لجان مقاومة النهود : مليشيا الدعم السريع استباحت المدينة وارتكبت جرائم قتل بدم بارد بحق مواطنين    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    جامعة ابن سينا تصدم الطلاب.. جامعات السوق الأسود والسمسرة    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    بحضور عقار.. رئيس مجلس السيادة يعتمد نتيجة امتحانات الشهادة السودانية للدفعة المؤجلة للعام 2023م    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    احتجز معتقلين في حاويات.. تقرير أممي يدين "انتهاكات مروعة" للجيش السوداني    هجوم المليشيا علي النهود هدفه نهب وسرقة خيرات هذه المنطقة الغنية    عبد العاطي يؤكد على دعم مصر الكامل لأمن واستقرار ووحدة السودان وسلامة أراضيه    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مداخلة حول أوضاع الرعاة والرحل في السودان
رعاة بلا حقوق
نشر في الصحافة يوم 15 - 01 - 2013


«1» سكان السودان وتحديات المستقبل
فى اواخر العام المنصرم 2012م دشن المجلس القومى للسكان وثيقة معلوماتية مهمة بعنوان «سكان السكان وتحديات المستقبل» وصدرت الوثيقة فى كتاب بلغ حجمه «267» صفحة من الحجم المتوسط مكون من عشرة فصول، بالاضافة للمقدمة والملاحق. والكتاب عبارة عن مجموعة من اوراق العمل لخصت جهود ثماني مجموعات عمل ضمت «51» عضواً متنوعى الخبرات والتخصصات، عكفوا على تحليل نتائج الاحصاء السكانى الخامس لجمهورية السودان لاستخراج اهم مؤشراته فى مجال السكان. وحرر الكتاب الخبير الوطنى الدكتور حسن عبد العاطى والذى بذل جهداً خارقاً لتحرير الكتاب، حيث احتاج الأمر الى تلخيص ما يقارب الالف صفحة واختصارها وضبط صياغتها دون التدخل فى الآراء التى تطرحها. ومرَّ الكتاب حسب الافادات التى وردت فى التمهيد بعدد من المراحل، واستغرق إعداده فترة زمنية ليست بالقصيرة خضع خلالها الى نقاش مستفيض فى مراحل مختلفة، وتم التماس رأى ثلاثة من الخبراء السودانيين العاملين فى المنظمات الاقليمية ذات الصلة بالشأن السكانى. وتناول الكتاب قضايا حساسة متعلقة بالسكان والقضايا التنموية المتعلقة بهم، والتى كانت مكان جدل مما اكسب الكتاب اهمية خاصة. وأنا شخصياً أعتبر هذه الوثيقة بالاضافة للاستراتيجية القومية للفقر التى اصدرتها وزارة المالية أواخر عام 2012م، من اهم الوثائق الحكومية التى صدرت خلال العام، وذلك للاسباب الآتية:
1/ قضايا السكان والفقر من القضايا الحساسة، ومعلوماتها من أكثر المعلومات تداولاً، وهى مثيرة للجدل وتمثل على الدوام مدخلاً لتدخل المنظمات الاجنبية ذات الغرض فى الشأن الداخلى، مما يعتبر تهديداً للأمن القومى السوداني.
2/ المعلومات الموثقة فى شأن السكان والفقر عادة شحيحة ومتضاربة ومصدرها فى الغالب جهات ذات غرض فى تشويه سمعة السودان واستهدافه.
3/ حدثت تغيرات ديمغرافية كبيرة اثرت على اوضاع السكان بعد اجازة السياسة القومية للسكان عام 2002م، منها اندلاع الحرب فى دارفور وما ترتب عليها من هجرات ونزوح وانفصال الجنوب واندلاع الحرب فى جنوب كردفان والنيل الازرق والأزمة الاقتصادية، وكلها عوامل نتج عنها حراك سكاني واسع ادى الى تغيير فى الخصائص الديمغرافية والاثنية للسكان يستدعى تعديل السياسة القومية للسكان.
4/ الحاجة الماسة لتحليل نتائج الاحصاء السكانى الخامس، وإدماج محاور السياسة القومية للسكان فى الاستراتيجيات القومية والخطط القطاعية.
