٭ كان الأطفال فيما مضى من زمان، يأكلون التراب أكلاً جماً، ولا أدري هل أطفال هذا الزمان يأكلون منه، أم أقلعوا عنه وهاموا بشيء من تقاليع الزمن... كما أقعلوا عن أكل النبق واللالوب والخروم، وانصرفوا إلى الآيس كريم والجاتوهات والشكولاتة. ٭ كان الأطفال فيما مضى، يهتبلون كل سانحة، ويقتنصون كل فرصة ليسفوا من التراب ويملأوا به أشداقهم. ٭ لماذا كان يحب الأطفال أكل التراب؟! ولماذا كان يمنع الآباء والأمهات الأطفال من أكله؟! ٭ اثنان من علماء البايولوجيا، كانا يعملان في برنامج بحث خاص ببغاوات غينيا الجديدة، استوقفتهما مجموعة من الببغاوات، تحرص على إضافة وجبة من التراب إلى غذائها... وعندما قاما بتحليل مكونات الغذاء المفضل لها، كانت مكونات الغذاء غنيَّة لا ينقصها عنصر غذائي. ٭ وهذا يعني أن الببغاوات لا تطلب التراب لفائدة غذائية. ٭ ولما كانت بعض الحيوانات تختار حبات التربة الكبيرة، لا للاستفادة منها كغذاء، ولكن لتساعدها في طحن الطعام وتسهيل هضمه فكر الباحثان في أمر الببغاوات من هذه الناحية، ولكنهما وجدا أن الببغاوات تمتلك مناقير حادة قوية، كفيلة بتمزيق الطعام إلى وحدات صغيرة قبل ابتلاعه، فهي لا تعاني من مشكلات في الهضم، اضف إلى ذلك أن حبيبات التراب التي تأكلها ناعمة ولا فائدة منها كأداة للطحن. ٭ إذن لماذا تهوى هذه الببغاوات أكل التراب؟ ٭ التفت الباحثان إلى غذاء الببغاوات، ووجداه غنياً بالبروتين والدهون، وبه أيضاً بعض المركبات السامة مثل الستريكنين والكينين وهي سموم قاتلة وقادرة على إهلاك الببغاء. ٭ ونجح الباحثان في الربط بين حاجة الببغاء للتراب والسموم الموجودة في غذائه، فحبيبات التربة تجذب إليها جزيئيات المادة السامة فتمنع امتصاصها في الأمعاء، وبالتالي لا يؤثر السم في الببغاء. ٭ سبحان الله.. حتى الطيور تعرف ضرها ونفعها. ٭ والأطفال أيضاً يعرفون.. ويغنون: ( لما كنت صغيرة.. بلعب في التراب.. أمي لبستني الجزمة والشراب.. مشيت للأفندي.. أداني كتاب.. قال لي اكتبي عربي.. كتبت حساب). ٭ لكن الكبار، الآن، لا تستهويهم أغاني التراب، ويريدون لصغارهم أغاني السراميك والموكيت والسجاد الفاخر: ( لما كنت صغيرة، بلعب في الموكيت، ماما لبستني الجزمة والتي شيرت.. مشيت للأستاذ.. درست إنترنت)!! ٭ إنترنت وموكيت وما خُفيَ أعظم.. ويبقى التراب القادر على امتصاص المواد السامة في بطن الببغاء، بعيداً عن أيدي الصغار. ٭ ويبقى الإنسان هو المخلوق الوحيد، الذي لا يملأ عينه إلا التراب، إن لم يأكله في الصغر.. دفن به تاريخه في الكبر.