كلنا نعلم ما لحق باقتصاد الدولة السودانية من التدمير بعد انقلاب الجبهة الإسلامية وما قبله بقليل، مما ترك أثراً كبيراً على طرق كسب العيش ووسائل الإنتاج الشعبية، باحتكار الموارد والأموال لصالح فئة صفوية قليلة عبر الرأسمالية الطفيلية ذات الصبغة الحزبية، وفقاً لسياسات التمكين المنتهجة وفتح طريق المعاناة أمام الشعب السوداني للمرور عبره، ليس في دارفور فقط، ولكن في مناطق الهامش السوداني. إلا أن لدارفور وضعية مختلفة نظراً لتعرض الإقليم لموجات الجفاف والتصحر وعمليات الاستهداف المباشرة بغرض تدمير الاقتصاد. وبعد تضييق الخناق على المواطن لجأ إلى طرق سلبية منها النهب المسلح- قطاع طرق، وليس الغريب أن تظهر أسواق غريبة وغامضة في المعاملات المالية، ومنها ما يسمى ب «سوق المواسير». وإذا أردنا الخوض في هذا الاتجاه، علينا أن نبدأ بالتساؤل: لماذا ظهرت هذه الأسواق في هذا التوقيت؟ وكيف ومن أين يأتي الدعم؟ ومن خلال البحث في التساؤلات يتضح جلياً التخطيط الدقيق لإنشائها واستخدامها لإغراء المواطنين، باعتبار أن الولاية تعد الأكثر تضرراً من السياسات الاقتصادية الفاسدة والركود المالي ونسب العطالة الكبيرة، فمنطقة بحجم هذه الأزمات الاقتصادية السياسية تكون أكثر استعدادا لاستقبال مثل هذه الأعمال، وفي بداية تأسيسها اعتبرها البعض مشروع الخلاص من الفقر، ويبدو أنها تأسست بمباركة من جهات رسمية، لا سيما أن أغلب وأبرز المؤسسين هم من مرشحي المؤتمر الوطني، وبعضهم استخدم أسلوب الابتزاز لكسب أصوات المتضررين، وتم إغلاق السوق تفرغاً للانتخابات، واستخدام مقولة «صوتك مقابل حقوقك» بمثابة الشعار الانتخابي لهم. والغريب في الأمر هو الانتعاش الاقتصادي السريع للمؤسسين، بعد أن كانوا محدودي الدخل لفترة قريبة لا يمكن فيها إنجاز الكثير من هذه المليارات، وكأن السماء تمطر أموالاً وذهباً. ولسنا في موقف التحقيق، ولكن إغفال دور المواطن في الترويج له أثر سالب في تناول الموضوع، فقد تعامل بعض المواطنين ببساطة معه، وبعضهم ساهم بكل ما يملك للحاق بقطار الثراء السريع والمريح جداً، دون معرفة طبيعة الأعمال، وأين تذهب هذه المليارات وكيف تعود بالأرباح الخرافية؟ وحتى عدم معرفة احتمال الربح والخسارة في الأعمال التجارية، وإذا سلمنا جدلاً باحتمال الربح فقط لا يمكننا تخيل أرباح كبيرة في فترة قصيرة جداً، فلو فكر العملاء قليلا لما شاركوا في هذا العمل المزيف والترويج له، ولكنهم شكلوا العمود الفقري لهذه الأسواق. عموماً كل هذه الأعمال هي جزء من عمليات إعادة إنتاج الأزمة في دارفور لإدخال المنطقة في متاهات اقتصادية خطيرة، ولكن يجب الوعي بأي عمل مشبوه، والعمل بالمثل الإنجليزي (Look before you leap) وقيل إن هناك شخصاً أراد السباحة في النهر ولم يلاحظ أن التمساح في انتظاره، فنزل إلى النهر بلهفة فقضي نحبه. وما يمكن قوله هو ضرورة إقامة المشاريع التنموية حتى لا يستغل الانتهازيون هذه الوضعية في تمرير أجندتهم الإجرامية، وليعش المواطن بكرامته ويذهب الظالمون إلى مزبلة التاريخ. [email protected]