وتم فى الكتاب إضافة بابين جديدين حول الرعاة والرحل والنازحين، ويرجع الفضل فى إضافتهم الى الدكتور حسن عبد العاطى محرر الكتاب الذى بإضافته للمجموعتين لفت الانتباه الى إثنين من الفئات الهشة «الرحل والنازحين» والتى تعيش حياة قاسية تحتاج الى تركيز الاهتمام حولها من قبل الدولة. ومهما احتاج الكتاب الى بعض التصويبات وضبط بعض الارقام التى تأثرت بانفصال الجنوب، لكنه يظل وثيقة مهمة تسد ثغرة معلوماتية كبيرة للباحثين وواضعى السياسات.
«2» الرعاة والرحل حقائق وارقام
الرحل والرعاة هم سكان البوادى الذين تقوم وظيفتهم على تربية الحيوان والانتفاع منه، يقول ابن خلدون فى مقدمته فى باب العمران البدوى «اعلم ان اختلاف الاجيال فى أحوالهم إنما هو باختلاف نحلتهم من المعاش، فمنهم من ينتحل القيام على الحيوان من الغنم والبقر والماعز والإبل لنتاجها واستخراج فضلاتها، وهؤلاء القائمون على الفلح والحيوان تدعوهم الضرورة ولا بد إلى البدو لأنه متسع لما لا يتسع له الحواضر» ويرى ابن خلدون ان البدو اقدم من الحضر وسابق عليه، والبادية اصل العمران والامصار مدد لها، إذ ان اهل البادية هم المقتصرون على الضرورى فى احوالهم العاجزين عما فوقه، اما وجود المدن والامصار فهو من عوائد الترف والدعة والتى هى متأخرة عن عوائد الضرورة المعاشية. ويرى الدكتور حامد البشير ان البداوة واستئناس الحيوان نوع من انواع الزراعة، حيث اورد فى ورقته المهمة حول تجارب الرعى العابر للحدود فى العالم ما يلى:
«ترجع جذور البداوة إلى الثورة النيوليثية (Neolithic) وهي الثورة الأولى التي أحدثت التحول من مجتمعات الجمع والالتقاط إلى الزراعة. وبالتالي فإن البداوة أو استئناس الحيوان تعتبر نوعاً من أنواع الزراعة، وترجع في تاريخها إلى حوالى عشرة آلاف سنة، حيث تشير الدلائل المتوفرة إلى بداياتها في المناطق الإستوائية في الجنوب وجنوب غرب آسيا وشمال ووسط إفريقيا وأمريكا الوسطى. والبداوة هي في النهاية طابع ونمط حياة لا يقتصر على عملية رعي الحيوانات فحسب، بل لها ثقافتها وتقاليدها الراسخة. وتنقسم البدواة إلى ثلاثة أقسام رئيسية:
1/ البداوة الكاملة: وهي ذلك النمط من الحياة الرعوية التي تنتقل فيها الأسرة بكاملها مع القطيع.
2/ البداوة الجزئية: وهي ذلك النمط الذي ينتقل فيه جزء من الأسرة مع القطيع في أوقات موسمية محددة.
3/ النقلة (Transhumance): وهنا عادة ما تتم عملية الرعي من قاعدة ثابتة هي القرية إلى مواقع محددة للرعي ثم رجوعاً مرة أخرى للقرية.
أما التعريف الكلاسيكى للرعاة فهو أن الرعاة هم «الذين يعتمد دخلهم كلياً أو بشكل غالب على الحيوان والموارد الطبيعية وتعتمد حياتهم على التجوال». وقانون تنظيم المزارعين والرعاة 1992م عرف الراعى بأنه: «كل شخص يتعامل فى تربية الحيوان ويمارس ذلك بشخصه»، اما قانون تنظيمات اصحاب مهن الانتاج الزراعى والحيوانى لسنة 2011م فقد اطلق صاحب مهنة الانتاج الحيوانى على الراعى واعطاه تعريفين هما:
1/ اى منتج يملك ثروة حيوانية مستأنسة رعوية أو زراعية أو مغلقة أو مزرعة دواجن أو أسماك أو حيوانات برية.
2/ كل شخص يمتهن تربية الحيوان ويباشرها او بموجب اتفاق مع مالك الثروة الحيوانية.
