الزيارة التي ابتدرها نائبا رئيس الجمهورية أمس وشملت تسع دول افريقية، بحسب مراقبين تأتي في إطار بحث السودان عن أرضية لاستعادة قديم علاقته مع إفريقيا بعد انفصال الجنوب، بغية دعم موقفه بشأن القضايا المعلقة بينه ودولة الجنوب الوليدة، هذا اذا أخذنا في الاعتبار أن ملف الدولتين دخل في مضمار الصراع بين مجلس الأمن الدولي والاتحاد الإفريقي، وان بدا هذا الصراع خفيا، ووفقا لما ورد في الأنباء أن النائب الأول لرئيس الجمهورية على عثمان طه سيحط رحاله في عدد من الدول الإفريقية في زيارة تستغرق أربعة أيام تشمل كلاً من كينيا وزيمبابوي ومملكة لوسوتو وجنوب أفريقيا، بينما يزور نائب الرئيس د.الحاج آدم يوسف دول «غانا والكاميرون وساحل العاج وزامبيا وغينيا كوناكري»، فالعنوان العريض لهذه الجولات هو تسليم رسائل الى رؤساء وقادة تلك الدول وبحث سبل العلاقات الثنائية، ولكن العنوان الجانبي لهذه الزيارة وفقا للمعطيات هو إيجاد دعم إفريقي لموقف السودان في المحافل الدولية، سيما بعد الإشارات التي بدأت تلوح في الافق مؤخرا بان الاتحاد الإفريقي كمنظمة فاعلة في السابق وكان لها دور كبير في تجنيب السودان ويلات المواجهة الدولية لكونه وقف مساندا لقضاياه طيلة السنوات الماضية، الآن بدأ يفقد شيئا من بريقه، فوكيل وزارة الخارجية السفير رحمة الله عثمان يقول ل(الصحافة) امس ان زيارة نائبي الرئيس تأتي في سياق تحرك بدأه السودان سابقا تمثل في زيارة وزير الخارجية الى العديد من الدول الإفريقية، واستمر فيه حتى قبل انعقاد القمة الاخيرة بين رئيسي دولتي السودان، وأشار رحمة الله الى ان الزيارات هذه يهدف السودان منها الى توضيح رؤيته خاصة فيما يتعلق بعلاقته مع الجنوب بغية تأكيد حرصه لضمان استمرار علاقة طيبة معه، وضاف»خاصة وان هناك مغالطات كثيرة في إطار ان السودان لا يريد إقامة علاقة مع الجنوب» الشاهد ان السودان بعد تعثر ملف قضاياه مع دولة الجنوب اتجه الى الصعيد الإفريقي لدعم موقفه، وكان وزير الخارجية على كرتي قد نبه كثيرا لأهمية الدور الإفريقي، باعتبار ان انفصال الجنوب احدث شرخا في التماسك الإفريقي تجاه السودان، مما خلق معادلة جديدة وجد السودان الشمالي نفسه في عزلة او يكاد يقع فيها لجهة ان الكثير من الدول الأوربية والغربية هي مساندة بالأساس لدولة الجنوب في كل قضاياه، ضد السودان، حتى قبل الانفصال واستمرت في ذلك بعده، فالجهود الاخيرة التي اتخذها السودان أفلحت في ترجيح كفته لصالح الابقاء على الملف في دهاليز المنظومة الافريقية، بعد ان سعت دول غربية لنقل القضايا بين الدولتين الى مجلس الامن الدولي، وهو امر يجعل السودان في مواجهة غير متكافئة وسيكون عرضة لعقوبات غير متوازنة بحقه، وقد أكدت كل من دول «كينيا، تنزانيا، زمبابوي ولوسوتو» عقب الجولة التي قام بها كرتي، التزامها بحل أفريقي للخلاف بين السودان ودولة جنوب السودان في الإطار الأفريقي وأن التفاوض هو الوسيلة لحل المشكلة، وعبرت عن رغبتها في أن يتم التوصل لاتفاق دائم في الحدود وأبيي، وهنا يقول رحمة الله عثمان «ان هذه الزيارة مهمة لان الجولة الماضية أتت بنتائج كبيرة جدا بعد انعقاد مجلس السلم الافريقي، لان السودان استطاع ان