نظم نادي القصة السوداني في اطار نشاطه الاسبوعي، امسية قدمت فيها الاستاذة آمال عباس مستشارة هيئة التحرير بجريدة «الصحافة» تجربها الصحفية. وقدم الأمسية د. احمد صادق مشيراً الى قلة الكتابة النسوية في مجال المذكرات، حيث قدم بعض الاضاءات حول مذكرات الكاتبة خديجة صفوت، وبدأت الاستاذة آمال من حيث انتهى د. أحمد عند كتابة المذكرات، بعد أن عبرت عن سعادتها بتلك الامسية : توقفت الأستاذة آمال عباس في الحلقة السابقة التي تحدثت خلالها عن تجربتها ومسيرتها الادبية والسياسية، عند قيام ثورة مايو التي عبرت عن انحيازها لها، لأنها رفعت شعارات جديدة فواصلت حديثها قائلة: ساهمت في وضع ميثاق العمل الوطني، وفي بناء الاتحاد الاشتراكي، وعلاقتي مع مايو كانت قائمة على اساس فكري بصورة واضحة من خلال معطيات كانت امامنا، واتهمنا البعض بشق الحزب الشيوعي، وكنت ادافع عن نفسي بأن مايو رفعت شعارات تغيير اجتماعي، والعمل السياسي ليس مبرأ من الخطأ ولا يسير حتى النهاية بصورة ناعمة، وطبيعة الصراع الذي كان دائراً والاسئلة التي طرحت حول تغيير عبد الخالق، ووصفه لمايو بأنها حركة برجوازية!! هل كان هذا التقييم سليما ام خطأ؟ ام كانت عملية افترضت الفشل، خططت له وسارت فيه. وفترة مايو كانت تمثل حركة جديدة رفعت شعارات التغيير الاجتماعي والبناء، لذلك الذي حدث في 19 يوليو ما هو دوره في الانحرافات التي ارتكبتها ثورة مايو في مسارها خلال 16 عاما، وفي رأيي ان عملية 19 يوليو كانت مغامرة غير محسوبة النتائج، وكانت مغامرة دفعت ثمنها الحركة القومية في افريقيا كلها، ورد الفعل من قبل مايو كان اقل بكثير من الفعل، لأن مايو على الاقل لم تكن لديها الشجاعة الكاملة، ورجعت عن برنامجها القومي، والاتحاد الاشتراكي انشئ عام 1972م ،ثورة 19 يوليو كان عمرها 6 شهور، ولم ترتفع اصوات تلقي ميثاق العمل الوطني، والاخطاء اللاحقة في رأيي مسؤول عنها اليسار، لأنه ترك الفراغ للعناصر التي أحدثت الصراع الذي أدى لنهايتها عام 1985م. وفي رأيي تجربة مايو مازالت تحتاج لقراءة متجردة خاصة في ظل هذه السنوات التي نعيشها، ليستفيد الناس من ايجابيات تلك التجارب ونبذ سلبياتها، وبعد عام 1985م لم انتم لاي جسم سياسي، وما زلت أصر على اهمية قراءة التجارب السابقة وتقييمها، وما زلت اعتبر ان ماركس قدم للبشرية شيئا كبيرا لا يمكن تجاهله حتى بعد سقوط الاتحاد السوفيتي. ولا نستطيع ان نحكم بسقوط الماركسية من تجربة فيها كثير من الجوانب المشرقة، وما حدث لا يخرج من صراع الاستخبارات في العالم. وبعد قيام الانتفاضة في أبريل كنت اقول انها حركة اليمين الرخيص، اكثر من انها حركة لليسار الديمقراطي.. وما حدث في ابريل 1985 كان انتصارا لحركة الاخوان المسلمين.. وقد انتبهت لذلك منذ تغول الاخوان المسلمين والجبهة الاسلامية على نظام مايو. وكان واضحاً ان تلك العملية من اليمين ونعيش فيها حتى الآن. ومنذ عام 1985 وانا في الهامش.. وبعد خروجي من السجن عام 1988م اشتغلت مع د. الباقر احمد عبد الله في مجلة «الأشقاء»، وكنت أكتب فيها عموداً اسمه «المرافئ الآمنة»، وظللت أبحث عن المرافئ الآمنة حتى الآن، وكل ما مرة تبعد اكثر، وعام 1989 جاءت الانقاذ، وفي 1993م عملت مع الاستاذ نزار عوض في جريدة «فتاتي» و «مساء الخير»، ولكن نظام الانقاذ لم يحتملهما، وبعد توقفهما انشأ نزار شركة دار صباح التي اصدرت صحيفة «آخر خبر»، وفي يناير 1996م عطلتها السلطة، وفي عام 1997م جئت لشركة الأهلة، وكان وقتها قد صدر قانون الصحافة الجديد وسمح بإنشاء صحف سياسية، وترأست تحرير جريدة «المجالس» لمدة عام ثم جريدة «الرأي الآخر» مرة اخرى. ودخلت في تحد وصراع ضارب ومعاناة عجيبة جدا، لكن عزائي ان الشعب السوداني وقف معي وقفة