ما من بيت سودانى أو أم درمانى على وجه الخصوص لا يعرف الراحلة الفنانة حواء حمد جاه الرسول الشهيرة بحواء الطقطاقة.. وهى لم تدخل كل تلك البيوت مغنية بل سيدة حبيبة محترمة حتى باتت فرداً أصيلاً من كل الأسر السودانية.. كانت الفأل الحسن والزغرودة الندية وسوميتة الجرتق فى كل فرح وفى كل بيت سودانى.. وعلى يديها إزدانت زيجات مباركة لسيدات حرائر هن اليوم أمهات حبوبات، وعلى يديها أيضاً توالت أفراح الأبناء والبنات والأحفاد. ومن مآثر الفنانة الحاجة حواء أنها ظلت متمسكة بالغناء التراثى الموروث الذى يمجد القيم السودانية الأصيلة من شجاعة وكرم ونخوة، ولم ينزلق لسانها قط الى الغناء المبتذل الذى تعلو به فى أيامنا هذى أصوات مشروخة من الشباب والبنات، وقد ساعدها فى هذا الأداء الفنى صوت قوى بشوش يشيع الفرح والطرب معاً. وفى جانب آخر كانت حواء سجلاً فنياً راصداً وموثقاً لأمجاد الحركة الوطنية السودانية.. لم تنكفئ على فنها ولكنها كانت فى قلب معارك الوطن المجيدة منذ قيام مؤتمر الخريجين فى 1938م وشاركت فى جميع مراحل النضال.. وحملة مقاطعة المجلس الاستشارى لشمال السودان فى 1944م.. ومقاطعة الجمعية التشريعية فى 1948م.. الى أن تتوج هذا الدرب الشاق بإعلان الاستقلال فى غرة يناير 1956م، حيث نالت شرف تمثيل كل نساء السودان فى ذاك اليوم المهيب، وهى تجعل من راية الحرية بألوانها الأزرق والأصفر والأخضر ثوباً حاكته بنفسها ووقفت فى طلة بهية وجمال لا تخطئه العين فى ذاك اليوم المشهود الذى وثقته كاميرا الراحل جاد الله جبارة. ارتبطت حواء ارتباطاً وطنياً ووجدانياً وعضوياً بالزعيم الأزهرى وببيته تماماً، كما ارتبطت بكل رموز الحركة الوطنية وأسرهم، ومنذ أن تفتحت عيناى على الدنيا وجدت هذه السيدة النبيلة فى بيتنا شأنى شأن كل أطفال الأسر الأم درمانية والعاصمية، فكانت تشيع البهجة وبشارات الأفراح القادمة كلما أطلت على تلك البيوت، والى وقت قريب كانت تداوم على الاتصال بى هاتفياً لتسأل عن أحوال الأسرة والأهل، وقد أحزننى أن وجدت اتصالاً هاتفياً منها قبل رحيلها ببضعة أسابيع لم انتبه له فى زحمة الحياة التى نعيشها. وأذكر أننى ظللت ألتقيها دوماً فى بيت الزعيم الأزهرى، وفى أمسية متأخرة من عام 2006م كنا نجلس مع شقيقنا الراحل محمد اسماعيل الأزهرى، فأقبلت علينا وقالت إنها تريد أن تجعل من جمعنا شهوداً على وصيتها بأن يخرج جثمانها حين يحين الأجل من بيت الزعيم الذى أحبته، مدثراً بالعلم الذى عشقته، وأن يتولى محمد بنفسه إنزالها فى القبر. وفارقتنا ومضت إلى حال سبيلها ومحمد يذكّرنا بأن نلتقى باكراً لنشارك فى تشييع العم الراحل تاج الدين أبو شامة واصفاً إياه بأنه آخر من تبقى من الجيل المجيد من نواب الحزب الوطنى الاتحادى فى أول انتخابات سودانية، ولكن للأسف كانت تلك آخر لحظات محمد فى الحياة وآخر كلماته، فقد قضى فى حادت مؤسف بعد ذاك الحديث بساعة أو أكثر قليلاً، وبعدها بساعات وقبل أذان الصبح جاءت حواء باكية الى بيت الأزهرى تندب الابن الذى كانت توصيه قبل ساعات بأن يقوم على ساعة رحيلها. وداعاً حواء.. السيدة والفنانة الجميلة.. ونسأل الله أن يتولاك بوافر رحمته.