يقنع الأفارقة بضرورة ان يظل الملف في إطار الاتحاد الإفريقي، ونوه عثمان الى ان جولة نائبي الرئيس تزداد أهمية بعد انعقاد القمة الأخيرة بين الرئيسين، وأضاف»افتكر ان التطورات الجارية تتطلب ان يحافظ السودان على ما ما توصل اليه سابقا ويجب ان يؤمن على حرص الأفارقة في عدم تدويل قضايا السودان بأكثر مما حدث» مراقبون للأوضاع يذهبون الى القول بأن السودان الآن في حاجة الى دور إفريقي فاعل، مما يتوجب على المسئولين في الحكومة تكثيف الجهود لتحقيق ذلك، ويرى هؤلاء بأن هذا الدور لا يمكن له ان يتم الا باستحداث آليات جديدة لمخاطبة الدول الإفريقية من بينها الإعلام، وكان وزير الخارجية على كرتي قد نبه إلى ان دولة الجنوب نجحت في كسب ود الأفارقة شعوبا ومسئولين لأنها استطاعت ان تخاطبهم عبر إعلامها المحلي وعبر اللغات التي يفهمونها، ويقول مدير المركز القومي للدراسات العالمية بروفيسور على عيسى «من الملاحظ ان الاتحاد الإفريقي بعد دعمه السابق للسودان في قضية المحكمة الجنائية بدا الآن واضح ان دوره تراجع عن مساندة السودان حتى في قضاياه الداخلية ولم يعد كما كان» وأضاف» بل كان دور الاتحاد الإفريقي أحيانا دوراً سلبياً جدا سيما في ملف القضايا بين السودان وجنوب السودان، وهذا كان واضحاً في تحريك الملف الى مجلس الامن، وبالتالي في مثل هذه الظروف فإن السودان شعر بأن الاتحاد الإفريقي بدأ يفقد دوره، وهو ما تطلب تفعيل دور الدبلوماسية» ويرى عيسى بأن دولة الجنوب استخدمت دورا فاعلا في كسب تأييد الدول الإفريقية عبر خطاب قوي ومؤثر باعتبار ان السودان هو المعتدي عليها، بينما يقول السفير فضل عبيد ان السودان الآن أصبح يبحث عن استعادة العلاقة القديمة مع إفريقيا، لكون ان مجلس الأمن كله الآن يدعم دولة الجنوب ضد السودان في كل القضايا محل الخلاف، وهذا دعا الحكومة بحسب عبيد الى قيادة نشاط نحو إفريقيا بدأه نائب الرئيس الحاج آدم، وكانت لزيارة الحاج نتائج انعكست على القرارات الأخيرة بشأن الملف بين الدولتين واتت اكلها لان الكثير من الدول الأفريقية تفهمت الموقف، وأضاف»نحن في حاجة الى إذاعة وفضائية لمخاطبة أفريقيا بالعديد من اللغات، والجنوب سبقنا وساعده الإعلام الغربي في ذلك «، وفي مقال سابق له يقول الكاتب الصحفي والمحلل السياسي د.عبدالملك النعيم «ان المطلوب الآن من القادة الأفارقة أن يستغلوا علاقتهم بدولة الجنوب الوليدة في تهدئة الحوار، بالقدر الذي يحقق التماسك الأفريقي، ومطلوب أيضاً أن يكون لهم دور داخل مجلس الأمن والسلم الأفريقي، بتبني قرارات عادلة وموضوعية لا متحاملة كما هو الحال عليه الآن في قضية أبيي التي يجب أن تحل داخل الإطار الأفريقي، لا أن يخطفها بعض المحسوبين على دولة الجنوب، ويذهبون بها إلى مجلس الأمن، في حين أن الدول الأفريقية يجب أن تكون حريصة على محاصرتها وحلها داخل البيت الأفريقي، ويضيف عبدالملك» بقدر ما يحتاج السودان لدعم الدول الأفريقية في كل قضاياه، فهي الأخرى تحتاج وحرصاً على مصالح شعبها أن تكون لها علاقات متميزة مع السودان، وألا يكون انفصال جنوب السودان سبباً في تمترس بعض الدول الأفريقية في خندق الدولة الوليدة بعيداً عن مصالحها وعلاقاتها مع السودان»