والتعداد السكانى الخامس قدر الرحل فى السودان بحوالى 2.8 مليون نسمة يمثلون 7.1% من مجموع السكان قبل الانفصال مقابل 11.9% فى تعداد 1983 و13% من نسبة السكان فى تعداد 1956م، مما يعنى انخفاض فى نسبة الرعاة والرحل فى السودان مع مرور الزمن، لكن بالنسبة لنا الرعى والترحال ليس نمطاً اقتصادياً يقوم على تربية الحيوان فحسب، إنما هو منظومة متكاملة من الحياة الثقافية والاجتماعية لقطاع معتبر وفاعل من سكان السودان، ويتركز رعاة السودان حسب بيانات التعداد السكانى الخامس فى ولايات دارفور الكبرى 57%، وكردفان الكبرى 19%، وولايات شرق السودان 17%، وتتوزع نسبة ال 7% المتبقية فى بقية ولايات السودان. ومما يجدر الانتباه اليه ان الرعاة حسب نسب توزيعهم المذكورة اعلاه يتركزون فى ولايات تشهد صراعات مسلحة تقودها جماعات متمردة على الدولة، مما يستدعى الانتباه الى هذه الشريحة والاهتمام بها قبل ان يتفاقم شعورها بالتهميش وعدم الرضاء بالاحوال التى تعيشها، فيدفعها الامر الى التشكل السياسى بفعل المؤثرات التى تحيط بها، وقد تتحول الشريحة بأكملها الى حركة مطلبية او سياسية متأثرة بالحركات التى تحيط بها، مع الوضع فى الاعتبار ان البدو هم اكثر المجموعات السكانية خشونة وميلاً نحو العنف والاصطفاف الإثنى، وذلك لطبيعة الحياة القاسية التى يعيشونها وحاجة الفرد دائما الى الاستنصار بعُصبته وقبيلته، وتلك صفة قديمة فى البدو. يقول ابن خلدون فى مقدمته الفصل الخامس ص 125طبعة دار الفكر: «اهل البدو لتفردهم عن المجتمع وتوحشهم فى الضواحى وبعدهم عن الحامية وانتبادهم عن الاسوار والأبواب، قائمون بالمدافعة عن انفسهم لا يكِلونها الى سِواهم ولا يثقون فيها بغيرهم، فهم دائماً يحملون السلاح ويتلفتون عن كل جانب فى الطُرق، ويتجافون عن الهُجُوع إلا غِراراً فى المجالس وعلى الرِحَال وفوق الاقتاب ويتوجسون للنبات والهيعات، ويتفردون فى القفر والبيداء مُدلين ببأسِهِم واثقين بأنفُسِهِم، قد صار لهُمُ البأسُ خُلُقاً والشجاعة سَجية يرجعُونَ اليها متى دَعَاهُم داعٍ أو استنفرهم صارخ» وتدل حوادث الايام السابقة بين المسيرية اولاد سرور وأولاد هيبان فى الفولة وبين الرزيقات المحاميد وبنى حسين فى جبل عامر وحادث محكمة نيالا وغيرها من الحوادث، على صدق ما نقول والى عنف هذه المجموعات البدوية وخطورتها إذا ما تمت تعبئتها تعبئة سياسية سالبة، بل تاريخاً عُرف عن البدو البقارة دور كبير فى تدمير الممالك السودانية والسلطنات، ودور كبير فى نصرة المهدية. ومن ناحية اقتصادية للبدو الرحل اهمية خاصة فى الاقتصاد السودانى، إذ يملكون ما بين 70 80% من القطيع القومى مقابل 90% من القطيع فى السبعينيات من القرن الماضى، وحسب ما اورده دكتور حسن عبد العاطى 85% من الرحل ينخرطون فى عمل فعلى، لكن 70% منهم يتركزون فى الانشطة الاولية التى لا تحتاج الى مهارات، كما ان الرحل من اهم مكونات سكان منطقة التماس الغنية بالموارد، ويطلق عليها البعض حزام الموارد فى السودان، إذ تضم 55% من القطيع القومى، وكل حزام الصمغ العربى وكل حزام الزراعة المطرية الآلية وكميات وافرة من المعادن ومساحات واسعة من المراعى الطبيعية والغابات، وهم كذلك اداة ربط ثقافى واجتماعى بين الشمال