قبائل وأحزاب سياسية خسرت بإتباع مشروع آل دقلو    النصر الشعديناب يعيد قيد أبرز نجومه ويدعم صفوفه استعداداً للموسم الجديد بالدامر    المريخ يواجه البوليس الرواندي وديا    ريجي كامب وتهئية العوامل النفسية والمعنوية لمعركة الجاموس…    لجنة أمن ولاية الخرطوم: ضبطيات تتعلق بالسرقات وتوقيف أعداد كبيرة من المتعاونين    فاجعة في السودان    ما حقيقة وصول الميليشيا محيط القيادة العامة بالفاشر؟..مصدر عسكري يوضّح    "المصباح" يكشف عن تطوّر مثير بشأن قيادات الميليشيا    هجوم الدوحة والعقيدة الإسرائيلية الجديدة.. «رب ضارة نافعة»    هل سيؤدي إغلاق المدارس إلى التخفيف من حدة الوباء؟!    الخارجية: رئيس الوزراء يعود للبلاد بعد تجاوز وعكة صحية خلال زيارته للسعودية    الأمر لا يتعلق بالإسلاميين أو الشيوعيين أو غيرهم    الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يستقبل رئيس وزراء السودان في الرياض    شاهد بالفيديو.. فنانة سودانية تنفجر غضباً من تحسس النساء لرأسها أثناء إحيائها حفل غنائي: (دي باروكة دا ما شعري)    الخلافات تشتعل بين مدرب الهلال ومساعده عقب خسارة "سيكافا".. الروماني يتهم خالد بخيت بتسريب ما يجري في المعسكر للإعلام ويصرح: (إما أنا أو بخيت)    شاهد بالصورة والفيديو.. بأزياء مثيرة.. تيكتوكر سودانية تخرج وترد على سخرية بعض الفتيات: (أنا ما بتاجر بأعضائي عشان أكل وأشرب وتستاهلن الشتات عبرة وعظة)    تعاون مصري سوداني في مجال الكهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. حصلت على أموال طائلة من النقطة.. الفنانة فهيمة عبد الله تغني و"صراف آلي" من المال تحتها على الأرض وساخرون: (مغارز لطليقها)    شاهد بالفيديو.. شيخ الأمين: (في دعامي بدلعو؟ لهذا السبب استقبلت الدعامة.. أملك منزل في لندن ورغم ذلك فضلت البقاء في أصعب أوقات الحرب.. كنت تحت حراسة الاستخبارات وخرجت من السودان بطائرة عسكرية)    ترامب : بوتين خذلني.. وسننهي حرب غزة    أول دولة تهدد بالانسحاب من كأس العالم 2026 في حال مشاركة إسرائيل    900 دولار في الساعة... الوظيفة التي قلبت موازين الرواتب حول العالم!    "نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت    إحباط محاولة تهريب وقود ومواد تموينية إلى مناطق سيطرة الدعم السريع    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل خاص حضره جمهور غفير من الشباب.. فتاة سودانية تدخل في وصلة رقص مثيرة بمؤخرتها وتغمر الفنانة بأموال النقطة وساخرون: (شكلها مشت للدكتور المصري)    محمد صلاح يكتب التاريخ ب"6 دقائق" ويسجل سابقة لفرق إنجلترا    السعودية وباكستان توقعان اتفاقية دفاع مشترك    المالية تؤكد دعم توطين العلاج داخل البلاد    غادر المستشفى بعد أن تعافي رئيس الوزراء من وعكة صحية في الرياض    تحالف خطير.. كييف تُسَلِّح الدعم السريع وتسير نحو الاعتراف بتأسيس!    