كبيرة.. واستطعت ان اكسر حاجز الخوف. وكنت أبدأ يومي بالشرطة وفي منتصف النهار مكاتب الأمن وآخر النهار مكتب الشكاوى، وبعد ذلك لم يتحمل النظام «الرأي الآخر» وتوقفت الصحيفة، ورجعنا الى الهامش مرة أخرى.. وبعد ذلك بسنة ونصف دخلنا في فكرة الشراكة الذكية، واصدرنا صحيفة «الصحافة التي أعمل بها حتى اليوم». واثارت القضايا التي تحدثت عنها الاستاذة آمال عباس الكثير من النقاش والمداخلات. الأستاذ عثمان أحمد حسن: اشار عثمان الى مانشيتين طلب من الاستاذة القاء الضوء عليهما، احدهما كان بجريدة «أشواق» التي كان يصدرها المرحوم محمد طه محمد أحمد في جامعة الخرطوم، يقول المانشيت: عقب انعقاد اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي شوهدت آمال عباس تشق الجيوب وتلطم الخدود وتدعو بدعوة الجاهلية.. والمانشيت الآخر كتبته آمال في عمودها يقول: للجميع والذين يحاورون بالسكين. ٭ الصحافي أحمد علي بقادي: القى الضوء على الفترة التي تزامن فيها مع آمال عباس، هو في «الميدان» وهي في مجلة «صوت المرأة». وقال انهم كانوا يقدمون مساعدتهم للمجلة، وتحدث عن معاناة الصحافيين وما آلت اليه مهنة الصحافة في السودان من خفض في اللغة والاداء، ووصف هذه المهنة بأنها من أشق المهن في ظل الظروف الراهنة. ٭ الناقد مجذوب عيدروس: قال إن مذكرات آمال عباس أعادته إلى فترة البدايات التي كانت مع الناقد عبد القدوس الخاتم في «الأيام» ثم في «العمق العاشر» مع آمال عباس. واضاف لحدث بقادي أن مسألة تأميم الصحف هي التي اضرت بالصحافة السودانية والصحافيين. ٭ الناقد نادر السماني: قدم نادر سؤالين، واحدا يتعلق بحديث الذكريات الاولى التي ذكرتها آمال حول بداية تعليمها، ومدرسة جدتها التي عملت بها لأول مرة، وطلب إضاءة أكثر لنتائج تلك الفترة. اما سؤاله الثاني فقد كان حول ما اثارته آمال عن تجربة مايو، وقد استفز نادر حديثها عن تجربة مايو ومحاولة تبرئتها، وما ذكرته عن رد فعل مايو تجاه 19 يوليو فقال: «احترم تجربة آمال عباس، ولكن ايضا احترم تاريخ السودان. واعتقد ان حديثك عن مايو يحتاج الوقوف عنده، فنحن لا نستطيع ان نمرر هذا الحديث بسهولة، وبالتأكيد انت غير مطالبة بتبرير فترة وجودك فيها او تبرئة ذاتك، ولكن لا يمكن ان يتحمل واقعنا اليوم حديثك عن مايو باعتبار انها انجاز، لمجرد انها رفعت شعارات التغيير الاجتماعي. ولا يمكن أن تسندي تدهور مايو لردة فعل اليسار، ولا يمكن أن نقول إن مذابح مايو كانت ردة فعل لافعال اليسار. وهذا حقيقة حديث ظالم لاي عادل، بغض النظر عن موقفنا من حركة 19 يوليو، فرد فعل مايو لم يكن اقل بل كان اعنف، وكانت نتائجه وبالاً على السودان، وكانت تعبر عن تجربة قاسية وخطيرة لنظام مايو وللطغمة التي كانت مسيطرة عليه، وأي ديمقراطي لا ينتقد هذه التجربة يصبح غير مبدئي. الأستاذ محمد الجيلاني: قدم شهادة وصف فيها آمال عباس بأنها تختلف عن الوسط الصحافي الذي تسوده روح التآمر، ولكن من غفلاتها، كما ذكر، انها لم تبحث عن مرتكزات مؤسسية للصحافة السودانية تحولها لمؤسسات كالاهرام والدوحة، وهي كانت ضمن مجالس بعض الصحف السودانية. ٭ الأستاذ حسن البطري: تحدث الأستاذ حسن البطري عن شاعرية أسماء الأعمدة عند آمال عباس، وشاعرية المتن الذي تكتبه، وكل من قرأ لآمال يكتشف هذه الكتابة الشاعرية في صفحاتها المطولة، فلا بد أن تحتوي على مقاطع شعرية، وأعرف انها قارئة نهمة للشعر ومنحازة له تماماً، وهي في الأصل شاعرة، وأذكر عندما كنا طلاباً في جامعة الخرطوم، كنا نذهب إليها في مكتبها في الاتحاد الاشتراكي، وقد كان ذاك المكتب ملتقى للشعراء الشباب، وكان مظلة للكثير منهم، أذكر منهم على سبيل المثال ابراهيم محمد زين، أبو بكر الشنقيطي، محمد محمد خير، وغيرهم من الأدباء.