(ومن عجب أن يطالبنا وزير المالية بإقتراح موارد على الموازنة وإحصاءات حول الأجور، وهل هذا هو واجب الإتحاد)، الفقرة بين القوسين جاءت ضمن بيان غير معهود وليس مألوفا، لم يصدره اتحاد معارض للانقاذ ،بل دفع به للرأي العام تنظيم نقابي ظل الحزب الحاكم يهيمن على مفاصله منذ عقدين ويزيد بحسب معارضين،وهو الاتحاد العام لنقابات عمال السودان الذي صب جام غضبه في بيان أصدره امس الاول على الحكومة ووزارة المالية وذلك لتجاهل مطالبه الداعية لرفع الحد الادنى للأجور وتضمينها في ميزانية 2013. التصعيد الواضح في لغة الاتحاد، يبدو بحسب مراقبين امرا جدير بالتوقف عنده وذلك لأنه لم يسبق لتنظيم نقابي في السودان، سيما وان الاتحاد يجلس على رأسه قيادي بالمؤتمر الوطني، لتذهب على اثر ذلك التفسيرات في اتجاهات شتى فهناك من يعتقد ان النقابات باتت على المحك بعد ان أحكمت الأزمة الاقتصادية خناقها على شريحة العاملين بالدولة ،وان هذا الوضع جعل النقابات والاتحادات ومع ارتفاع الأصوات الناقدة للاداء الحكومي من جهات متعددة ترفع هي الاخرى صوتها وذلك حتى لا تفقد ثقة قواعدها ،ويشير أصحاب هذا الرأي الى ان الضعف البائن في اداء النقابات والاتحادات جعل الحكومة لا تلقي لها بالا عند وضع الميزانية ،وان هذا أشعرها بضعفها الذي تريد مبارحة محطته،فيما يعتقد أصحاب الرأي الآخر ان الاتحادات والنقابات اضعف من ان تفرض ارادة العاملين على الدولة وانها لا تملك قدرة مواجهة النظام وان ما يحدث مجرد زر للرماد في العيون الهدف منه تخدير العاملين الى ان تمر عاصفة اجازة الميزانية دون خسائر على النظام. و في موقف يشي بأن ثمة تحول قد حدث في موقف اتحاد عام نقابات السودان الذي يوسم بالسلبية ،رفضه لرفع الدعم عن السلع الأساسية في موازنة العام المالي 2013م ورفضه وضع زيادات على السلع الأساسية المتمثلة في الخبز،السكر والكهرباء،وذلك بعد ان وضع وزير المالية الاتحاد امام خيار واحد لزيادة الحد الادنى من الاجور وهو رفع الدعم عن المحروقات، وكشف رئيس الاتحاد بروفيسور إبراهيم غندور في اجتماعات المجلس العام بالاتحاد عن وجود مشكلة في التواصل مع وزارة المالية في الوقت الحالي، وقال: (التفاهم مع وزارة المالية حول قضايا العمال لم يهتز إلا في عهد وزيرها الحالي، وقضيتنا مع وزير المالية ليست شخصية وإنّما هي خلاف حول استحقاقات العاملين بجميع ولايات البلاد). وأضاف ان حديثنا حول هذا الخلاف ليس للشكوى وإنما لتوضيح رأينا للجميع للاحتكام، ولإطلاعهم على الصورة والخطوات التي سنلجأ إليها اذا لم يتم الاتفاق حول المسائل محل الخلاف. ولكن هل يتوقع ان تأتي الخطوات التي اشار اليها رئيس الاتحاد كتلك التي كانت تقدم عليها النقابات في عهد الديمقراطية الثالثة او كالتي قام بها اتحاد الشغل في تونس ،وهي المتعلقة بالإضرابات والاعتصامات للمطالبة بالحقوق،هنا يستبعد سكرتير نقابة موظفي السكة حديد الاسبق حسن احمد الشيخ في حديث ل(الصحافة) قدرة النقابات والاتحادات الموجودة على فعل ذلك ،مؤكدا انها اضعف من ان تقدم على هكذا مواقف ،مرجعا تأكيده الى ان النقابات والاتحادات