المجتمع الاجتماعي أو ما يعرف بالتعددية ما هو إلا آراء في رأي واحد ومن ثم فهو من أهم مظاهر الديمقراطية وتعتمد عليه الحكومات الراشدة في إدارة الشؤون العامة في الدولة المعنية وذلك لكون التعددية منهجا أو أفضل النظم السياسية المجربة حتى الآن وحيث تعبر عن مدى فاعلية مفهوم الشراكة بين القوى السياسية وقدرتها على تزكية روح الوطنية في الأجيال، طارفها وتليدها والمساهمة في دفع عجلة العمل العام الى أعلى المراقي والمدارات والتي تعجز عن بلوغها كافة النظم الدكتاتورية أو بكلمات أخرى يمكن القول إن التعددية الحزبية ظاهرة تضامنية ترفد أو تغذي آليات التناول السلمي للسلطة بكم هائل من الأفكار والبرامج مثلما يشبه الأمر تماماً تغذية مجرى النيل أو الوادي الكبير بنهيرات متعددة حرة الجريان، لا تقيدها أو تحدها الا ضفاف أو شطآن طبيعية، وحيث تمضي الأمواه الى مصباتها طائعة مختارة أو هكذا تظل الحرية هي الأصل حتى لدى الطبيعة الصامتة، الأمر الذي يفيد أحقية الطبيعة الناطقة (الإنسان) لنعمة الحرية، ولكن أيضاً بالقدر الذي يحدده الدستور المجمع عليه في المبتدأ أو الفاتحة والمجمع عليه أيضاً في المنتهى أو الخاتمة، وعلى ذات السياق والمنحى تبقى التعددية الحزبية رجع صدى لنداء انساني قديم يتردد بين جدران الزمان ومفاده (هلموا الى كلمة سواء بيننا)، إعمالاً لآي الذكر الحكيم (وأمرهم شورى بينهم). ومن بعد يتسنى للراعي والرعية تجسير الهوة التي بينهما، وهي هوة سحيقة تبدو واضحة للنظم التي تدار على شاكلة (امراء مكافيللي) وان كان تاريخ الحكم لم يستثن الا القليل الأقل من الحكام لم يكونوا من منظومة أمراء مكافيللي وذلك منذ ان حاد الانسان عن الخلافة الراشدة وذيوع فكرة الملك العضوض وولاية العهد أو الحكم من الكرسي الى المقبرة، فأغلب الحكام إن لم يقرأوا كتاب الامير الفيلسوف الايطالي (نيقولو بيترو مكافيللي باب قواعد الحكم) فإنهم على الأقل مروا على مقربة منه وطبقوها بطريقة أو أخرى. وعليه فحيث تنعدم التعددية تنعدم الشورى، فالوحدوية أو الانفرادية تولد الاستبداد وهي حالة تاريخية طريقها الى النسيان بتوقد ذاكرة الشعوب وتعظيمها التعددية الحزبية والتي ان تركت هكذا بلا ضبط فهي تحمل عوامل فنائها رغم تعددها، فلابد من مناعة تكتسبها من حقيبة الدستور، ولكل دولة طريقتها في تحديد الوصفة الحزبية، فالاحزاب في تعددها (خشم بيوت)، ولذا كان من الطبيعي ان تتفاوت الأحزاب من حيث الكسب أو العطاء، عطفا على مراكزها الشعوبية وبرامجها الاصلاحية ولا نقول مراكزها المالية، فالاخيرة مدعاة للمفسدة ولا يعتد بها كثيرا لدى الشعوب الحية في ضمائرها الا انه لا يمكن الزعم بقراءة تراتيبية (من ترتيب) للاحزاب إلا بعد النتيجة النهائية لانتخابات حرة نزيهة دورية، تبعاً للمعايير الدولية، ولا شك ان السودان معني بهذه الجزئية في الانتخابات التي سوف تجري ان شاء الله عقب اعداد الدستور الدائم، ولا نمل