الأدوية المهمة «الغالية» خارج مظلة التأمين الصحى، وبعضها يتوفر تحت علامات تجارية اخرى «أقل» سعراً، وذلك بغرض تخفيض مساهمة الجهات المشتركة بطريقة غير اخلاقية، وهى بالتأكيد لم تكن محل اتفاق او تعاقد بين المشتركين والصندوق القومى للتأمين الصحى مقدم الخدمة، ومعظم الادوية والمواد الطبية مثل القسطرة و «المبولة» والجلاتين توجد فى صيدليات التأمين الصحى بنوعين، أحداهما «الأعلى سعراً» ليس مخصصاً للمشتركين، والمخصص لحاملى بطاقات التأمين الصحى هو الأرخص، والعمليات الجراحية بعضها خارج المظلة، فعلاج الاسنان والفم لا يخضع كله للتأمين الصحى، وفوق هذا يفاجأ الكثيرون من مراجعى الخدمة باستنفاد اشتراكهم «الحصة»، وبالتالى فإن الخدمة لا تشملهم وعليهم تدبير أمورهم بطريقة أخرى، اذن ما فائدة التأمين الصحى اذا كان «يقطع بيك» فى السكة والمريض فى امس الحاجة اليه؟ وما هى الفلسفة التى تحكم هذه العملية فى السودان؟ اليس في وجود الدولة كمشرف على العملية ما يضمن شفافيتها ونزاهتها وعدالتها باعتبارها أحد المدخلات المهمة لتأكيد اهتمام الدولة بالمواطن، فهذه العملية التى تكتسى وجهاً اخلاقياً وانسانياً، فإن لم تكن من اجل «سواد عيوننا»، فهى تمكن الحكومة من التحدث عن انجازات لا تمولها وتدخل فى اطار التزام الحكومة بتحقيق اهداف الالفية، والتى بسببها تمول الجهات الدولية عدداً من المشروعات الصحية فى قطاعات مختلفة، تقوم الحكومة بتدوير العائد منها فى اطار التزاماتها الحكومية، وفى كل الدول الاخرى التى تدير العملية بكفاءة واقتدار، تتفادى ادارات التأمين الصحى استنفاد حصة المشترك، وذلك بعمل اجراءات صحية «إجبارية» للرعاية الصحية الوقائية للامراض المستفحلة مثل الفحص الدورى «كل شهر» للضغط والسكرى والجهاز الهضمى والكلى والسرطان، فهناك صور ليست مشرفة تحدث يومياً من مقدمى الخدمات الصحية للمشتركين، وعند أخذ الصور التشخيصية ورسم القلب او الاشعة المقطعية غالباً ما تكون الماكينة «معطلة» أو المواد غير «متوفرة»، وفى كثير من الاحيان يتم عمل فحوصات لم يطلبها الطبيب، وهنالك مراكز مشهورة وتتوفر لها إمكانات كبيرة وتشترك فيها مؤسسات حكومية عديدة، والازدحام لدرجة الاكتظاظ ولا يتم تلقى العلاج فى الوقت المناسب، حيث تتراوح فترات الانتظار بين ثلاث ساعات الى ست ساعات أو الى اليوم التالى، لأن طبيب التشخيص يمر مرة واحدة مساءً، وبعض المرضى يتركون «سلة الروح» ويذهبون الى سوق الله أكبر مضطرين وبالذات الاطفال وكبار السن، ولا يتم اخطار المشتركين بالمراكز العلاجية التى يتم انهاء التعاقد معها فى اوقات حرجة بالنسبة للمرضى بسبب تراكم المديونيات على ادارة التأمين الصحى التى بدورها تلقى باللائمة على الجهات المشتركة، فكيف يحرم المشترك من خدمة التأمين بدعوى استنفاد الحصة؟ وكيف يتم احتساب ذلك؟ وهل اكتوارياً يمكنه السحب على حصة يتوقع سدادها فى الشهر القادم ام لا؟ وكيف لا يتم السحب من الفوائض لتغطية العجز، ويتبادر الى الذهن السؤال المشروع: هل من لا يستنفد حصته من التأمين ترد له أمواله؟ وهل تتم محاسبة للاطراف ليعرف كل فرد حسابه؟ «أكثر من 30% من المشتركين لا يترددون للحصول على الخدمة اختيارياً»، وهل يعلن الصندوق كشف حسابات سنوى يكشف فيه الفوائض او العجوزات؟، والجرعة الدوائية لا تتوفر بالتركيز المطلوب لاسباب تجارية، أو لنفاد الصنف الدوائى بالتراكيز المحددة فى روشتة الطبيب، وبعض الصيادلة لا يخفون الفرق عن المريض و «يخيرونه» بين أخذه او تركه، وبعضهم لا يبالى وقد يضاعف «الحبة» الى حبتين، والحقنة الى حقنتين، أو يقسمها الى نصفين رغم المخاطر العلاجية المترتبة على ذلك، وتتوقف خدمة التأمين الصحى بسبب تراكم المديونيات على إدارة التأمين الصحى أو الجهات المشتركة، متى صدر آخر مرة التقرير الاكتوارى؟ وهل لدى الصندوق القومى للتأمين الصحى العدد الكافى من الخبراء الاكتواريين لمتابعة المراكز المالية لمشروعات التأمين والتوجيه لتحسين العلاقة بين الالتزامات وحجم اشتراكات الممولين، ودراسة تأثير التضخم وارتفاع تكلفة العلاج وتحديد الاحتياجات الفعلية بدلاً من التهرب من الالتزامات القانونية تجاه المشتركين وموالاة المخدم والرأفة به على حساب المرضى من المواطنين؟ وهل يتم تحليل العلاقة بين مساهمة المشترك والفئة العمرية والحالة الاجتماعية والنطاق الجغرافى؟ وهل تتم دراسات ومراجعات للعلاقة بين المصروفات التشغيلية للادارات فى مستويات الحكم الاتحادى والولائى؟ والى وقت قريب كانت الدولة تكفل العلاج المجانى لكافة المواطنين، وشيئاً فشيئاً تخلت الحكومة عن التزاماتها واعتمدت صيغة التأمين الصحى بإشراف وزارة الشؤون الاجتماعية، ومن وقت لآخر تعلن وزارة الشؤون الاجتماعية عن ادخال عدد من الاسر تحت مظلة التأمين الصحى دون تعريف لهذه الاسر وعدد افرادها، ودون اعلان عن فئة ادخالهم، وجملة المؤمن لهم «الدائمين» فى آخر احصائية رسمية لا يمثلون الا حوالى 12% من إجمالى سكان السودان «33.419.000» نسمة، على محدودية الفئات التى يغطيها التأمين الصحى، فهو عبارة عن فوضى إدارية ومالية وشبكة من المصالح الضيقة على حساب المواطن والمشترك.