دوري الأبطال.. مبابي يقود ريال مدريد لفوز صعب على مارسيليا    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا ود القضارف يسخر من الشاب السوداني الذي زعم أنه المهدي المنتظر: (اسمك يدل على أنك بتاع مرور والمهدي ما نازح في مصر وما عامل "آي لاينر" زيك)    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    ريال مدريد يواجه مرسيليا في بداية مشواره بدوري أبطال أوروبا    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    شاهد بالصور.. زواج فتاة "سودانية" من شاب "بنغالي" يشعل مواقع التواصل وإحدى المتابعات تكشف تفاصيل هامة عن العريس: (اخصائي مهن طبية ويملك جنسية إحدى الدول الأوروبية والعروس سليلة أعرق الأسر)    الشرطة تضع حداً لعصابة النشل والخطف بصينية جسر الحلفايا    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    عثمان ميرغني يكتب: "اللعب مع الكبار"..    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    تخصيص مستشفى الأطفال أمدرمان كمركز عزل لعلاج حمى الضنك    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رعاة بلا حدود: حول إشكالية البدو الرحل بعد إنفصال جنوب السودان3-3 .. بقلم: د. حامد البشير إبراهيم
نشر في سودانيل يوم 03 - 01 - 2012


[email protected]
توصيات وإطار مقترح لتنظيم الرعي بين دولتي السودان وجنوب السودان
مبادئ عامة:
- إدارة الحدود: لابد من زيادة نقاط المراقبة على طول الحدود بين الدولتين، وبالطبع يجب الإنتهاء من ترسيم الحدود دون إبطاء لأرتباط ذلك بحركة البدو التي لا تحتمل التأخير طالما أن الإنتقال نحو الجنوب بالنسبة لمواشيهم مسألة حياة أو موت.
- لابد من شمول التنمية في البلدين (السودان والسودان الجنوبي) للبدو من الطرفين في مشاريع كبيرة.
- الإهتمام بقضايا البيئة والتحولات المناخية.
- إنهاء التهميش السياسي و التنموي للبدو . وطالما إن إسهام البدو ضروري في إقتصاد الوطن فلابد من الإهتمام بالقطاع الرعوي في كلياته (الإنسان والحيوان معاً) وفي تداخله مع القطاعات الأخرى وإسهامه في الإقتصاد والإجتماع والسياسة في السودان. لابد من وضع ذلك في الإعتبار في خطط التنمية الشاملة التي تستهدف هذا القطاع لا عن طريق الخدمات المجزأة من شاكلة "عطية المزين" أو الهبات والإكراميات التنموية.
مبادئ إستراتيجية:
- الإهتمام بالتنمية على جانبي الحدود في البلدين. على دولتي الجوار (السودان والسودان الجنوبي) الولوج في مشاريع تنموية على طول الحدود، تستهدف النهوض بالقطاع الرعوي وفك التهميش والإقصاء والعزلة التنموية المفروضة عليه مباشرة من خلال الإنحياز التنموي التلقائي للمجتمعات المستقرة. إن فرص التنمية (مثل البنى التحتية والخدمات الإجتماعية) من شأنها تحقيق الإستقرار والتواصل والسلام الإجتماعي في المجتمعات البدوية الرعوية وفيما بينها والآخرين.
- التعاون في مجالات البحث العلمي حول في مجالات الرعي والماشية بين البلدين.
- إنشاء قاعدة بيانات مشتركة للإستفادة منها في تنظيم حركة الرعي بين حدود البلدين.
في المجال الإداري والتنفيذي:
- إنشاء هيئة حكومية مشتركة بين الدوليتن لتفعيل الأطر والترتيبات الإدارية والتنظيمية على أن تجتمع أربعة مرات في العام، وتنوب عنها سكرتارية تلتقي مرة كل شهرين خلال العامين الأولين.
- عقد مؤتمرات سنوية للقبائل المتداخلة المتواصلة بين الجانبين.
- مؤتمرات دورية بين الشمال والجنوب لمراجعة السياسات والترتيبات المرتبطة بالتداخل الحدودي ومشاكله.
- إنشاء إدارات لتنمية وتطوير الرحل في الدولتين المتجاورتين للإستجابة لقضايا التنمية لهذا القطاع الهام في إقتصاد وإجتماع وسياسة الدول المتجاورة، تتولى الإشراف العام لشئون البدو وإدارة العلاقات البينية في إطار الدوليتن.