والجنوب يتحركون الى المناطق الحدودية، ويمكن ان يستمر توغلهم فى فترة الصيف الى عمق دولة الجنوب لو تم تطبيق اتفاقية حالة حركة المواطنين بين الدولتين «إتفاقية الحريات الأربع». وتعرض الرحل لصدمات قاسية بسبب الكوارث الطبيعية والاضطرابات الامنية، وانفصال الجنوب جعلهم يحاولون تكييف احوالهم لمواجهة هذه التقلبات، ومن بين هذه المحاولات امتهانهم مهناً بديلة للرعى كالزراعة والأعمال الهامشية فى المدن والانخراط فى اقتصاد السوق، والمرحلة الحرجة التى يمر بها الرحل الآن هى مدعاة لتدخل الدولة وإدماج قضاياهم فى التخطيط القومى والقطاعى، وانتهاج سياسات تنموية تضع لهم اعتباراً خاصاً، خاصة فى مجال خدمات التعليم والصحة والمشاركة فى القرار السياسى، مما يعنى التخلى عن ما سماه دكتور شريف حرير: «سياسة تركهم فى حالهم» فلو اخذنا التعليم والصحة مؤشراً لانحدار الرعاة والرحل الى قاع المجتمع السودانى من حيث إهدار الحقوق، فإن كتاب «سكان السودان وتحديات المستقبل» الذى اصدره المجلس القومى للسكان بين أن 78% من الرحل اميون تماماً وهو ما يعادل ضعف المعدل الوطنى للأمية «38.8%». و 91% من الرحل لم يلتحقوا مطلقاً بالمدارس، 1.5% فقط من الرحل حصل على تعليم فوق الثانوى و2.9% منهم نالوا تعليماً ثانوياً و15.5% منهم نالوا تعليم اساس، او هم منخرطون فيه الآن، و22% نالوا تعليم خلاوى، أما الصحة فخدمات الصحة موجهة للحيوان دون الانسان، وحسب الاحصاء السكانى 77% من اسر الرحل لا يتوفر لها ماء من موارد صحية نظيفة، و16% فقط يستطيعون الحصول على الماء من مصادر غير مكشوفة مثل الآبار الارتوازية والدوانكى والمضخات اليدوية. ومعدل الوفيات بين الرضع والنساء اثناء الحمل والولادة يزيد بأكثر من الضعف عن المتوسط العام للسكان، وهو مرتفع جدا فى ولايتى جنوب دارفور وكسلا.
«3» الرعاة والرحل واللعنات الثلاث
يعيش البدو الرحل فى السودان متأثرين بثلاث من اللعنات، هى لعنة الحروب والنزاعات القبلية، لعنة البترول والتوسع الزراعى، ولعنة المفهوم القاصر لموظفى الدولة. وسوف نتعرض لها باختصار شديد.
أولاً: لعنة الحروب والنزاعات القبلية:
يتركز توزيع الرعاة كما جاء فى الوثيقة التى اصدرها المجلس القومى للسكان فى ثلاث مناطق هى: دارفور الكبرى 57%، كردفان الكبرى19% وولايات شرق السودان 17%، وهى مناطق شهدت حروباً قادتها حركات مسلحة خارجة على الدولة، واصبح كثير من المناطق التى كان البدو يتخذونها مراعي مفتوحة لمواشيهم مأوى للحركات المسلحة المتمردة على الدولة، وصارت المواشى مصدراً سهلاً لتمويل هذه الحركات وهدفاً من اهدافها، كما أن دفاع الرعاة الرحل عن مواشيهم وانفسهم او مناصرتهم للحكومة عرضهم لخسارات كبيرة فى الارواح والاموال، كما أن المجتمعات البدوية اصبحت سوقاً مفتوحاً للسلاح الذى تعرضه الحركات المسلحة ويحصل عليه الرعاة من تجار السلاح، وأدى انتشار السلاح الى تفاقم النزاعات القبلية العنيفة والدامية بين القبائل «كما حدث بين الترجم والهبانية والريزيقات والمسيرية والمحاميد وبنى حسين»، بل حتى بين بطون القبيلة الواحدة مثلما حدث بين المسيرية اولاد سرور والمسيرية اولاد هيبان فى الفولة، وهى نزاعات اُستخدمت فيها جميع انواع الاسلحة الثقيلة.
