حالت السلطات دون منظمات مجتمع مدني من تنظيم وقفة احتجاجية في الواحدة من ظهيرة امس امام مقر مفوضية حقوق الإنسان ومنعتها من تسليم مذكرة تحتج فيها على التضييق الذي قالت انها تعانيه منذ مدة، الوقفة والمذكرة جاء التفكير فيهما عقب حدثين مفصليين بالنسبة لهذه المنظمات، الأول هو منع عدد منها من عقد اجتماع كان هدفه إنشاء جسم تنسيقي تحت مسمى تجمُّع مُنظمات المجتمع المدني السوداني «الكونفدرالية» في الخامس من ديسمبر الجاري، والثاني اغلاق مركز الدراسات السودانية، والتلويح باغلاق مراكز اخرى في الخامس والعشرين من ذات الشهر. تفاصيل ما جرى جاءت في بيان اصدرته المفوضية القومية لحقوق الإنسان عصر امس ، قالت فيه ان بعض القوات الأمنية والشرطية بدأت تتوافد الى شارع 33 بالعمارات، مقر المفوضية، قبل الموعد المحدد لتسليم المذكرة وأوقفت بعض السيارات الخاصة بها جوار مبنى المفوضية وتواجد عدد كبير من الأفراد أمام مدخل المفوضية.. وكان ان تحدث بعض أفراد القوات الأمنية مع عدد من المفوضين حول المذكرة وأفادوا بأن لديهم تعليمات واضحة بعدم السماح لأحد بدخول المفوضية أو تسليم مذكرة لها. وعلى الرغم من أن المفوضين قد أوضحوا لهم أن استقبال هؤلاء واستلام مذكرتهم هو من صميم اختصاص المفوضية وفقاً لقانونها، الاّ أن هذه القوات ظلت متواجدة ومصرة على موقفها. بعد قليل وصل عدد من منسوبي منظمات المجتمع المدني وتم منعهم من دخول المفوضية، وشكلت القوات الأمنية حاجزاً بشرياً لمنع الدخول الى المفوضية. و بالرغم من خروج السيدة رئيس المفوضية وعدد من المفوضين لاستقبال ممثلي منظمات المجتمع المدني الاّ أن القوات الأمنية منعت ذلك وهددت باغلاق باب المفوضية. وذكر مدير مركز الخاتم عدلان للاستنارة الدكتور الباقر العفيف، ان أفرادًا من جهاز الأمن السوداني «فرّقوا المحتجين بالقوة، ومنعوهم من تسليم المذكرة للمفوضية، واعتقلوا ثلاثة من المحتجين، أطلق سراحهم لاحقًا». وأوضح العفيف في تصريح صحفي أنه «من المقرر أن يعقد ممثلون لمنظمات المجتمع المدني اجتماعًا طارئًا اليوم لتحديد خطوتهم التالية لمناهضة قرار السلطات بحظر هذه المنظمات والتضييق عليها، والذي اتخذته خلال الأسبوعين الماضي والحالي». في حديثه ل» الصحافة» قبل يوم من تقديم المذكرة اوضح الناشط المدني والخبير القانوني الدكتور امين مكي مدني انهم عازمون على تقديم المذكرة من اجل المطالبة بحقوقهم الاساسية، وقال انهم سيطالبون المفوضية بحماية حقوق الإنسان لوقف التغول الذي تمارسه اجهزة حكومية على انشطة المنظمات وداخل دورها ووسط اعضائها. واشار مدني الى ان المنظمات مسجلة وفق القوانين المنظمة لعملها وانها لا تمارس أي اعمال مخالفة للوائحها الداعمة للتوجهات الديمقراطية وصيانة الحقوق المدنية. وتحدث مدني مطولا عن الحملة المنظمة التي تتعرض لها المنظمات دون ان يكون لها سند من قانون ولا دستور ولا قوانين دولية موقع عليها ويلتزم بها السودان، وقال ان الحملة التي تستهدفهم غرضها قطع الطريق امام المنظمات حتى لا تباشر دورها التوعوي والتعبوي في ما يتعلق بالدستور القادم. واشار الى ان النظام الحاكم لا يريد تعبئة وتوعية المواطنين تجاه قضية الدستور «فمن الواضح ان لديه دستورا جاهزا يريد تمريره» ، وقال ان الحكومة ترغب في تمرير مشروع دستور لا يشارك فيه الجميع، واضاف «يريدون تمرير دستور جاهز يشرعن للنظام استمراريته». وحذر مدني من ان الوضع في طريقه لان يزداد سوءا بعد الحملات المنظمة التي تجابه بها الحكومة المنظمات، داعيا الحكومة الى اللجوء الى القضاء بدلا من التشهير بالمنظمات في الاعلام والقول بانها تخدم اغراضا اجنبية أو تسعى في نشاط معادٍ للدولة، واضاف «القضاء موجود وعليها ان تتحرى مع المنظمات وتقدمها للمحاكم»، مشددا على ان المنظمات مسجلة وفقا للقانون وتعمل وفقا لاسس وفي انشطة محددة، وقال انهم سيتوجهون الى مفوضية حقوق الإنسان للمطالبة بحقوقهم الاساسية ، داعيا الى مواصلة الجهود لرفع القيود عن المنظمات بعد الوقفة الاحتجاجية. ولكن الوقفة الاحتجاجية لم تكتمل فقد اوقفتها عصا السلطات كما وضح من بيان المفوضية القومية لحقوق الإنسان ومن قول الباقر العفيف. وكانت «الصحافة» قد توجهت بسؤال مباشر للدكتور امين مكي مدني حول احتمالات فض السلطات لتجمعهم مثلما حدث اوان تجمُّعهم لإنشاء كيان مُنظمات المجتمع المدني السوداني « الكونفدرالية» فقال ان كل شئ وارد، ولكنه تمسك بحقهم في تسليم المذكرة ورفض التقدم بطلب اذن للقيام بما ينتوونه لانهم ليسوا بصدد تسيير مظاهرة . واشار الى انهم سبق وان تقدموا «ثماني عشرة منظمة» بمذكرة للمفوضية واستلمتها منهم بترحاب، والاشارة هنا الى مذكرة ضافية سلمتها عشرون منظمة مجتمع مدني سودانية معنية بحقوق الإنسان، في الثالث عشر من أغسطس الماضي، حول الهجمة الأمنية والعسكرية التي واجهت بها السلطة، تعبيرات الجماهير الاحتجاجية السلمية في شهر يونيو. وهنا لا بد من الاشارة الى موقف المفوضية من تصدي القوات الامنية لاصحاب المذكرة، فقد اوردت في بيانها رفضها الصريح لما حدث ، وقالت «ان المفوضية اذ ترفض هذا التصرف، تؤكد أنه يعد انتهاكاً صارخاً للدستور الانتقالي لعام 2005 ، وقانون المفوضية القومية لحقوق الإنسان لعام 2009 ، وأنه يعد كذلك اعتداءً على حرمة المفوضية وحصانتها، وان مثل هذه التصرفات تحول دون أداء المفوضية للمهام التي أنشئت من أجلها، خاصة أن هذا التصرف قد تكرر من قبل. وتؤكد المفوضية أنها ستتخذ الاجراءات اللازمة لضمان عدم تكرار ذلك».