يروى عن الراحل الدكتور كدودة عضو مركزية الحزب الشيوعى السودانى، انه بعد المفاصلة علق على سعى المؤتمر الشعبى للانضمام للمعارضة قائلاً: «الجماعة ديل خلينا ليهم الحكومة جو محصلننا فى المعارضة»، نرجو أن تكون الرواية صحيحة، وهى رواية لخصت فى سخرية معروفة عن الراحل مدى الاضطراب الذى عليه الوضع السياسى فى السودان «ولا يزال حتى يومنا هذا»، وأكبر دليل على ذلك مخرجات مؤتمر شورى الحزب الحاكم، فهو تقريباً تبنى برنامج ومطالب المعارضة، وورد فى بيان مجلس الشوري «شدد مجلس شورى المؤتمر الوطنى على ضرورة بذل المزيد من الجهود فى مكافحة الفساد والاسراف، والمواصلة فى خفض الانفاق الحكومى باعادة هيكلة الدولة وضبط وحصر الاستيراد فى الاحتياجات الضرورية، والعمل على زيادة انتاج البلاد من البترول، واعادة هيكلة القطاع الاقتصادى وتشجيع الاعفاءات الضريبية لزيادة الاستثمار، وطالب مجلس الشورى القومى فى ختام اعمال دورة انعقاده السادسة مساء الجمعة الماضية بالاهتمام بالخدمة المدنية وإصلاحها وتطويرها، والاهتمام بقطاع النقل خاصة السكة حديد، وإكمال سياسة التحرير الاقتصادى. ودعا المجلس لتطوير القدرات القتالية للقوات النظامية بتقديم الدعم المادى والمعنوى واللوجستى، كما طالب بمراجعة الصرف على الوظائف المنشأة حديثاً بالمركز والولايات، ووضع خطة علمية محكمة للحد من انتشار السلاح وملاحقة المتورطين، وأكدت توصيات اجتماع المجلس فى هذا الصدد على ضرورة الاهتمام بالقضايا الحياتية ومحاربة الفقر وتذليل معاش المواطن بتفعيل المشروعات التكافلية والاجتماعية والمحافظة على توازن السوق ومكافحة الممارسات الاقتصادية السالبة، والعمل على تعزيز الخدمات الطبية والصحية بتسهيل العلاج وتوفيرالدواء، الى ذلك جدد الرئيس البشير لدى مخاطبته مجلس شورى الوطنى الدعوة للأحزاب وكل الفعاليات للمشاركة في اعداد الدستور الدائم للبلاد، وأشار الى أن الدعوة موجهة لكل من أراد المشاركة وكل صاحب رأي ممن قدمت له الدعوة أو لم تقدّم، ورحب بمساهمات الكتاب والاعلاميين والصحافيين، وقال: «نعمل من أجل اعداد وثيقة تعبّر تعبيراً حقيقياً عن الشعب السوداني يتبلور حولها شبه اجماع»، وأضاف البشير: «على من يتحدّثون عن التحول الديموقراطي والتبادل السلمي للسلطة أن يوقنوا أن أول عنوان في هذا التحول هو الدستور»، مؤكداً أن العيب الوحيد في الدستور الحالي هو أن اسمه «دستور انتقالي». ولعل هذا التبنى من الحزب الوطنى لرؤى المعارضة هو ما دفع السيد الامام الصادق المهدى للحديث عن الاختراق الذكى «الذى نجح فى خلق رأى عام وسط المؤتمر الوطنى فى اتجاه ما ينادى به الامام». وهكذا يتبنى شورى الوطنى برنامج المعارضة ومطالبها «وما فيش داعى للمعارضة ولا مبرر لوجودها من اصله»، وعليها ان ارادت ان تستمر كمعارضة ان تبحث عن برنامج آخر «كالفجر الجديد»، او تشارك اهل «الفجر الجديد» وتدعوهم الى تبنى الخيار السلمى لإسقاط النظام، ولها ان تشارك فى الحكومة وتعارضها فى ذات الوقت كما هو الحال فى بعض احزابنا، او ان شاءت فلترتاح بعد هذا الانجاز الضخم فمطالبها فى ايدٍ أمينة «ودخلت حوش الوطنى»، اما السائحون والسائحات فإن الوطنى اولى بهم «جحا اولى بى لحم تورو»، ولكى لا نتهم شورى الوطنى بالاحتيال والسطو على برنامج المعارضة، فإننا نسأل اولاً الاخوة فى شورى الوطنى الى من توجه عبارات البيان الختامى «شدد.. وطالب»، هل هى موجهة للحكومة؟ أم هي موجه للحركة الاسلامية؟ ام للسيد رئيس الجمهورية ورئيس الحزب؟، وعلى كل حال فهى عبارات مسجلة للمعارضة، ودرجت قوى المعارضة على تداولها وإبرازها فى بياناتها وخطاباتها للحكومة وحزبها الحاكم وبالطبع هيئاته بما فيها مجلس الشورى، ومنعاً للإحراج وسداً لباب الاتهامات والخلافات حول ملكية الشعارات والبرامج وربما التقاضى حولها، فإننا ندعو المعارضة الى تسجيل برامجها ومطالبها لدى هيئة الملكية الفكرية السودانية، وحتى لا يصبح بيان مجلس الشورى ذراً للرماد فى العيون، عليه ان يفصح عن الجهة التى طالبها وتشدد فى طلبه لها لتنفيذ توصياته ومخرجات مؤتمره، وماذا هو فاعل ان لم تنفذ هذه التوصيات؟ واذا كانت قوى المعارضة قد رهنت تنفيذ برامجها بإزالة وإسقاط النظام، فماذا ينتظر الوطنى لإنفاذ برامجه وقراراته؟ أليس هو الحزب الحاكم؟ «اللهم إنا نعوذ بك من العجز والكسل، ونعوذ بك من الجبن والبخل، ومن غلبة الدين وقهر الرجال».