بدأ العد التنازلي لتحديد مواقيت اكثر صرامة، لانعقاد مؤتمر بمدينة نيالا عاصمة جنوب دارفور للتداول والتوصية بشأن النازحين واللاجئين والذين تضرروا جراء النزاع المسلح في دارفور خلال عقد من الزمان، خاصة وان القاعدة المنتجة للاضرار ماتزال متينة ومتماسكة وعصية على التناول. خلال عام ويزيد تمكنت السلطة الاقليمية مع شركائها واصحاب المصلحة في السلام، تمكنت من تقديم نفسها من خلال التدشين، ومؤتمر اهل دارفور الذي أكد على اقرار وثيقة الدوحة، ودعا الى استكمال العملية السلمية بالتواصل مع الأطراف الأخرى للنزاع بالحوار والتفاوض. عملت السلطة الاقليمية ايضا بجدية من خلال البعثة المشتركة لتحديد احتياجات الاقليم في فترة ما بعد النزاع مع تحديد التكلفة الكلية تمهيداً لمؤتمر المانحين بدولة قطر في مقبل الاسابيع، فيما تعمل في ذات الوقت تدشينا لسلطتها التشريعية واستعدادا للتعامل مع احتياجات وحقوق النازحين واللاجئين كقضية مركزية في العملية السلمية. تم تكليف أزهري الطاهر شطة مفوضاً للنازحين واللاجئين، وهو من تولى ملفهم في مفاوضات الدوحة، وذلك في سياق تأسيس السلطة الاقليمية لدارفور. لقد استطاع المفوض وفريقه الاداري، على نحو عاجل من انجاز مقر مقبول للمفوضية وسط مدينة نيالا، وقد رفع عليه علم السودان لتأكيد ان المفوضية ضمن مؤسسات رئاسة الجمهورية والتي يرعى أعمالها رئيس الجمهورية، هذا وقد ورد في وثيقة الدوحة ان رئيس السلطة الاقليمية لدارفور يأتي رابعاً في هرم السلطة العليا للدولة. مع التدابير الادارية فقد اتجهت السلطة الاقليمية الى إعلان قرارها باقامة مؤتمر لمعالجة قضايا النازحين واللاجئين، حيث أصدر د.التجاني سيسي محمد رئيس السلطة قرارا بتكوين لجنة عليا لتسيير أعمال المؤتمر برئاسة مفوض النازحين واللاجئين، وتعمل اللجنة في اطار أنشطتها نحوا من ثماني لجان فرعية. لقد برزت اتجاهات السلطة الاقليمية في التعاون اللصيق مع السلطات الولائية في مؤتمر أهل دارفور حيث تولت ادارة ولاية شمال دارفور تنظيم المؤتمر واستقبال المشاركين وسكنهم وترحيلهم واعاشتهم وتأمين اشخاصهم وتوفير الرعاية الطبية لهم، فيما تعاونت الاطراف المنظمة في القضايا المشتركة مثل الاعلام، تلك التجربة يفيد منها مؤتمر النازحين واللاجئين في جنوب دارفور أيضاً، إذ يتولى الوالي في ولايته شؤون المؤتمر اللوجستية والتنظيمية، على أن للمؤتمر مسؤوليات أخرى على الصعيدين القومي والدولي. إن ما يميز المؤتمر الذي يتداول مشاركوه في شأن النازحين واللاجئين، انه مؤتمر ذو طابع انساني ودولي ويخاطب في ذات الوقت وجدان مواطنين تم ترويعهم بدرجات متفاوتة، وأهدرت كرامتهم الانسانية وفقدوا ممتلكاتهم كما ان ارضهم ماتزال مهددة بالنزع من قبل آخرين بعضهم ليس سودانياً بالميلاد. فوق هذا وذاك، انهم فقدوا الثقة في كل الاطراف التي تحيط بقضاياهم، حيث ان أدنى درجات الشكوك لديهم اتهامهم للآخرين انهم يتجرون في قضاياهم تحت المظلة الانسانية. بالرغم مما تقدم فإن للمؤتمر ضرورته القصوى ولا بديل عنه للاقتراب من قضايا النازحين واللاجئين الذين ظلوا يشعرون على الدوام بالاهمال والبعد عن الوطن ونسائجه الاجتماعية الاقتصادية. إن المؤتمر يخدم غرضين ضروريين: أولهما وضع المبادئ العامة والبنود المختلفة في الفصل الرابع من وثيقة الدوحة (1102م) حول التعويضات وعودة النازحين واللاجئين تحت طائلة المداولات التطبيقية بمشاركة النازحين واللاجئين وبمساهماتهم الفكرية في اثراء النقاش، وتحديد اتجاهات التوصيات، وثانيهما تقديم صورة القبول بأطروحات وثيقة الدوحة بشأن النازحين واللاجئين في اوساط اهل الشأن والمصلحة في السلام بمن في ذلك منظومات المجتمع الدولي. لقد ورد في الفصل الرابع من وثيقة الدوحة اثنتا عشرة مادة (24 45) وتسعة وخمسون بندا (612 -572) وجميعها تؤكد ان النازحين واللاجئين العائدين وجميع ضحايا النزاع، لهم ان يتمتعوا بمساواة كاملة بالحقوق والحريات نفسها على غرار الاشخاص الآخرين في السودان، في ظل القانون الوطني والمواثيق الدولية التي يكون السودان طرفاً فيها. كما يحق لهم ومعهم في ذلك جميع ضحايا النزاع من ذوي الاحتياجات الخاصة بمن في ذلك