- تطعيم وتحصين الماشية بشهادات موثقة من قبل عبورها للحدود الدولية.
- الإبقاء على الأعراف التقليدية على مستوى المجتمعات المحلية المنظمة لأنماط وسبل إستغلال الموارد الطبيعية (المراعي والمياه) في مناطق التماس التواصل قبل الإنفصال في يوليو 2011. لابد من تنشيط والإبقاء على الترتيبات الأهلية القبلية بين القبائل المتجاورة على جانبي الوطن الواحد الذي أضحى مقسماً إلى أثنين، لأن تقسيم الوطن سياسياً ليس بالضرورة يعني تقسيم المجتمعات المحلية أو تقسيم الثقافة. هذه الترتيبات الراسخة بين المجموعات المتجاورة ضرورية في حفظ السلم الأهلي على المستوى القاعدي وإثراء أساليب المثاقفة والمساكنة وفض النزاعات وغيرها من الترتيبات والتعويضات الناجمة عن الصراع والتجاوزات مثل دفع الدية وتنظيم إستغلالات موارد المياه وخلق التناغم الضروري بين الزراعة المتنقلة والرعي المتنقل وغيرها من الخصوصيات الإقتصادية الإجتماعية التي تميز المجتمعات الرعوية والفلاحية والتداخل بينها.
- لابد من منح منظمات المجتمع المدني الناشطة على المستوى القاعدي للمجتمعات المحلية الفرصة للعب دور أكبر في عمليات بناء السلام والتفاوض والوساطة وفض النزاع بين مختلف المجتمعات الإثنية وبين الرعاة الوافدين والمستضيفين. إن من قدر الدول الإفريقية أن تعامل في آن واحد مع تياري العولمة (الحداثة) والتقليدية ليس في الإجتماع أو السياسة بل في الإقتصاد حيث يمثل الرعي والبداوة سبل كسب عيش للملايين من السكان، والسودان ليس إستنثاءاً في ذلك. إن حركة الترحال والبداوة، ليست حركة عشوائية إعتباطية تحركها رغبة الناس في التجول أو عدم الإستقرار، بل تفرضها معطيات بيئية دقيقة في التوازن والتداخل تشمل الماء والكلأ وتجنب الذبابة الضارة بالحيوان، وبالتالي، يتعامل البدو مع الواقع حولهم كمنظومة بيئية لا كمنظومة سياسية، وبالتالي فإن حراكهم حتمي وضروري لبقاء حيواناتهم وربما لبقائهم أنفسهم.
- خلق برامج تدريب نوعية مجتمعية للقيادات المحلية من البدو في سبل فض النزاعات التي تنشأ بين الرعاة من الطرفين أو بين الرعاة والمزارعين المتجاورين.
- السماح للبدو من الطرفين بإصطحاب الكوادر الفنية من الأطباء البيطريين والكوادر الطبية والبيطرية الوسيطة التي ترافق الرعاة إثناء ترحالهم العابر للحدود الدولية.
- إن مبدأ عدالة حقوق الإنسان (المتنقل والمستقر على السواء) تقتضي التمتع بالحقوق الاساسية لكل فرد ومجتمع، مثل الحق في الصحة والتعليم وغيرها. للإستجابة لهذه الحقوق ربما سعت إحدى الدولتين أو كلاهما لتوفير الخدمات الأساسية لمواطنيها البدو عن طريق إستراتيجيات ووسائل مبتكرة، مثل المدراس و الشفخانات المتنقلة. في هذه الحالة لابد من للدولة المستضيفة السماح للبدو الوافدين بإصطحاب مدارسهم ومراكزهم الصحية المتنقلة معهم طوال فترة مكوثهم بتلك الديار.
- الإتفاق على جدول زمني (مرن) لعبور الحدود لمجموعات الرعاة، بحيث يتبادل الطرفان وبصورة سلسة المعلومات الضرورية عن مواقيت الحل والترحال عبر الحدود الدولية وربما داخل أرضي الدولة المستضيفة حسب مواقيت ومواقع الإقامة التقليدية كما كان ممارساً قبل الإنفصال.
