مرفوعة للحاج الأستاذ قريب الله الزين محمد أحمد قال الامام الشعراني: (وليحذر الانسان من الحياء الطبيعي، فإنه معدود من جملة الكبر عند القوم، وهو ان يستحي الشخص ان يذكر الله تعالى برفع الصوت بحضرة الناس، واكثر من يفعل ذلك اصحاب الانفس كالقضاة والمباشرين ومشائخ العرب، فمثل هؤلاء يجب عليهم الذكر برفع الصوت حتى يخرجوا عن الكبر). قلت: استرداف الامام كان لغلاظ الاكباد الجهلاء اصحاب الايمان (الخفيف الرهيف)، وانا لا اعرف كيف شمل الامام القضاة مع علمهم وفضلهم، اما استهدافه (المباشرين ) فيجد مدخلاً انهم صنائع الحكم اصحاب الولاء وارباب (الميري)! انظر في كلام الامام تصنيف الطبقة العليَّة، ثم وصفة علاج نفسية ترياقاً للبطر والكبر، وان يفعل الانسان عكس ما يمليه (الحياءُ الطبيعي) عليه، بأن يرفع الصوت بذكر الله حتى يخرج عن العيب، اذ ليس امام الله كبير نخشاه، فهو المرجو وحده.. والمعبود المطاع.. قلت: كأن مبلغ تعالي اولئك الناس، الا يراهم احد في حال ضعف وتوسل ابداً، حتى امام القاهر المعبود المتعالي المتكبر، كأنهم بتعاليهم هذا يتعالون على الناس جمعاء. ويترفعون عن فعلهم الطاعة والخضوع، هذا مع يقين انهم في قرارة نفوسهم يعلمون فداحة ما ارتكبوا من خطأ، وانهم ضعفاء اذلاء امام جبورت الله يرجون رحمته، ولكن في السر لا الجهر!! وهذا عين الضلال والمكابرة، خشية الناس، والله احق ان يُخشى.. قلت: هذا يذكرني بما تواتر من جلافة وجهالة صاحب الجاه الذي تنسج المخيلة الشعبية حوله قصة تقول: إن وقت الصلاة حان، واصطف المصلون، وتقدم احد الحضور العلماء اماماً، وكان ليس وجيها، ولا صاحب نسب ولا حسب. وهنا اعترت (صاحبهما) لجهله نعرة الكبر.. فتقدم في حماس دافعاً الرجل الى الوراء.. وتقدم مصلياً بالناس، ناسياً انه (جهلول) لا يعرف القراءة، ولا يحفظ من كتاب الله آية.. ثم كبّر في جهارة ورفع يديه والتفت ناحية صاحبنا الذي اقصاه قائلا في امر: اقرأ..! ربما اكتشف انه لا يحفظ آية..! هكذا هو يريد أن (تجقلب) خيل المسكين، وان يعود الحمد له خالصا!! وهنا يقيناً لا يشكره ويحمده الا الجهلاء، وهو ايضا بطر النفس! لكنه دون حياء!! قلت: يقيناً ان القصة (مفبركة) وكائدة.. لا تخلو من استهداف!! لكنها على كل حال تشرح معنى الكبر الذي أريد بيانه.. والجهل المغيت الذي نعلمه!! قلت: كلام سيدنا الإمام الشعراني يذكرني بالقصة المشهورة التي راجعتها أثناء مراجعاتي لموسوعة القبائل والانساب لاستاذنا العلامة عون الشريف عليه الرحمات، وقد ذكرها منسوبة للعالم الورع الشيخ (أبو دقن) وهو من نعلم فضلاً، ولكن الراجح ان صاحب القصة غيره، اذ الثابت المتواتر ان صاحبها هو الشيخ قريب الله، ونعلم أن هناك من ينسبها للشيخ الصالح مصطفى الدسوقي، لكني اتردد في قبولها لأني لم اجد ما يثبتها، مثلما وجدت عند الشيخ في شعره توثيقاً لا يدخله الشك. تقول القصة: إن الاعيان ورجال الدين والوجهاء كانوا في ضيافة القصر ايام الحاكم العام الانجليزي.. والناس في بهجة وبهارج.. وحان وقت صلاة العصر، فانشغل الناس عنها بمراسم الحفل ومشاعر الغبطة ثم (جلال) الحاكم العام لا يشغلهم عنه شاغل، فكانوا في حومة (الحياء الطبيعي) كما قال الامام الشعراني، ولم يتبادر لهم أن يستجيبوا لوقت الصلاة، لا يريدون ان يعكروا صفو الحفل بالصلاة وقيامها!! وهنا تفتق يقين الشيخ الصالح قريب الله بعدما امتلأ بالغضب لانشغال الناس عن الصلاة في وقتها، فأمر واحداً من مريديه بات يجهر بالأذان، ولم يتردد المريد (فرفع) الأذان في قوة وسط مظاهر الاحتفال الحاشد.. وأسقط في يد الوجهاء ورجال الدين وزلزلت باحة القصر زلزالها.. وصوت الأذان يتعالى يشق السماء بعدما شق قلوب الخانعين الاذلاء. قلت: لا بد لنا من