لا أحد يستطيع أن ينكر أن الساحة الفنية قد اعترتها الكثير من مظاهر الفوضى والانفلات خلال السنوات الماضية، واختلط فيها الحابل بالنابل، فهناك موجة من الاصوات الفنية التى لا يكاد المرء يميز الجميل والنشاز منها، فى ظل هذا الكم الكبير من المطربين والمطربات الذى للاسف لم يضف الى سفر الاغنية السودانية إلا النزر اليسير من الأعمال والأغنيات الجديدة التى تستحق الانتباه، فيما تسيطر الاغنيات الهابطة على الساحة من خلال المسارح الاجتماعية وحفلات المناسبات، فى ظل ضعف الضوابط التى تحكم التعامل مع الفن الغنائى بصورة عامة، وعدم قدرة اتحاد المهن الموسيقية على تسوير الساحة وإنفاذ قوانين الملكية الفكرية، رغم الجهود التى بذلت فى هذا السياق. ومن مظاهر الفوضى التى أصبحت أمراً عادياً، عدم احترام بعض المطربين للمواعيد الخاصة بحفلات المناسبات التى يتعاقدون عليها، واليكم هذه الواقعة: إحدى الاسر اتفقت مع مطربة ناشئة متخصصة فى غناء «الدلوكة» بعد أن فشلت فى التعاقد مع الفنانات المشهورات فى هذا المجال بسبب ارتفاع سقف أجرهن، لإحياء حفل حنة عروس، وطلبت المطربة المغمورة أن يدفع اجرها كاملاً «ألفا جنيه» «ما تنقص قرش». واستجاب اصحاب المناسبة، وفى اليوم المحدد للحفل ظل المدعوون فى انتظار حضور الفنانة حتى الساعة التاسعة والنصف، وكلما اتصلوا عليها ترد بزهج «أنا فى السكة الشارع زحمة أطير يعنى؟!» واخيرا وصلت سعادتها الساعة العاشرة إلا ثلثاً، واستغرق نصب الساوند نحو «20» دقيقة أخرى، والعشاء «15» دقيقة، و «10» دقائق تانى لضبط الصوت والايقاع، وبعده بدأ الحفل، وبعد اغنية واحدة توقفت بحجة أن «الدلوكة بردت ودايره تسخين» ثم بعد اغنيتين تكرر نفس الشىء.. المهم أنها غنت فقط «6» ءغنيات قبل أن يوقف فنى الساوند جهازه عند الحادية عشرة تماماً التزاماً بالموعد الذى يعرفه جميع السودانيين. وغادرت المطربة المكان دون أن تعتذر عن التأخير، وكانت عبارتها الأخيرة «نعمل ليكم شنو الشارع كان زحمة؟!»، وبالطبع ليس هناك عقد مكتوب بين الطرفين يحدد زمن بداية او نهاية الحفل اوعدد الاغنيات لحماية الضحية «المواطن»، وذات المشهد بات مألوفاً فى النوادى وصالات المناسبات، وحتى من قبل فنانين بعضهم يتقاضى أجراً عالياً، وهذه الظاهرة تبدو متناغمة مع مفهوم مواعيد السودانيين المعروفة. وهناك شيء آخر لفتت انتباهى، فقد قال لى صديقى قبل ايام وبدون مناسبة: «أقيمت فى حلتنا عند المغرب حفلة صاخبة نظمها اولاد متنمرين بدون أي مناسبة، كده مزاج، وهبطت في الميدان الذى يتوسط الحى مجموعات من القاصرين، وامتلأ المكان.. ركشات وهاك يا رقيص وكواريك وسكلى على صوت مطربة بجح غنت حتى لتجار البنقو! وتعكر مزاجى وطفلى الصغير يقول لى يا بابا ودينى الحفلة، وفكرت في الاتصال بالشرطة، ولكن زوجتى قلت لى: عيب لوك الصبر ديل أولاد الحلة!!». [email protected]