- في حالة حدوث وباء مفاجئ لمجموعات البدو الرعاة الوافدين أو لمواشيهم، تقوم الدولة بالتدخل العاجل للإستجابة للطوارئ إلى حين إرسال فرق من الدولة التي ينتمي إليها البدو المتأثرين بالوباء.
- ضرورة إنشاء جهاز فني مشترك قادر على التنبوء بالصراعات والنزاعات عبر الحدود وفي داخل الدول المستضيفة بين المجموعات الإثنية المختلفة أو بين الرعاة فيما بينهم أو بين الرعاة و(الفلاحين).
- لابد لدولتي السودان وجنوب السودان من إعداد دراسة شاملة لبحث وتوثيق الأسباب الكامنة خلف الصراع، خاصة صراع الموارد بين الرعاة على جانبي السودان (الشمالي والجنوبي). ومن خلال فهم الأسباب الرئيسية يمكن المعالجة وتحديد الحلول الآنية والمستقبلية. إن الأمر حتماً لا يمكن النظر إليه كصراع حول المياه أو المراعي، بل يجب النظر إليه في عمومياته كتناحر وإقتتال أحياناً بين أنماط حياة وبين سبل كسب العيش لمجموعات متباينة، وفي إطار ذلك لابد من عدم إغفال قضايا كبرى وذات صلة، مثل التغيير المناخي والإحتباس الحراري وقضايا العولمة وتأثيراتها على الصياغات الإقتصادية الإجتماعية التقليدية في مجملها.
- دعماً لكل هذه الترتيبات الإدارية على الأرض، لابد من تسهيل تجارة الحدود للسلع والمواشي لتقوي من عوامل التواصل والترابط بين المجتمعات المحلية وبين الدوليتن على السواء.
- توثيق التجربة ثم إخضاعها للتقيم الشامل بعد خمسة سنوات.
ترتيبات فنية:
- تطبيق نظام الإنذار المبكر وتبادل المعلومات لتجنب الكوارث في حالات الأوبئة والكوارث الطبيعية.
- لابد لدولتي السودان والسودان الجنوبي المتجاورتين من إدخال نظام متقدم لوشم (وسم) الماشية للتمييز بين الماشية في الدولتين وذلك عن طريق إداخل الميكروجيبس تحت الجلد (شرائح تقنية إلكترونية صغيرة متقدمة) ذات أرقام ومفاتيح إلكترونية تستعمل حالياً في الدنمارك ونيوزيلندا وأستراليا وجنوب أفريقيا. وأيضاً تستعمل في رقابة الحيوانات البرية في الحظائر المحمية في بعض دول شرق أفريقيا مثل كينيا ويوغندا وتنزانيا. ومن فوائدها ليس فقط تمييز الماشية إلكترونياً بسهولة، بل تتبع الماشية وبالتالي منع الإحتكاكات الناجمة عن سرقة الماشية بين القبائل. عن طريق هذه الشرائح الإلكترونية (Microchips) يمكن تتبع حتى الحيوانات المذبوحة لتحديد هويتها.
- إن البدو الرحل ليسوا بمنأي عن ثورة الإتصالات التي إجتاحت الأرض من مشارقها إلى مغاربها، وبالتالي قد إمتلك البدو الرحل ليس فقط أجهزة الترانسيستور، بل أجهزة التلفون المحمول (والثريا في حالة المرتبطين بالحركات الثورية أو المناهضة لدولها). إذن لابد من نظام إداري إشرافي أمني يستفيد من مقتنيات ثورة الإتصالات في الإشراف والرصد والمتابعة للحدود مسنوداً بقواعد بيانات بينية لهذه الدول تشمل الإنسان والحيوان والظواهر التي تهددهما معاً أو على إنفراد أو تلك التي تجعل إنسيابية الرعي البيني بالصورة الداعمة للجوار الأخوي وللتواصل وللوحدة الشعبية التي تتجاوز الخلافات السياسية التي أدت إلى الإنفصال بين الدولتين.
