قلنا ونحن نتحدث عن واقع بلدنا الذي لم يعد قادرا على استيعاب ابنائه حين العودة من الاغتراب، ان السنوات الخمس الماضية شهدت موجة عودة الى السودان بعد اتفاقية السلام وتدفق النفط، الا ان الاوضاع تبدلت حيث انفصل الجنوب واشتعلت الحروب في الدمازين وكادقلي، وتوقف النفط، والتهبت الاسعار، وهو بطبيعة الحال مناخ غير مهيأ للعودة النهائية. وفي المقابل ماذا هناك.. ارض الاغتراب ايضا لم تعد جاذبة كما كانت قبل سنوات، حيث مضت دول الخليج وخاصة المملكة العربية السعودية في وضع حزمة من الانظمة والقوانين في مساع حثيثة لتوطين الوظائف، وبما يحد من الاستقرار على اراضيها، حيث تنفذ بصرامة برنامج نطاقات الخاص بتوطين الوظائف، حيث تم تحديد نسب للسعودة بالمؤسسات والشركات والا وضعت في النطاق الاحمر الذي بموجبه لا تجدد الاقامات، ولا تستخرج الاوراق الرسمية، بل ان المغترب عندما تكون مؤسسته في هذا النطاق لا يمكن ان يحصل حتى على تأشيرة خروج، فيما يحرم الابناء من الدراسة كون ان والدهم يحمل رخصة اقامة منتهية الصلاحية. ومضت هذه الاجراءات لتضع وزارة العمل رسماً شهرياً على المغتربين يبلغ 200 ريال، أي ان يدفع المغترب 2400 ريال سنوياً ان هو اراد تجديد اقامته، والا.. فليتوكل على الله ويغادر، ولا يعفى من هذا القرار حتى شركات النظافة والبناء، الا اذا كانت فيها نسبة سعوديين اكثر من 50% وهو امر يصعب تحقيقه، باعتبار ان السعودي لا يمكن له يعمل حلاقاً او جزاراً او فراناً، او حاملا لمواد البناء، الخ المهن التي توصف بانها وضيعة.. فيما يجد كثير من الأسر معاناة حقيقية عند تجديد الاقامة التي يشترط لتجديدها فحص قائمة طويلة من الامراض ابرزها الايدز والكبد الوبائي، ويتم اخضاع الزوجين للفحص وجميع الابناء الذين تزيد اعمارهم عن 18 سنة، وليس مهما ان كنت قد غادرت المملكة او لم تغادرها قبل آخر فحص.. والسعودية لم تتجه الى هذا الاجراء الا بعد خروج احصائيات مرعبة من قبل السلطات السودانية حول واقع مرض الايدز قبل انفصال الجنوب، ولم تقم الجهات السودانية المختصة بتصحيح هذه الارقام حتى يومنا هذا، لذلك تمضي السعودية في تشديد اجراءاتها. نعم حتى لا يعتقد البعض أن جميع المغتربين السودانيين ينعمون برغد العيش وهداوة البال، نقول بغير ذلك، وأمامنا العديد من الحالات التي لا يقوى اصحابها على سداد ايجار الشقة التي يسكنون فيها وسعرها تضاعف كثيراً، فيما تحاصر بعضهم الديون حتى من اصحاب البقالات، ومن بين هؤلاء من فقدوا وظائفهم التي استمروا فيها سنوات طويلة، وربما اصبح العمر لا يسعفهم بالمنافسة لوظائف جديدة، وحينما يدور نقاش حول العودة الى السودان يطول الحديث عن سوء الاوضاع وعدم وجود المسكن، وهم يتناسون في لحظات خدر الواقع المرير الذي يعيشونه خارج بلادهم. ترى هل يمكن للحكومة في بلادنا ان تولي مثل هذه القضايا اهتماماً بالدراسة والتحليل وإيجاد الحلول، أم أن أمر هؤلاء يصبح في جوف النسيان.