القوى الإسلامية التي صعدت الى الحكم عبر الانتخابات في مصر وتونس مستفيدة من سقوط الأنظمة الديكتاتورية وجدت نفسها بعد فترة من الحكم أن الوعود التي بشرت بها لا تزال بعيدة المنال،وأشواق شعوبها المنتظرة عقوداً من الظلم والكبت لم تلامس الواقع. وبدأ الاسلاميون الذين لم تكن لهم سابق تجربة في إدارة الدولة يكتشفون أن شؤون الحكم أمر أصعب بكثير من قتال الأنظمة الاستبدادية، وأن شؤون الاقتصاد أكبر تحد يواجههم ولم يساعدهم العالم لتجاوز المصاعب إلا بشروط يعتبر قبولها تراجعاً وانكساراً في تقديراتهم مما يجعلهم أمام خيارات أحلاها مر. لقد خصمت شهور الحكم في مصر وتونس من رصيد الإسلاميين رغم مكافحتهم من أجل تعزيز المكاسب السياسية وباتوا يعانون من تراجع الثقة، فالعديد من المظالم التي أشعلت الغضب الشعبي لا تزال قائمة، إن لم تكن ازدادت سوءاً، والفقراء تزايد فقرهم، ومجتمع الأعمال تعصف به حالة من الإحباط. تراجع قيمة الجنيه المصري أمام الدولار، وانخفضت الاحتياطيات الأجنبية لمستويات أقل من الحد الأدنى المطلوب للاستيراد لمدة ثلاثة أشهر، بالإضافة إلى سوء الأوضاع الأمنية واستمرار أعمال العنف وهو ما يعيق ظهور استثمارات جديدة. وفي تونس لا يزال الشباب العاطلون عن العمل الذين كانوا القوة المحركة للثورة يشعرون بالاستياء من أوضاعهم ، ويصبون جام غضبهم على الحكومة،والبلاد في حالة أزمة سياسية تكاد تعصف بوحدة حزب النهضة بزعامة راشد الغنوشي الذي يملك أكبر كتلة نيابية في البرلمان،ويبدو أن رئيس الوزراء الجبالي الذي قضى سنوات في سجون الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي وجد أن التنظيم مكبل له لذا طرح تشكيل حكومة تكنوقراط لإبعاد وزراء حزبه من الوزارات السيادية لكنه اصطدم بالتنظيم. الإحباط في مصر وتونس ليس بعيداً عما يجري في أفريقيا ، فقد قالت دراسة صادرة عن معهد بيغن السادات في تل أبيب، إن التدخل الفرنسي العسكري في مالي ضد القوى الإسلامية المتطرفة يفتح الباب على مصراعيه أمام الدولة العبرية لتحسين علاقاتها مع باريس من ناحية، ومع الدول المسلمة وغير العربية، واستعادة نفوذها في القارة السمراء، كما كان في الماضي. وتحدثت أن فرنسا تدخلت في مالي لحماية مصالحها الحيوية، خصوصا وأن تنظيم القاعدة وضع هذه الدولة كهدف رئيسي للسيطرة عليها، تليها نيجيريا، التي تعتمد فرنسا عليها اعتمادا كبيرا لاستيراد اليورانيوم حتى الآن، ومع أن الهدف هو المحافظة على المصالح الفرنسية، إلا أن الدراسة رأت أن التدخل الفرنسي أوجد فرصة دبلوماسية لإسرائيل. ولفتت الدراسة إلى التصريحات التي أدلى بها الرئيس المؤقت لمالي والتي وجهها للأعضاء العرب في الاتحاد الأفريقي في اليوم الختامي لقمة المنظمة في أديس أبابا في 27 يناير الماضي، وبشكل خاص للدول العربية التي أدانت الهجمات الجوية الفرنسية ضد الإسلاميين، مثل مصر وتونس، معبراً عن غضبه من عدم إدانة الدول العربية للإجراءات المروعة التي تسبب بها الإسلاميون للشعب المالي، مشددًا على أن ما يهم الدول العربية هو إدانة التدخل الفرنسي، كما أشارت الدراسة إلى أن العديد من صُناع القرار في هذه الدولة الإفريقية تحدثوا علنًا عما أسموه بخيانة الدول العربية لبلادهم، وتحديداً الدول العربية التي تحكمها أنظمة إسلامية، لافتين إلى أن بلادهم قطعت العلاقات مع الدولة العبرية بسبب طلباتهم المتكررة منها وضغوطهم الجمة، وبالتالي توقع صناع القرار أنْ تقوم الدول العربية بمساعدتها في محنتها، وليس الوقوف على الحياد وإدانة التدخل الفرنسي فقط. الهواجس الأفريقية من التمدد الإسلامي دفعت كثيراً من دول القارة السمراء في الاتجاه لاسرائيل، فالصومال أصبحت واحدة من أقرب حلفاء إسرائيل في أفريقيا، وكذلك مشتر رئيسي للأسلحة الإسرائيلية، كما أن كينيا، والتي تواجه أيضا المد الإسلامي من الصومال المجاورة، مهتمة في تعزيز علاقاتها العسكرية مع إسرائيل، ونيجيريا أنفقت نحو 500 مليون دولار على شراء معدات عسكرية من الدولة العبرية في السنوات الماضية. الدول العربية وخصوصاً التي يحكمها الإسلاميون في حاجة إلى مراجعات كبرى لتجربتهم في السلطة،والانفتاح نحو أفريقيا،حتى لا تكون عمقاً لاسرائيل التي استفادت من الإنكماش العربي،واستخدمت إيران ونفوذ الإسلاميين فزاعة لدفع القارة الافريقية إلى الارتماء في أحضانها،والسودان ليس بعيداً من هذه التطورات المقلقة رغم جهود وزير الخارجية علي كرتي لفتح سفارات جديدة في القارة السمراء.