توصيات عامة:
- إن ظاهرة نهب الماشية قديمة وسط البدو في السودان وفي كل أفريقيا وتأخذ مختلف الأشكال والصياغات الإجتماعية الثقافية (مثل ظاهرة الهمبتة في السودان والتي لها أطرها وقوانينها الداخلية كمؤسسة أو كظاهرة عصيان تمرد إجتماعي)، لكن من المؤكد أن تيارات العولمة وغلبة إقتصاديات السوق قد جعلت من الظاهرة إستجابة للطلب المتزايد على لحوم الثروة الحيوانية من الطبقة الوسطي المتعاظمة العدد في الإقليم والعالم، ومن تنامي ظاهرة الحضر والمدن.
وقد أخذت هذه الظاهرة نهب الماشية ترتبط بالعنف الذي أودى بحياة الكثيرين في شرق أفريقيا وربما تحالفت هذه الجماعات (Mafia) مع آخرين لتأخذ شكل الجريمة المنظمة (Organized Crime)، وربما إرتبطت بجماعات مقاومة سياسية كواحدة من مصادر التمويل والتشوين (بقصد غذاء الجيوش). وإذا لم تضع دولتي شمال وجنوب السودان من الإجراءات الإدارية والأمنية لمنع هذه الجريمة (سرقة الماشية عبر الحدود) قبل أن تستفحل، فإنها قد تؤدي إلى نسف العلاقات البينية، وبالتالي الإستقرار بين الدولتين السودانيتين.
- التنقيب في حزام التواصل: من المؤكد أن دولتي السودان وجنوب السودان سيشرعان في عمليات تنقيب متواصلة على طول حدودهما بحثاً عن البترول والغاز والمعادن لدعم ميزانيات دولتيهما. وبناءاً على التجربة السابقة في التنقيب في حوض المجلد، فإن الدولة وشركات التنقيب لم يعيرا كبير إهتمام لمصالح البدو الرحل، مما ألحق ضرراً بليغاً ببدو المسيرية في الشمال وبدو الدينكا والنوير في الجنوب. مع إحتمالات تزايد وتيرة إقصاء وضرب مصالح البدو وزيادة حصرهم في رقعة رعوية ضيقة لا تفي بإحتياجاتهم. والنتاج الطبيعي لذلك، هو زيادة التنافس على الموارد داخل حدود البلدين أو تحديداً داخل حدود الدولة الجديدة (جنوب السودان) من بدو البقارة المنتشرين على طول الحدود بين البلدين. لابد للدولتين من إشراك بعضهما البعض في مناقشات خطط التنقيب خاصة في مناطق الرعي أو فيما يتعلق بتأثيراتها المحتملة على البدو في داخل الدولة أو الوافدين من دولة السودان (البقارة أو ربما حتى الأبالة إذا ما إستمرت وتيرة التدهور البيئي في السودان الشمالي).
إن مجموعات البدو في المناطق الحدودية للسكان هم مواطنون عابرون للحدود الدولية بصورة منظمة ومنتظمة. لابد للدولة السودانية ليس فقط إبرام الإتفاقيات بشأن هذه المجموعات مع الدول المستضيفة، بل أيضاً إنشاء وحدات فنية خاصة بمصالح هذه المجموعات في سفارات السودان في بعض دول الجوار مثل تشاد ودولة أفريقيا الوسطى ودولة جنوب السودان وإرتريا درءاً لمخاطر هذا التداخل وتوظيفاً له في دعم التواصل الشعبي بين دول المنطقة خاصة تلك المتجاورة و إثراءاً للعلاقات بينها إقتصادياً وسياسياً.
- إن نهر النيل وراوفده تعتبر موارد مشتركة بين دولتي السودان وخاصة بين القاطنين على جانبي النهر وموارده والمستفيدين منها من البدو الر حل من الجانبين. وذلك بخلاف دور النهر وروافده في عمليات التنمية الشاملة إقتصادياً وإجتماعياً وإقليمياً. عليه؛ لابد للدولتين من الإقرار والعمل بالترتيبات الدولية المتعارف عليها بين الدول المتشاطئة، كما في إتفاقيات وترتيبات دول حوض النيل خاصة في إستغلال روافد النهر، بقصد الإستغلالات الرعوية كما في حالة تداخل البدو الرحل بين دولتي السودان وجنوب السودان.
