقط «بلملمة» عضويته المتآكلة، فهو إن أراد اجازة ميزانية الدولة فلا بد من إجازتها بداية من مكتبه القيادي، وليس في مجلس الوزراء، او أجهزة الحكومة الموسعة الرشيقة «حكومة الوحدة الوطنية»، وإن أرادت الحكومة رفع الدعم فذلك من اختصاصات حزب المؤتمر الوطنى، ولا ضير بعد ذلك من أن يتولى مجلس الوزراء والبرلمان تمرير ما يجيزه المكتب القيادى، تعصف بالبلاد العواصف، فتناقش الامور فى دهاليز الحزب الحاكم وتصدر فيها التوجيهات والقرارات التى تصبح فى اليوم التالى سياسات حكومية، سلوك الحزب الحاكم لم يتغير فى تعامله لجهة ما سمى بالمؤامرة «التخريبية أو الانقلابية» لا فرق، ورسمياً خارج اسوار المؤتمر الوطنى لا أحد يعلم ماذا حدث ولماذا وكيف؟ الحزب الحاكم استخدم أجهزة حكومية لتقديم التنوير لقياداته ولجهات أخرى واكتفى بذلك، وزيادة فى التكتم لم يناقش الامر فى مجلس الوزراء «حكومة الوحدة الوطنية»، وأي عاقل يمكن أن يفهم كيف يتم تصريف الامور فى هكذا بلد!! من الذي يدير البلاد إذا كانت الحكومة لا تفعل؟ وهكذا لم يشمل التنوير تسعة احزاب مشاركة فى تحمل هم الحكم وتبعاته مع المؤتمر الوطنى، والبرلمان من جانبه لم يناقش الامر واكتفت بعض المجموعات «الخيرة» باطلاق مبادرة للعفو عن المتهمين، لم يحدث تنوير للسفراء العرب والأجانب كما كان يحدث فى الماضى فى أحداث مشابهة، ولم يستدع الدفاع الشعبى ولم تسير المسيرات لشجب واستنكار المحاولة «التخريبية الانقلابية»، وليس لنا أن نتساءل عن مصداقية الحزب الحاكم تجاه الشعب السودانى فهي معدومة، ولكن كيف يتم التصريح عن محاولة تخريبية ولا يتضح الى الآن «وفقاً لبيانات حكومية وحزبية» ما إذا كانت تخريبية أو انقلابية، ذلك لصدور تصريحات تناقض بعضها لا يهم، «المهم هم يكونوا عارفين ماذا حدث» «فالعارف عزو مستريح»، كيف تنظر الحكومة الى ما سيترتب على مثل هذه التصريحات داخلياً وخارجياً، أليس فى علم القائمين على أمرنا الفرق بين «التخريبية» و «الانقلابية»؟ أليس من فرق أو «لا فرق» بين اتهام اطراف فى المعارضة واتهام معارضين داخل الحزب الحاكم إن وجدوا؟ لقد قام الحزب الحاكم تعاونه كل اجهزة الدولة التى يقتطع الشعب السودانى ميزانياتها ورواتب ومخصصات العاملين فيها من قوته وصحته، وبمثل هذا الفهم ضحى الحزب الحاكم بوحدة البلاد فى مقابل بقائه فى حكم الشمال، وحالات التصدع فى الحزب الحاكم الذى يتضح يوماً بعد آخر انه مجرد واجهة سياسية للحركة الاسلامية ليست وليدة اليوم، والأزمة وصلت ذروتها إبان مؤتمر الحركة الاسلامية ومكتبها الخاص الذي وضح من خلاله ان الانقسام أفقى ورأسي داخل الحركة الاسلامية وحزبها الحاكم، هذا الكيان الذى اجتمع واختلف وقرر ومرر قرارات مخالفة للدستور الانتقالى لسنة 2005م وقانون الاحزاب وقانون القوات المسلحة وقانون الامن الوطنى وقانون قوات الشرطة وعشرات القوانين ذات الصلة، وعلناً، جهاراً، نهاراً وعلى الهواء يعقد المؤتمر ويحضره المئات من كبار ضباط القوات النظامية التى يمنع عليها الدستور والقانون الانخراط فى اعمال حزبية او الانضمام لكيانات سياسية، هذا المؤتمر الذى حضرته وشاركت فى أعماله قيادات الدولة التى يحظرها الدستور والقانون من ممارسة العمل السياسى، ولا شك أن بلادنا تمر بأزمة وطنية شاملة وعلى كل الأصعدة، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وقد أهدرت بلادنا وقتاً طويلاً ومهماً ولم تصل بعد الى الاستقرار المنشود، وذلك بفعل سياسات الحزب الحاكم وحركته الإسلامية، تارة تجاه مجمل الأوضاع المتردية في البلاد، وتارة باختلافاته ومفاصلاته التى لا تنتهى، وتارة أخرى بمخالفته للدستور والقانون و «على عينك يا تاجر»، والسلطة التنفيذية والتشريعية الاتحادية والولائية والخدمة المدنية والقوات النظامية والجهات العدلية والقضائية، كانت حاضرة ومشاركة في مؤتمر الحركة الإسلامية، والجميع كانوا هناك، فمن هي السلطة التي يفترض أنها تسائل وتحاسب الذين تجاوزوا القانون والدستور؟، فهذا الحزب وحركته الإسلامية لم يحترما القانون والدستور ولم يحتملا الممارسة الديمقراطية في داخلهما، فكيف يحتملان هذه الممارسة في كامل الحياة السياسية ومجمل الحراك في ربوع بلادنا، إن ما حدث في مؤتمر الحركة الإسلامية أعطى الضوء الأخضر لتدشين حملة الارتداد الكامل عن هامش الحريات، و «أهل البيت أولى بالمعروف»، وعلى المعارضة أن تستعد لأسوأ أيامها، فالنظام عملياً يتجاوز القانون وما تبقى من الدستور، ويسعى لإسقاط المعارضة.