وقفة تراجع فيها احداث ذلك اليوم الفريد، وقد وثقها الشيخ في واحدة من قصائده الجياد.. يفضح فيها أساليب الادعاء. بدأ الشيخ بصيغة اعترافية انه محب (لهيللة الذكر) لا يسأمها، بل هو يعلن حبه جهارة ما دام دعوة للخير وطمعاً في ثوابه، فهو لا يكترث لأقاويل العزال واتهامات الضُلال فأربابهما في عزلة وغفلة وعلة وشرور. أيا عاذلي في حبي هيللة الذكر ضللت ورب البيت عنها ولم تدر بها الروح والريحان في جنة الرضا ومعلنها في الناس داعٍ الى الخير ومن يستحي من ذكرها فهو غافل عليل مريض القلب من نزعة الشر قلت: هذا كان جوهر القضية: تأخير الصلاة عمداً حياءً من الكفر والسلطان!! /1 مكان الحدث: قصر الحاكم العام (السر): السردار. تعرض قوم للوعيد بعمدهم لتركهم المفروض في حفلة السر. /2 الجريمة: تركهم المفروض عمداً استحاءً: اجابوا لداعي الكافرين وأهملوا اجابة داعي الحق للفوز في الحشر / ويدعوهم داعي الصلاة محيعلا فيرمونه جهلاً مضلاً وراء الظهر. /3 العقاب: وعيد الرب.. ثم فضحهم: ومن يستحي من ذكرها فهو غافل عليل مريض القلب من نزعة الشر تفاصيل الحدث: وإن قال بعض منهمو انهضوا بنا نصلي صلاة الفرض قالوا بدري الاستثناء: ورب مصل قام بينهم لما رأى البعض منهم يغمز البعض كي يذري تفصيل الاتهام: /1 اجابوا لداعي الكافرين وأهملوا اجابة داعي الحق للفوز في الحشر /2 وَلِمَ قدموا داعي العبيد وأخروا لدعوته هل كان هذا من الفكر /3 كيف استحوا من غيره وهو حاضر عليهم بما يخفونه من باطن السر المتهمون: وهذا على مرأى مشائخ ديننا ومسمعهم قل أيا حيرة الأمر الخلاصة: /1 فما قدروا الله المهيمن قدره وما نصروه كيف يرجون للنصر /2 فسبحان مَنَّ للبعض أشهد قربه كما حجب الباقين عن ذاك بالقهر قلت: هكذا نتحصل أن أولئك الشيوخ مقهورون طاعة لأرباب الحكم لا لله تعالى، وهم يصرفهم هذا القهر عن تقدير الله وتوقير شعائره، ويدفعهم الى ان يستحوا من غيره وهو اولى، وحاضر، وهم غياب. انظر توافق المفردات ما بين نص الامام وشعر الشيخ: قلت: نجد ان كلام الامام ادانة للبطر وكبر النفس حياءً بتعاليها جهلاً عن الطاعة بالجهر بالخضوع لله.. وكلام الشيخ ادانة لخضوع النفس لغير ذات الله خوفاً. وفي القصيدة مشاهد مسرحية دقيقة في معالجتها وتحليلها النفسي تحتاج منا لأكثر من وقفة متأملة .. وهناك بيت يمدح فيه حمداً الشيخ المريد الذي (رفع) الأذان هو نفسه في شجاعة تستوجب الإشادة ودعوة أن يرعاه الله. وكنت أرجو من شيخنا في نصه أن يكشف لنا حال الحاكم المذهول.. ورد فعله!!!.. لكني أرجم بالغيب حد الجزم انه اصطنع الرضاء (خبثا)، بل هو دهاء ربما يكون قد دفع بعضهم حثاً للاستجابة لداعي الصلاة (تسامح ديني)، وكأنه يريد ان يطفئ نار الجرأة في فعل الشيخ الجليل!! ثم كنت أرجو ان اسمع نبرات القوم وهم يتعللون: بدري !! في انكسار..! وكنت ارجو رؤية الشيخ المؤذن وهو يستجيب في إسراع وحماس دافق الصوت مليئاً بالتحدي للحاكم ولجمهور الاعيان .. طاعةً واستجابةً للحنان.. ثم استرشادا بأمر الشيخ.. قلت: مثل هذه الأبيات كانت اولى بالاعتبار في النصوص.. فهي ملء اوفاضها الجلال المفيض من دينها.. ووطنيتها.. وشجاعتها ... وجزالتها..!! ولكن نحن نعلم أن (الحياء) نفسه يمنعنا من فضح الآخرين.. الأجلاء..!! قالوا: انه لم يتبعه للصلاة سوى رجل واحد.. ثم الشيخ عثمان المديني الذي اذن. قلت: هو أمة في رجل.. قال الشيخ قريب الله مادحا الشيخ عثمان ورفيقه الشيخ زياد: جزى الله عثمان المديني خيره ٭٭ وأعطى لزياد الزيادة في الأجر بأن له في الدين غيرة صادق ٭٭ ولم يكترث فيها بزيد ولا عمر ولم يختشِ في الله لومة لائم ٭٭ إذا حيعل الداعي لمكتوبه العصر قلت: عليهم شآبيب الرحمة فهم أرباب الدين القوي، والشجاعة التامة.