- من الممكن أن تلعب منظمة الإيقاد دوراً في تنظيم الرعي العابر للحدود بين دولتي السودان.
خاتمة:
هناك أسئلة ربما أضحت ملحة ليس فقط على دولتي السودان، بل على كل دول القرن الإفريقي وشرق إفريقيا الإجابة عليها، وهي ظاهرة العنف المجتمعي والسياسي أحياناً وسط مجموعات البدو:
- إن حركة جيش الرب تستضيفها مجموعات في الأصل بدوية رعوية في يوغندا.
- وحركة تحرير الأرومو في أثيوبيا تقع في نطاق المجتمعات البدوية، وكذلك الحركة المناهضة التي يكون قوامها قبائل العفر في منطقة القرن الإفريقي.
- بعض الحركات السياسية وأمراء الحرب في الصومال، والذين جلهم ينتمون لمجتمعات رعوية.
- حركة الأسود الحرة في السودان التي أضحت مكوناً من مكونات التجمع الوطني الديمقراطي خلال حقبة التسعينيات ممثلة لمجتمع بدوي هو مجتمع الرشايدة (الذين ينتمون إلى السودان وإرتريا وإلى بعض دول ما وراء البحر الأحمر أحياناً).
- حركة الجنجويد والتي قامت على كنف الدولة القومية الحديثة في السودان، لكنها قابلة للخروج من عباءتها لتكوين حركة سياسية منفصلة وكذلك حركة شهامة التي نشأت في ولاية غرب كردفان سابقاً وسط بدو المسيرية وغيرها من النماذج في أفريقيا. إذاً من الواضح أن هنالك إرتباطاً وثيقاً بين تهميش البدو الرحل وظاهرة العنف والإحتجاج السياسي في معظم دول شرق إفريقيا (والقرن والإفريقي).
- إذن من الضرورة إنهاء التهميش والشمول البدو الرحل في التنمية والصياغات السياسية، ومراعاة حقوقهم في المشاركة والتنمية الإقتصادية، وحمايتهم من تغول شركات النفط والتعدين وكذلك من كابوس التغيير المناخي والإحتباس الحراري والجفاف، وغيرها من التحولات الكبرى التي تحيط بهم وتحاصرهم أحياناً، بل تهدد وجودهم في أحيان أخرى. وعليه؛ فإن المعالجات التي طرحناها وهي قليل من كثير مما يجب عمله تصب في خانة الحفاظ على هذا القطاع الحيوي الهام (والذي يساهم بحوالي 10% من العملة الصعبة للسودان ويوفر 90% من البروتين الحيواني للسكان) في السودان وأفريقيا. وأيضاً فإن ما قد يحدث من حالة إهمال البدو وإستمرار تهميشهم هو تفشي العنف عبر الحدود، والإطاحة بإستقرار الدولة المتجاورة المتداخلة في منطقة القرن الإفريقي، وخاصة بين دولتي السودان والسودان الجنوبي اللتان تعيشان مرحلة دقيقة في حياتيهما وحياة شعوبهما. ولهما خياران لا ثالث لهما: إما الإستقرار (كمدخل للنماء وسعادة الشعوب)، أو تجدد الحرب وشقاء شعبين شقيقين تحاربا لنصف قرن من الزمان دون جدوى في الحقيقة وفي التحليل النهائي.
عليه؛ فإن المساحة الحقيقية التي يرجوها الرعاة هي ليست في البوادي والفيافي، بل في عقول وقلوب الساسة وراسمي السياسات التنموية والإدارية والتي عملت بإستمرار على إستثنائهم من الشمول والإحاطة في البرامج السياسية والإقتصادية والإجتماعية والتنموية في البلاد، مما جعلهم أقرب إلى النازحين منهم إلى البدو الرحل(!)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.