نداء المشاركة من كافة القوى السياسية في اعداده مرورا بجميع مراحل اعداد الدساتير التي كتب لها الدوام. وقطعاً سيفوز حزب ما، فإن كان بالاغلبية فيكون له لواء الادارة وللأقلية لواء المعارضة المسؤولة، وليس على غرار (هدم المعبد بمن فيه، أوان لم تصلح فضر)، فالواجب ان الحكومة والمعارضة يكملان بعضهما البعض باعتبارهما وجهين لعملة واحدة، اما اذا تعذر الحصول على الاغلبية المريحة فقد تلجأ الاحزاب الى فكرة الائتلاف سواء من حزبين أو أكثر وهذا ايضا يمجد من دور التعددية الحزبية ويعضد البرامج لتحقيق المصالح العليا للدولة واشباع رغبات الشعب والذي يستحقها عن جدارة واقتدار، لأن الشعب هو صاحب الارادة المطلقة في تحديد من يحكم ومن لا يحكم حتى يأتي دوره عاجلاً أم آجلا. ولاشك ان لكل دولة فلسفتها الخاصة في تنظيم مكوناتها السياسية بغرض الوصول الى الحلبة المسماة باللعبة السياسية والعمل أو الاشتراك في تحريك عجلة اللعبة او احماء مفاصلها بدماء جديدة ضمن واحد من الفريقين، حيث لا ثالث لهما وهما الاحزاب السياسية وجماعات الضغط Pressure- groups وللفائدة يمكن الاشارة أو الترميز بشيء من معاني كل منهما وبالقدر الذي يجعلنا نميز بين الحزبية ومجموعة الضغط فالحزب السياسي قد نال حظه من التعريفات وجلها تتلاقى في قواسم مشتركة مثل العضوية والمبادئ والغاية للوصول الى السلطة، فالعلامة أندرية هواريو يعرف الحزب السياسي بأنه تنظيم دائم على المستويين القومي والمحلي يسعى للحصول على مساندة شعبية بهدف الوصول الى السلطة وممارستها من أجل تنفيذ سياسة محددة. فيما عرف الأستاذ أحمد عطية الله صاحب القاموس السياسي، الحزب السياسي بأنه جماعة منظمة من المواطنين متفقة على تنفيذ مبادئ سياسية معينة اذا تولت السلطة، وذلك في حال نجاح ممثليها في المجالس النيابية وهو أحد أركان الأنظمة الديمقراطية ويقوم على ابراز المبادئ والاهداف القومية من اجتماعية واقتصادية وسياسية مع العمل على توعية الجماهير وبلورة آرائهم السياسية. ويضيف الفقيه كلسن ان الاحزاب عبارة عن تجمعات لأفراد يعتنقون نفس الأفكار وتهدف الى تمكينهم من ممارسة تأثير حقيقي على إدارة الشؤون العامة وحتى نتمكن شمول فئات المجتمع في تعريف الحزب السياسي يجدر الاشارة الى رأي زعيم الاشتراكية ماركس في قوله ان الحزب تعبير عن مصالح طبقة اجتماعية ومن ثم فإن المجتمع المقسم الى طبقات يسمح بتكوين الاحزاب، اما اذا الغيت الطبقات وأصبح المجتمع بلا طبقات فلا محل لتعدد الاحزاب. ونكتفي بهذا القدر من الاشارة الجزئية للكلية التعريفية لمفهوم الحزب السياسي، آملين في تعدد حزبي يثري الساحة السياسية بما يحقق مصالح أعضائها والذين هم شعب الدولة الذي يكون الاحزاب في تعددية فكرية أو المجتمع الاجتماعي. أما الفريق الثاني للعبة السياسية هو جماعات الضغط وهي مصطلح سياسي يقف على مفهومين أو على شقين، فالأول مفهوم الجماعة والثاني مفهوم الضغط.