الحالية صنيعة النظام الذي قال انه اختار لها بعناية دقيقة شخصيات وصفها ببقاية الاحزاب والانتهازيين وانه أجزل عليهم العطاء ،وزاد:من يتولون امر النقابات لا يمثلون ارادة العاملين. ويطالب اتحاد عام نقابات السودان برفع الحد الادنى للاجور البالغ 165 جنيها والذي يساوي (8.5% ) من التكلفة الحقيقية المعيشة البالغة 1947جنيها في الشهر الواحد وذلك وفقا للمجلس الأعلى للأجور فى تقرير اصدره في أكتوبر الماضى ،يطالب برفعها الى 425 جنيها بالاضافة لمنحة الرئيس (200) جنيها ،الا ان وزير المالية تمسك برفضه تضمين الزيادة المطلوبة في ميزانية 2013 بداعي عدم وجود موارد ،ولتدارك الامر قرر مجلس الوزراء الذي انعقد لإجازة الموازنة 2013م معالجة الأجور خلال الربع الأول من العام القادم ،وصدر قرار اخير يقضي بتكوين لجنة لدراسة هياكل الاجور في الخدمة العامة على ان ترفع تقريرها لمجلس الوزراء نهاية شهر مارس 2013، في وقت اكد فيه رئيس البرلمان تأييدهم زيادة الأجور. الا ان عضو اللجنة المركزية للاتحاد العام لنقابات السودان ورئيس اتحاد عمال ولاية القضارف الدكتور حسن فضل المولى يرى ان القضية لا تستحق دراسة وتكوين لجان ،وقال في حديث امس عبر الهاتف ل(الصحافة) ان الامر لايحتاج لدراسة وانه وبقراءة للواقع يتأكد ان المرتبات لا تكفي لثلاثة ايام ناهيك عن ثلاثين يوما ،معتبرا ان تكوين لجنة لدراسة زيادة الاجور يعني شيئين «اما انها مماطلة لكسب الوقت او هي رفض مبطن»،مؤكدا ان السبيل الوحيد امام النقابات والاتحادات لزيادة الاجور هو اتخاذ موقف قوي ،لافتا الي ان الاجتماعات والوعود لم تعد تجدي نفعا، ويتساءل فضل المولى عن اسباب رفع مخصصات الدستوري الشهرية الى عشرة ألف جنيه في الوقت الذي يتلقى خريج يعمل موظفا بالقطاع العام 300 جنيه ،ويعتقد ان الدولة مطالبة بالتساءل حول كيف (يعيش) من يتقاضى 300 جنيه في الشهر وهي التي اعلنت عن محاربتها للكثير من المخالفات السالبة. ومايعضد حديث البعض حول ان الدولة لن تلتزم بحل القضية حتى الربع الاول من العام القادم ،هو ما اشار اليه وزير الزراعة الاتحادي الدكتور عبد الحليم اسماعيل المتعافي خلال مخاطبته الاول من امس الاجتماع الثاني للجنة المركزية لعمال نقابة الوزارة فقد استبعد زيادة الاجور في الربع الاول من العام القادم وتوقع ان تأتي في النصف الثاني من ذات العام وارجع ذلك الى ما اسماه بطء الاجراءات التنفيذية بالدولة،وحديث المتعافي يعتبره النقابي حسن احمد الشيخ دليلا على ان الحكومة بقرارها الاخير تريد تخدير العاملين حتى تمتص غضبهم وتقطع الطريق بينهم والاعتصامات عن العمل،ولكن في المقابل يتوقع رئيس اتحاد العمال بولاية البحر الاحمر عثمان بلعيد في حديث ل(الصحافة) حل قضية زيادة الاجور دون اللجوء لخيارات اخرى مثل الاعتصامات والاضرابات ،ويعود حسن فضل المولى ويرفض اتهام الاتحادات والنقابات بالضعف مؤكدا ان الامر لا يتعلق بموالاة الحكومة او معارضتها بل بحقوق مشروعة تخص شريحة مؤثرة في المجتمع مؤكدا ان واجب الدولة توفير حياة كريمة للمواطن،وقال»إذا اسرتك في المنزل جوعتك ستخرج منها»