الاطفال المنفصلين عن ذويهم وغير المصحوبين والنساء اللائي يعلن الاسر، والحوامل، وأمهات الصغار، والمسنين، وذوو الحاجات يحق لهم جميعاً الحماية والمساندة التي تأخذ في الاعتبار حاجاتهم الخاصة. كما يحق لجميع ضحايا النزاع بمن فيهم النازحون واللاجئون، الحصول على تعويض مالي عن الضرر والخسائر التي تكبدوها من جراء الصراع، بما في ذلك ازهاق الارواح، والاصابة الجسدية والمعاناة العقلية والعاطفية والخسائر الاقتصادية. في ظل الظروف الراهنة، اختارت السلطة الاقليمية ان تبدأ معالجة الحقوق المحمية دوليا ووطنيا للنازحين واللاجئين تحت عنوان العودة، باعتبار ان الحقوق الأخرى تجد مساراتها الطبيعية للمعالجة من خلال آليات تنطلق فعالياتها من تجمعات النازحين واللاجئين أنفسهم بارادتهم، وقد بدأوا استعادة مبادراتهم لحياة جديدة، ولكن تبقى التحديات ماثلة امام الجميع!!. لعل أولى تلك التحديات، ان مناخ النزاع الذي أوجد حالتي النزوح الى المدن، واللجوءالى دول الجوار مازال قائماً ومؤثراً بمداخل مختلفة. ان النزاعات المحلية سرعان ما تتطور الى نزاعات أوسع بتدخل أطراف النزاع في دارفور، وفي أغلب الحالات تنتهي الى المزيد من فرص النزوح واللجوء، كما يحدث اليوم في منطقة السريف بني حسين بولاية شمال دارفور. لقد تم التناول الاعلامي في بادئ الامر حول نزاعات شخصية محدودة، ثم تحولت الى نزاع قبلي مسلح. وعندما تدخلت السلطات الرسمية في غيرما نجاح، بسبب العجز أو عدم الرغبة انفتحت الابواب على مصارعها لنزاعات جديدة، وقصد الاساس في كل ذلك، من الذي يصبح سيداً في خاتمة المطاف على ذهب جبل عامر؟. يأتي تالياً لذلك، فشل اجهزة الدولة في سياق تسويق سلام قابل للاستدامة، إن العمليات الانسانية التي ظلت تقوم بها مفوضية العون الانساني والمنظمات والوكالات الانسانية الأخرى، تحت مسمى (العودة الطوعية)، واجهت كل انواع التخريب وأصبحت وصمة، إذ ان بعض تلك العمليات تقدم في صور سياسية اعلامية. يتفق متعهدون مع أطراف حكومية وأطراف نازحة، استثمارياً على عمليات محدودة، تبدأ بترحيل مجموعات باللواري الى مناطق بعينها تحت اضواء الإعلام، ولكن سرعان ما تنتهي تلك العمليات بالعودة الى المعسكرات مجددا، هذا فضلا عن انها عمليات لم تخضع للمراقبة الادارية، أو لأي اساس من اسس المتابعة وتقويم الأداء. ويأتي ثالث التحديات وهي أكثرها شيوعاً، ان النازحين واللاجئين عندما يرغبون طوعاً في العودة الى مناطقهم بتشجيع من السلطات وتسهيلات الادارة الاهلية، أو يذهبون الى زراعتهم التقليدية في موسم الامطار، فإن مجموعات مسلحة تقلق وجودهم وتضطرهم الى العودة للمعسكرات برغم الحماية المبدئية التي توفرها لهم سلطات الشرطة أو القوات المشتركة على الحدود. وذلك على نحو ما حدث في أواسط ديسمبر المنصرم في منطقة امستري بولاية غرب دارفور. أدخلت مجموعات مسلحة ماشيتها في مزارع عائدين طوعاً من اللجوء وذلك قبل الحصاد، وعندما أُبلغت شرطة امستري بذلك، عملت الشرطة ومعها القوات المشتركة على إعادة الأوضاع الى طبيعتها، وفي أثناء المواجهة قتل أحد المعتدين المسلحين. بعودة القوات المشتركة تم حشد مجموعات اضافية من المسلحين وهجموا على قيادة شرطة أمستري مما أدى الى مقتل قائد الشرطة. لدى زيارة وفد حكومي للمنطقة تساءل رجال الادارة الأهلية، أنهم نجحوا في اقناع اللاجئين ليعودوا طوعاً ويزرعوا، ولكن بدلا من حمايتهم تعرضوا للترويع والقتل، فماذا هم قائلون للآخرين من اللاجئين؟. فضلاً عما تقدم فإن التمويل تمثل عقبة كأداء، إذ ماتزال مساهمات حكومة السودان التمويلية في أدنى الدرجات، وسط تطلع دولي ان تكون الحكومة السودانية أول وأكبر المساهمين في العملية التمويلية. الحق ان التعقيدات ستظل تشوب الجهود بشأن اللاجئين والنازحين، ولكن يظل ايضا ان مؤتمر نيالا يأتي ضروريا ضمن الآليات العادلة للتداول حول اقرار حقوق النازحين واللاجئين وجميع ضحايا النزاع وحمايتها وفقاً للقانون الدولي لحقوق الانسان والقانون الدولي الانساني والقوانين الوطنية وتقاليد المجتمع السوداني العريقة في الاغاثة والنفير من أجل استعادة الحقوق والتي تمثلها اليوم بحق منظمات المجتمع المدني.