«هذه إعادة نشر لقصاصات نشرت على الفيسبوك بناء على طلب من مجموعة من الشباب. وهي ليست رواية تاريخية للأحداث ولا ترمي إلى إيراد رؤية نقدية للشخصية المعنية، بل هي قصاصات كتبت ابتداء بنية إبراز ملاحظات إيجابية أو انطباعات ذاتية عن الشخص المذكور» ذهبت معظم التغطية الإعلامية حول الإمام الهادي في فترة الديمقراطية الثانية للنزاع بينه وبين ابن أخيه السيد الصادق المهدي حول الإمامة وزعامة الأنصار . كان نزاعاً مؤلماً ومفرقاً للأنصار، وقد دفع الطرفان ضريبته في نتائج الانتخابات التي أفرزت حزباً منقسماً . وليس صحيحاً أن الإخوان المسلمين آنذاك كانوا سعيدين بالنزاع، فالحزبان والزعيمان كانا يحسبان في معركة الدستور رصيداً للخيار الإسلامي.الإمام الهادي كان أقرب للإسلاميين من حيث أنه مثل الموقف التقليدي للأنصار في مسألة الشريعة، لدرجة أن بعض الإخوان كانوا جادين في تصنيف الإمام الهادي بأنه تنظيمياً منهم. لكن الإخوان أيضاً حرصوا على الحلف مع الصادق المهدي باعتباره قياديا واعداً يحمل رؤية معاصرة للإسلام تقربه من الإخوان في بعض وجوهها على الأقل. أما في الموقف من الشيوعيين والمناداة الصريحة بالشريعة فقد كان تعويلهم على الإمام الهادي أكبر. والإمام نفسه كان ينظر إلى مسألة الشريعة من رؤية أنصارية مرجعية هي الأقرب إلى تراث المهدية. عندما جاءت مايو بوجه يساري صريح ومتطرف، على الأقل في عاميها الأولين، نشأ حلف تلقائي بين الإخوان والإمام، وكان السيد الصادق المهدي قد أبعد إلى مصر ووضع في الحبس المنزلي فأصبح خارج دائرة المعركة الوشيكة. كان الخيار الوحيد في تقدير الإمام والإخوان هو مقابلة النظام والإعداد لمواجهة عسكرية راجحة الاحتمال. تلك كانت من اللحظات التي كادت أن تحدث وحدة التحامية بين الإخوان والأنصار. أعد الطرفان عدتهما للمواجهة العسكرية المحتومة، الأنصار بأدبياتهم الجهادية التي ظلت كامنة في صدورهم برغم ما أحدثته فيهم الدعوة إلى «المهدية الجديدة « بنكهتها المسالمة؛ والإخوان برصيدهم الجهادي في فلسطين من خلال الكوادر التي تدربت على أيدي المقاومة الفلسطينية استعدادا للمنازلة الحتمية مع الدولة الصهيونية بحسب الأدبيات السائدة. في تلك اللحظة برز الإمام الهادي قائداًللمسكر الإسلامي بأكمله، وأعانه على ذلك تدينه الحقيقي واستعداده الجدي للجهادوالشهادة . جرت المواجهة في الجزيرة أبا بعد استفزازات من قوات الحكومة، وكانت معركة غيرمتكافئة راحت ضحيتها أعداد يصعب إحصاؤها من الأنصار ، ليس في الجزيرة أبا وماحولها فحسب ولكن في ود نوباوي أيضا في المعركة التي جرت حول مسجد الإمام عبدالرحمن وبداخله. وقدم الإخوان في معركة الجزيرة أبا أحد زعمائهم الأفذاذ وهو الشهيد محمد صالح عمر. رأت الحاشية المحيطة بالإمام أن الموقف الحكيم هو الخروج من الجزيرة والهجرة إلى الحبشة والإعداد لمنازلة أخرى تكون أكثر تعادلا . يقال إن الإمام لم يحبذ ذلك الرأي وكان يفضل أن يستشهد في موقعه هناك حيث انطلقت الشرارة الأولى للمهدية. أيا كان الأمر، فقد غلبت الرؤية الأخرى واستعد الأمام ومرافقوه من الإخوان، ومن بينهم المرحوم الكاروري، «للهجرة» إلى الحبشة عبر منطقة الكرمك. كاد ذلك الركب أن يعبر الحدود ولكن في اللحظة الأخيرة اقتنصته دورية حكومية وأردت منهم قتلى كان ضمنهم الإمام الذي ظل ينزف حتى الموت. وبموت الإمام الهادي فقد الناس زعيما سياسياً ودينيا مرموقا وكسبوا شهيداً جديدا بمثاله تبقي راية الدين منصوبة ما ذكره الناس..