ثانياً: لعنة البترول والزراعة:
التنقيب الواسع عن البترول فى حزام التماس أو حزام البقارة كما يطلق عليه البعض وتمدد الزراعة المطرية الآلية، غالباً ما يكون على حساب المراعى، وغالباً ما تكون له آثار بيئية ضارة بالثروة الحيوانية، وفى ظل عدم وجود مصادر مياه كافية فى المراعى البعيدة عن الزراعة وفقدان الرعاة لمراعى الجنوب بسبب الانفصال، فإن الرعاة أصبحوا محاصرين فى مراعٍ ضيقة غير مزودة بمصادر مياة كافية، مما فتح المجال للنزاع بين الرعاة والمزارعين، ونزاع واحتكاك بين الرعاة أنفسهم، مع العلم ان البدو يستغلون فى الغالب اراضى هامشية لا تصلح للأغراض الأخرى، فالامر يستدعى تدخلات حكومية تنموية بغرض تحسين البنية التحتية وتحسين الخدمات فى مناطق الرعى التقليدى، وكذلك تنظيم استخدامات الارض بين الرعى والزراعة لتتناسب مع الدور الاقتصادى المنتظر من القطاع الرعوى الذى يمكن ان يرفد ميزانية الدولة بالعملة الصعبة.
ثالثاً: لعنة الفهم المنقوص لموظفى الدولة:
الجدل الدائر حول أهمية تطوير القطاع الرعوى يطغى عليه دائماً فهم موظفى الدولة من البيطريين والاقتصاديين الذين يسعون الى تحقيق الحد الاقصى من الربح واستغلال الثروة الحيوانية لزيادة الناتج الإجمالى القومى، مما جعل سياسات الحكومة تجاه الرحل تهتم بالحيوان اكثر من مالكه، فيتجاهل التخطيط التنموى للدولة احتياجات الرعاة الخدمية والتنموية، ويهمل تمويل القطاع الرعوى وتحسين بنيته التحتية، كما ظل الرعاة من ناحية سياسية بعيدين كل البعد عن الفعل السياسى ومراكز اتخاذ القرار، مما جعلهم يشعرون بالغربة عن الدولة التى ينتمون اليها فلا يتفاعلون ببرامجها، وحتى تنظيمات الرعاة استولى عليها الموظفون والافندية ولم تعد تعبر عنهم بدقة، وربما قادها من لم يسبق له العيش فى البادية، وهذه قضية لابد من معالجتها عند إنفاذ قانون اصحاب مهن الانتاج الزراعى والحيوانى الجديد.
مظلومون ولا أسامة لهم
الوزير أسامة عبد الله وزير الموارد المائية والسدود، بذل جهداً كبيراً لاستقطاب رأس المال العربى وتوظيفه فى مشروعات تنموية كبرى مثل سد مروى وتعلية خزان الروصيرص وبناء سد أعالى عطبرة وستيت وتمويل حفر ترعتى كنانة والرهد، وهو بذلك استحق الوسام الذى قلده له رئيس الجمهورية، غير أن أسامة أبان أن عقليته عقلية حضرية ليست فيها مساحة لتنمية البدو، ونحن باسم البدو نستصرخه ونقول له اخى اسامة اهلك البدو ينادون وا أُساماه، ويطالبون أن تشملهم التنمية، فهم ينتظرون تدشين مشروعات تنموية كبيرة تستهدف الرعاة وتحسين البنية التحتية للقطاع الرعوى، مثل مصادر المياه والخدمات التعليمية والصحية وإدماجهم فى المجتمع وزيادة وعيهم، فبيانات التعداد السكاني الخامس بينت أن الرعاة تعرضوا لصدمات عنيفة خلال السنوات السابقة جعلت من الرعى مهنة طاردة لأصحابها، والرعاة يعانون من مشكلات التخلف وضعف التنمية والأمية وقلة الخدمات الصحية، كما تعرضوا للنزوح القسرى من المناطق التي ألفوها، وفقدوا مراعى خصبة فى الجنوب، ولم تتوفر لهم مراعى بديلة، وعانوا من الإقصاء والتهميش، وينتظرون شمولهم بالتنمية عن طريق تدخلات تنموية كبيرة.
* مركز دراسات التماس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.